لغز جيولوجي يكشف سبب تحرك أكبر جزيرة في العالم!

في ظاهرة أثارت دهشة العلماء، كشف باحثون عن تحولات مذهلة تشهدها جزيرة غرينلاند، أكبر جزيرة في العالم، إذ تبين أنها تتحرك ببطء نحو الشمال الغربي وتتقلص تدريجيا في الحجم. هذه النتائج، التي جاءت بعد تحليل دقيق لبيانات استمرت لعقود، تسلط الضوء على تفاعل معقد بين ذوبان الجليد العميق وحركة القشرة الأرضية، ما يجعل غرينلاند واحدة من أكثر المناطق الجيولوجية نشاطًا على الكوكب.
ويقول العلماء إن الجزيرة لا تتحرك وحدها فحسب، بل يتغير شكلها أيضاً بسبب التغيرات في الضغط الجليدي وارتداد الأرض من تحته. هذا الاكتشاف الجديد يكشف لغزاً جيولوجياً ظلّ خفياً لآلاف السنين، ويفتح الباب لفهم أعمق لتأثير المناخ والجيولوجيا على ملامح كوكبنا المتغيرة باستمرار.
وتشهد غرينلاند، أكبر جزيرة في العالم، تحولات جغرافية وجيولوجية مدهشة، إذ تتقلص مساحتها وتتحرك ببطء نحو الشمال الغربي بمعدل يقارب سنتيمترين سنويا خلال العشرين عاما الماضية. هذا التغير اللافت ليس ظاهرة سطحية فحسب، بل هو نتيجة لتفاعل معقد بين ذوبان الجليد وتبدّل القشرة الأرضية العميقة التي تحمل الجزيرة.
منذ ذروة العصر الجليدي الأخير قبل نحو 20 ألف عام، تسبب ذوبان الصفائح الجليدية الضخمة في تخفيف الضغط الهائل على سطح الجزيرة، مما أدى إلى ارتداد قاعدتها الصخرية وتشوه صفيحتها التكتونية. هذه العمليات جعلت بعض أجزاء غرينلاند تنكمش وتنخفض، بينما تمتد مناطق أخرى وترتفع، فتتحول الجزيرة حرفيًا من الداخل والخارج في آنٍ واحد.
يقول الباحث دانجال لونجفورس بيرج من الجامعة التقنية في الدنمارك ومختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا: “غرينلاند أصبحت أصغر قليلًا في الوقت الحالي، لكن هذا الاتجاه قد يتغير مستقبلًا مع تسارع ذوبان الجليد”.
وأضاف : “ذوبان الجليد الحديث دفع أجزاء من الجزيرة إلى الارتفاع والتمدد، لكن آثار ذوبان الجليد القديم ما زالت تدفعها في الاتجاه المعاكس، فتسبب انكماشًا في مناطق أخرى”.
تغطي غرينلاند مساحة تقارب 2.1 مليون كيلومتر مربع، وتقع على الصفيحة التكتونية لأمريكا الشمالية، وهي جزء من منظومة جيولوجية ضخمة تتحرك ببطء فوق وشاح الأرض — طبقة من الصخور الساخنة شبه الصلبة تتدفق ببطء يشبه تدفق الشراب الكثيف. هذا التفاعل العميق بين الجليد والصخور والوشاح يفسر سبب استمرار الجزيرة في التغير حتى اليوم.
اعتمد فريق الباحثين على بيانات دقيقة من 58 محطة GPS موزعة حول الجزيرة، تتبعت التغيرات في موقعها وارتفاعها وتشوه قاعدتها الصخرية على مدى عشرين عامًا.
بعد دمج هذه البيانات في نموذج جيولوجي يغطي 26 ألف سنة من التاريخ الأرضي، اكتشف العلماء أن الحركة ليست موحدة كما كان يُعتقد سابقا. فبينما ترتفع بعض المناطق بسبب تخفيف الضغط الناتج عن ذوبان الجليد الحديث، تنكمش مناطق أخرى بفعل توازن القوى العميقة بين القشرة والوشاح.
تُظهر هذه النتائج أن غرينلاند ليست مجرد جزيرة مغطاة بالجليد، بل نظام جيولوجي حيّ يتنفس ويتحرك باستمرار، في استجابة بطيئة لكنها مذهلة لتغيرات الأرض والمناخ عبر العصور.