بعد يومين من عودته من ألمانيا.. القصة الكاملة لوفاة السوري يوسف اللباد

توفي الشاب السوري يوسف اللباد من أبناء حي القابون الدمشقي، في أحد سجون الأمن الداخلي في العاصمة دمشق بعد يومين فقط من عودته من ألمانيا في رظوف غامضة.
واتهمت عائلته وناشطون سوريون السلطات السورية بوفاته تحت التعذيب في السجن.
وأشارت مصادر مقربة من العائلة إلى أن اللباد اعتُقل من داخل المسجد الأموي، وسُلّم جثمانه لاحقاً لعائلته وعليه آثار تعذيب واضحة، ما أثار موجة استنكار واسعة واتهامات مباشرة للأمن الداخلي بالتسبب في وفاته.
ونقلت صحيفة “الوطن” المقربة من الحكومة السورية عن مصدر خاص في وزارة الداخلية، الأربعاء، أن “الشاب يوسف اللباد توفي داخل أحد السجون التابعة للوزارة في ظروف غامضة”، مشيرة إلى أن “وزير الداخلية (أنس خطاب) وجّه بفتح تحقيق مستعجل لكشف ملابسات الوفاة واتخاذ الإجراءات اللازمة”.
الرواية الرسمية :
أوضح قائد الأمن الداخلي في محافظة دمشق، العميد أسامة محمد خير عاتكة، ملابسات الحادث المؤسف الذي وقع للشاب يوسف اللباد في أحد المساجد في دمشق، وأدى إلى وفاته.
وقال العميد عاتكة في تصريح نقلته وزارة الداخلية عبر قناتها على تلغرام: إنه “في يوم الثلاثاء بتاريخ الـ 29 من الشهر الجاري، وردت تقارير عن شاب في حالة نفسية غير مستقرة، حيث دخل المسجد الأموي وهو في حالة من عدم الاتزان وبدأ يتفوه بعبارات غير مفهومة كما وثّقت كاميرات المراقبة داخل المسجد، فتم التعامل مع الحالة من قبل عناصر حماية المسجد، الذين حاولوا تهدئته ومنعه من إيذاء نفسه أو الآخرين.
وأضاف العميد عاتكة: أثناء وجود الشاب في غرفة الحراسة، أقدم على إيذاء نفسه بشكل عنيف عبر ضرب رأسه بأجسام صلبة، ما تسبب له بإصابات بالغة، وقد تم الاتصال بالإسعاف على الفور، إلا أنه فارق الحياة رغم محاولة إسعافه.
وتابع قائد الأمن الداخلي بدمشق: “نؤكد على خطورة هذا الحادث ونسعى جاهدين لتحديد جميع الملابسات المحيطة به، ونعمل بالتعاون مع الجهات المختصة لإجراء تحقيق شامل وشفاف، وسنقوم بإصدار المزيد من المعلومات حالما تتوفر”.
وختم العميد عاتكة بالتقدم بأحرّ التعازي والمواساة القلبية لعائلة الفقيد.
وزير الداخلية يعد بتحقيق عاجل
أعرب وزير الداخلية أنس خطاب عن خالص تعازيه لذوي الشاب يوسف اللباد، مؤكداً بدء تحقيقات عاجلة ونزيهة بشأن وفاته.
وأكد الوزير خطاب في منشور عبر (X) : أنه “في حال ثبوت تورط أي من عناصر حرس المسجد الأموي أو عناصر الأمن في المنطقة بوفاة الشاب يوسف اللباد، سيتم اتخاذ أشد الإجراءات القانونية بحقهم دون أي تهاون، عبر الجهات القضائية المختصة”.
وأشار إلى التزام الوزارة بإجراء تحقيق عادل وشفاف، ونقل تفاصيل القضية إلى الرأي العام كما حدثت، بعد انتهاء التحقيقات وصدور تقرير الطبيب الشرعي.
زوجته تعلق :
وفي أول تعليق من العائلة، اتهمت زوجته سندس عثمان، عبر صفحتها في “فيسبوك”، جهاز الأمن العام بالتسبب في وفاته، وقالت إن زوجها “تم اعتقاله من الجامع الأموي في دمشق، وتوفي بعد يومين فقط من عودته إلى البلاد، نتيجة تعرضه للتعذيب خلال فترة احتجازه”. وأكدت أن “جثمانه كان مغطى بآثار تعذيب واضحة”، مضيفة: “زوجي ما صرله غير يومين راجع عالبلد، اللي على أساس صار فيها أمان. أنا بطالب بحق زوجي وحق أولادي، وعلى الجميع ممن يمتلك ضمير وإنسانية أن يطالب معنا بكشف الحقيقة ومحاسبة الجناة”. ودعت أبناء حي القابون إلى “عدم السكوت عن مقتل أحد أبنائهم”، محذّرة من أن “استمرار الصمت سيجعل الجميع عرضة للانتهاكات”.
