مصر

مصر.. خبراء آثار يكشفون الثغرات الخفية وراء تكرار سرقة القطع الأثرية

شهدت مصر خلال الفترة الأخيرة تكرار وقائع اختفاء وسرقة قطع أثرية نادرة من مواقع ومتاحف خاضعة لإشراف وزارة السياحة والآثار، ما دفع القيادة السياسية إلى إصدار توجيهات عاجلة لإعادة النظر في منظومة التأمين والحصر داخل المؤسسات الأثرية.

وجاء التحرك الرسمي بعد إعلان الوزارة اختفاء لوحة أثرية من الحجر الجيري بمقبرة “خنتي كا” في منطقة سقارة، وهي واقعة لحقت بأخرى سابقة تضمنت فقدان سوار ذهبي أثري من داخل معمل ترميم المتحف المصري بوسط القاهرة.
وقد أعادت هذه الأحداث طرح تساؤلات حول كفاءة نظم التأمين والرقابة في مواقع يُفترض أنها مؤمنة على أعلى مستوى.

تكليفات رئاسية وتحرك برلماني
وأصدرت مؤسسة الرئاسة تكليفاً مباشراً لوزارة السياحة والآثار بإنشاء مخزن مركزي ضخم مؤمنّ بأحدث تقنيات الحماية الإلكترونية، لضمان منع تكرار تلك الحوادث، فيما بدأت النيابة العامة تحقيقاً موسعاً حول الواقعة الأخيرة.

وفي المقابل، طالب أعضاء في البرلمان وخبراء آثار بضرورة إجراء مراجعة شاملة لآليات العمل داخل الوزارة والمجلس الأعلى للآثار، مؤكدين أن تكرار هذه الوقائع يشير إلى خلل هيكلي يتطلب إصلاحاً إدارياً وأمنياً عاجلاً لضمان حماية الإرث التاريخي المصري من الفقد أو التهريب.

ثغرات الرقابة وضعف التفتيش الداخلي
أوضح الخبير الأثري الدكتور أحمد عامر المتخصص في علم المصريات لـ”24″، أن خروج أي قطعة أثرية من المخازن أو المعامل يخضع لمسؤولية محددة، حيث تُسلم العُهد الأثرية رسمياً إلى شخص بعينه بموجب محضر تسليم وتسلم، ما يجعل هذا الشخص هو المسؤول الأول عن أي فقد أو اختفاء.

وأشار إلى أن دخول المخازن يكون محصوراً في حاملي العهد فقط، وبالتالي فإن خروج أي قطعة لا يمكن أن يتم دون علمه أو مشاركته المباشرة.

وبيّن أن القطع الصغيرة، مثل الحُلي أو الأدوات الدقيقة، تُحفظ عادة داخل خزائن حديدية تحت إشراف مدير المعمل المسؤول عنها، بينما يصعب نقل القطع الثقيلة نهائياً نظراً لضخامة حجمها وإجراءات تأمينها.

وعن سرقة الأسورة الشهيرة، أوضح عامر أنّ الموظفة ربما ظنّت أنها غير مُسجلّة، ما أغراها بالسرقة، وهو الأمر المؤسف، إذ أن أي قطع غير مسجلة يصعب الوصول إليها حال تم الاستيلاء عليها.

واعتبر أن حادثة مقبرة “خنتي كا” مثال واضح على هذه الثغرات، إذ كانت المقبرة مغلقة لفترة طويلة، وعند فتحها تبيّن فقدان جزء من محتوياتها، وهو ما يستدعي تنفيذ جرد دوري كل أسبوعين لضمان توثيق حالة كل قطعة ومتابعة أي تغيير يطرأ عليها.

وأكد أن غياب التفتيش الدوري، خاصة من قبل كبار المفتشين، يمثل ثغرة خطيرة تسمح بمرور المخالفات دون رصد، مضيفاً أن خطورة الأمر تتضاعف إذا كانت القطع غير مسجلة رسمياً.

واعتبر أن واقعة مقبرة “خنتي كا” تعكس خطورة غياب الجرد المنتظم، موصياً بإجراء جرد كل أسبوعين لضمان متابعة حالة القطع وتوثيقها بدقة.

وفيما يخص تقنيات الحماية، شدد على أهمية التتبع الرقمي والبصمة الأثرية لتحديد هوية كل قطعة ومنع التلاعب، وحول فكرة إنشاء مخزن موحد للآثار، رأى عامر أنها خطوة مهمة لكن تنفيذها معقد بسبب العدد الضخم للقطع الذي يتجاوز مليوني قطعة والتكلفة العالية، إلا أنها ستساعد في تحديد المسؤوليات ومتابعة العهد الأثرية بدقة.

وأكد أن المواقع الواسعة مثل أهرامات الجيزة وأبو رواش والفيوم تحتاج إلى تعزيز أنظمة المراقبة بالكاميرات والأسوار وتزويد عناصر الأمن بالسلاح، لضمان سرعة التدخل والإبلاغ عن أي خرق أمني محتمل.

ولفت ريحان إلى أن جميع القطع الأثرية الأصلية داخل المتاحف مسجلة بأكواد دولية تتيح تتبعها حال تهريبها، لكن الخطر الحقيقي يكمن في المخازن القديمة غير المرقمنة التي لا تمتلك حصراً شاملاً ولا توثيقاً مصوراً، ما يسهل استبدال القطع أو اختلاسها.

ودعا “رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية” إلى إنشاء قاعدة بيانات إلكترونية موحدة للآثار المصرية الثابتة والمنقولة، على أن تكون مرتبطة بشبكات تتبع دولية، مؤكداً أن بعض المواقع الأثرية مثل الكرنك تطبق هذه المنظومة منذ عقود.

وشدد الخبير على أن غالبية المخازن تفتقر لمعايير الحفظ والتأمين الحديثة، مما يجعلها بيئة خصبة للسرقات، موصياً بإعادة تأهيلها وفق مواصفات فنية وأمنية صارمة تشمل كاميرات مراقبة عالية الدقة، وأجهزة استشعار وإنذار، وحصراً يومياً للقطع.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى