شواهد حجرية عمرها 7 آلاف عام تروي تاريخ مناخ شبه الجزيرة العربية

كشفت دراسة حديثة كيفية تكيّف المجتمعات الرعوية القديمة في جنوب شبه الجزيرة العربية مع التغيرات المناخية الكبرى على مدار آلاف السنين.
وأجرى الفريق البحثي تحليلاً دقيقًا لـ371 موقعًا أثريًا في منطقة ظفار بعمان، المعروفة بجفافها، حيث تتبعوا تطور النصب التذكارية على مدار 7 آلاف عام. وأظهرت النتائج أن هذه المجتمعات القديمة كانت قادرة على التكيّف مع التغيرات البيئية الحادة عبر استراتيجيات اجتماعية وتنظيمية مبدعة حافظت على تماسكها المجتمعي.
وخلال الفترة الرطبة الممتدة من 7500 إلى 6200 سنة قبل الحاضر، شهدت المنطقة أمطارًا غزيرة سمحت بازدهار الحياة وتشكّل مجتمعات كبيرة. في هذه الفترة، تم بناء نصب حجرية ضخمة تطلبت تعاون مجموعات كبيرة من السكان، حيث كانت هذه النصب تستخدم كمراكز للتجمعات الاجتماعية الكبرى، وإقامة الاحتفالات، وتقديم القرابين، ما يشير إلى مستويات عالية من التنظيم والتعاون بين السكان.
ومع تدهور الظروف المناخية وتحول المنطقة إلى صحراء قاحلة بين 1100 و750 سنة قبل الحاضر، تفرقت المجتمعات بحثًا عن المياه والمراعي. أدى ذلك إلى ظهور أنماط جديدة من النصب الأصغر حجمًا والتي كانت تُبنى على مراحل متعددة. هذا التحول يعكس تغيرًا في البنية الاجتماعية، حيث أصبحت هذه النصب رمزًا للتواصل والانتماء، على الرغم من التشتت الجغرافي للسكان.
وأوضحت جو مكورستون، أستاذة الأنثروبولوجيا بجامعة ولاية أوهايو والمؤلفة الرئيسية للدراسة، أن هذه النصب كانت بمثابة “ذاكرة جماعية حية”، حيث يُضيف كل زائر جزءًا جديدًا إليها. وأكدت أن هذه الممارسات عززت الشعور بالانتماء والتواصل المجتمعي، حتى مع ندرة اللقاءات المباشرة بين أفراد المجتمع.
ولم تكن هذه النصب مجرد معالم أثرية، بل مثلت نظامًا لتسجيل المعلومات البيئية المهمة، مثل مستويات هطول الأمطار وتوفر المراعي، مما ساهم في دعم التجارة والتواصل بين المجموعات المتناثرة.
وطور العلماء نموذجًا تحليليًا جديدًا يمكن استخدامه في مناطق أخرى عانت من تغيرات مناخية مشابهة، مثل الصحراء الكبرى وسهول منغوليا ومرتفعات الأنديز. وتسلط هذه الدراسة الضوء على مرونة المجتمعات القديمة في مواجهة التحديات البيئية، مقدمةً دروسًا قيمة للبشرية في التعامل مع التغيرات المناخية الحالية.
ونشرت الدراسة في مجلة PLOS One، وهي تشكل إضافة هامة لفهم تاريخ المجتمعات البشرية وتكيفها مع التغيرات البيئية عبر الزمن.
رد المحرر
نعتدر عن النشر