وفي متابعة للحدث، ذكر تلفزيون “العربي”، نقلًا عن مصدر من عائلة يوسف اللباد، أن الشاب “قُتل تحت التعذيب عقب اعتقاله من داخل المسجد الأموي بدمشق على يد دورية تابعة للأمن الداخلي، وذلك بعد رفضه الخروج من المسجد”. وأوضح المصدر أن “الجثمان سُلّم لاحقًا إلى العائلة وعليه آثار تعذيب واضحة”، مشيراً إلى أن يوسف كان “منشقًا عن النظام سابقاً، وشارك في صفوف الجيش الحر في حيي القابون وبرزة قبل اتفاق المصالحة، ثم غادر البلاد إلى أوروبا لاجئًا، قبل أن يقرر العودة مؤخراً”. واعتبرت عائلة اللباد، بحسب المصدر ذاته، أن “ما جرى يمثل أول حالة وفاة تحت التعذيب في سجون الحكومة السورية الجديدة بعد التغييرات الأخيرة”، مطالبة بـ”توضيح كامل لما جرى ومحاسبة كل من شارك في هذه الجريمة”.
ويوضح ابن عمة يوسف، بدر كزور على “فيسبوك”، أن “يوسف شاب ملتزم وغيور على دينه وبلده وأهله وعرضه، وأنه عاد إلى الشام قبل أربعة أيام فقط، معاهداً الله تعالى على ترك بلاد الأمان والحضارة والقانون والحريات بمجرد سقوط نظام بشار الأسد، ليكون لبنة في العمل والنهوض مع أبناء جلدته ودينه وبلده”. ويقول كزور: “عاد يوسف ليفي بوعده أمام الله، وقضى نذره بالمبيت والاعتكاف في الجامع الأموي فور وصوله إلى أرض الشام. لكننا فُجعنا يوم أمس بخبر وفاته في مشفى المجتهد، بعد أن غلب جسده الذي أنهكته سنوات التهجير وأبشع صور التعذيب الجسدي والتنكيل التي اعتدنا رؤيتها منذ عام 2011، ولكن هذه المرة على يد عصابات النظام المجرم وجزاري الأفرع الأمنية بحق المتظاهرين السلميين”.
ويتابع: “ترك يوسف وراءه أمه التي كانت تراه الأمان بعد وفاة زوجها منذ أكثر من 18 عاماً، وزوجته الشابة التي باتت أرملة مع ثلاثة من الأبناء الذين تيتموا على أيدي وحوش بشرية تدعي زوراً وعدواناً أنها الأمن العام”. وختم كزور حديثه بالتنديد بهذه الجريمة البشعة التي “تنطوي على خيانة إنسانية ووجع عميق في بيت العائلة والمجتمع”، داعياً وزارة الداخلية السورية ووزيرها ومسؤول الأمن العام في دمشق أنس خطاب، وكافة المسؤولين المعنيين إلى التحرك فوراً لكشف ملابسات هذه الوفاة وإحقاق العدالة.
في السياق ذاته، قال الصحافي خالد سرحان إن يوسف اللباد “عاد من ألمانيا بنيّة الاستقرار والعيش في بلده بعد سقوط نظام بشار الأسد، لكنه اعتقل خلال وجوده في دمشق، وتوفي تحت التعذيب داخل مخفر الحميدية التابع لجهاز الأمن الداخلي”. ووصف سرحان ما جرى بأنه “وصمة عار”، مضيفاً أن “السكوت عن جرائم من هذا النوع ستكون له تبعات كارثية على مستقبل المرحلة الانتقالية في سورية”.
تلاسن مع أحد عناصر الأمن
من جانبه، أشار الصحافي باسل حوى، المقيم في أوروبا، إلى أن الشاب اعتُقل إثر مشادة كلامية مع أحد عناصر الأمن خلال زيارته للجامع الأموي، وقال في منشور على صفحته في “فيسبوك”: “شاب سوري عاد من ألمانيا في زيارة قصيرة إلى دمشق، وانتهت حياته بعد أن قُتل تحت التعذيب. الدولة الجديدة مطالبة بموقف واضح وصريح تجاه هذه الجريمة”. ووجّه حوى رسالة لوسائل الإعلام والمسؤولين قائلاً: “سأنشر رسالة زوجته لعلها تلامس ضمير من لا يزال صامتاً”.
وتأتي الحادثة في وقت تحاول فيه السلطات الانتقالية الجديدة في دمشق تعزيز صورة الاستقرار، وسط دعوات حقوقية متزايدة لتوثيق الانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز، ومطالبات بمحاسبة المتورطين في التعذيب وغيره من أشكال الانتهاك، لضمان عدم تكرار ما حدث في الحقبة السابقة.