البنايات غير المكتملة بالجزائر.. ظاهرة قاومت عشرات القوانين

تعتبر البنايات غير المكتملة العمومية والخاصَّة، في الجزائر مشكلة تؤرق السلطات وتشوه المظهر العام للشوارع حتى في المدن، أرجعها مختصون إلى خلفيات اقتصادية واجتماعية وحتى ثقافية، قاومت القوانين والمراسيم سارية المفعول، والتي تتضمن عقوبات مشددة ضدَّ المخالفين.
في كثير من شوارع المدن، ومنها العاصمة الجزائر، ترى بنايات غير مكتملة، وبقيت ورشات لعقود من الزمن، بعضها تابعة للبرامج السكنية مثل التساهمي التي ينجزها مقاولون رموا المنشفة لأسباب أهمها ارتفاع أسعار مواد البناء، أما البنايات والمنازل التابعة للخواص، فهي الأخرى، تشوه المظهر العام للشوارع، بفعل عدم استكمالها أو عدم طلاء واجهاتها، حتى إنَّ كثيرا من الجزائريين يعتبرون الواجهة الخارجية آخر مرحلة من مراحل البناء، أو حتى مرحلة قد يتم تجاوزها لتجنب تكلفتها أو حتى درءًا للحسد، حسب رأي بعضهم.

هو ما لاحظناه في شوارع المدنية الراقية، غرب العاصمة الجزائر، درارية، والتي بها العديد من البنايات غير المكتملة، على امتداد شارعها الرَّئيسي المؤدي إلى مدينة سحاولة، وكذا الحال بالنسبة لمدينة بئر خادم، حيث إن كثيرا من البنايات، ورغم استكمال الأشغال على مستواها، وفتح محلات في طوابقها السفلية، إلاَّ أن واجهاتها بقيت آجرا، يشوه المنظر العام.
في الموضوع، قال الخبير الدولي في العمران ورئيس المجلس العربي الأعلى للعمارة والعمران وتطوير المدن، جمال شرفي، بأنَّ “.. هناك مخلفات سياسية وتاريخية وأمنية واجتماعية أدت إلى هذا الوضع، الذي يشمل حتى الأحياء الراقية، في العاصمة الجزائر، مثل حيدرة والمرادية وغيرهما، حيث تعثر على إسفلت يلامس جدران البيوت، وسياجات وقضبان حديدية وغيرها”.
وعاد المتحدث في تصريحه لـ”العربية.نت”، إلى كون “القانون المطبق حاليا هو القانون رقم 90-29 الصادر سنة 1990، وهذا بالرغم من أن قوانين التعمير في العالم أجمع تتغير، وليست ثابتة، لأنَّ المعايير تختلف وتتطور، حيث تتطور الخدمات الاجتماعية والعمرانية، وبالرغم من صدور مراسيم تنفيذية تلته، إلا أنها غير كافية”.
وأضاف المتحدث: “تلى تلك الحقبة التي أصدر فيها القانون، عدة مراحل مرت بها الجزائر، منها العشرية السوداء، التي كرَّست البناء الفوضوي، حيث كان هناك مواطنون يفرون من التهديدات الأمنية ليُشيدوا بناءات فوضوية وقصديرية، وحتى عند استتباب الأمن، وقعت ممارسات أساءت للعمران، منها احتيالات في العقار، من استيلاء على عقارات عمومية، وبناء بدون رخص وعقود وغيرها، ما أنتج في العاصمة فقط ملايين البنايات الفوضوية”.
من هنا، أضاف شرفي “ظهرت الحاجة إلى سن قانون جديد، فصدر القانون 15/08، سنة 2008، والخاص بتسوية البنايات غير المكتملة، والذي اعتبره من أسوأ القوانين التي شهدتها الجزائر، لأنه شَرْعَنَ الجرم العمراني، فمن بين بنوده تسوية الأحياء الفوضوية، ومع هذا لم يطبق القانون، ويشهد منذ سنة 2013 تمديدا سنويا في قانون المالية، حيث إنَّ المعنيين به لم يخضعوا له، والسلطات لم تُطبق العقوبات على المخالفين، والتي تتراوح بين الغرامات المالية وبين الهدم وحتى السّجن، وبقي حبرا على ورق”.
كل هذا، حسب المختص في العمران “شجع المواطنين على التراخي في استكمال بناياتهم، وعدم طلاء الواجهات، دون الخوف من العقوبات القانونية”.
من الناحية الاجتماعية، أوضح المختص الاجتماعي عمار بلحسن، أنه “بعيدا عن القوانين واحترامها ومدى الالتزام بها، فإنَّ ثقافة العمران تختلف بين الشعوب، وهي من تحدد تصرفات سكانها”.
وأضاف المتحدث لـ”العربية.نت” قائلا: “في الذهنية الجزائرية، يرتبط البناء بخلفيات اقتصادية وأخرى اجتماعية، إما الاقتصادية فعادة ما تشترك العائلة الواحدة في بناء مبنى من طابقين إلى ثلاثة أو أكثر، وهو البناء المشترك الذي يستنزف من العائلة مداخيل كثيرة، تجعلها بالكاد تستطيع إنهاء الإنجاز، حتى إن أغلب العائلات تسكن تلك البنايات وهي غير مكتملة، وبالتالي فإنَّ آخر همها تكون الواجهة الخارجية، وتبقى لسنوات وأحيانا لعقود دون أن تستكتمل طلاء الواجهات”.
أما من الناحية الاجتماعية، فأضاف بلحسن: “هناك اعتقادات بأنَّ البناء غير المكتمل لا يجلب الحسد، حتى إننا نرى أحيانا بنايات يعلقون أعلها إطارات مطاطية للسيارات لإبعاد العين، وغيرها من الممارسات التي لا تزال سائدة في المجتمع إلى اليوم”.
وكل هذا، قال المختص الاجتماعي “كان سيزول لو كانت هناك تنشئة عمرانية سوية للفرد، فالجزائري نشأ على منظر البنايات غير المكتملة، وبالتالي لم يعد هذا المظهر غريبا حتى في قلب المدن”.