حلاقة الحمير في السودان.. حرفة تراثية وفن شعبي

في سوق كبوشية الأسبوعي شمال السودان، حيث تنبعث رائحة الذرة والبن وتتعالى أصوات الباعة في مشهد نابض بالحياة، يستوقف الزائر مشهد غير مألوف، “صالون” حلاقة مخصص للحمير، يمارس فيه الشقيقان بلة حميدة السيد وبدر حميدة، مهنة غريبة لكنها متجذرة في تقاليد المنطقة.
وبعيداً عن الأنظار، خلف سوق الرواكيب والعيش، يمارس الشقيقان حرفة توارثاها عن والدهما، ويصفانها بأنها مزيج من الفن والمشقة.
فحلاقة الحمير هنا ليست مجرد تنظيف، بل تشكيلات فنية تُنفذ على ظهر الحيوان، بأشكال هندسية دقيقة مثل الأهرامات، والدوائر، والخطوط المتوازية.
حلاقة بتسميات وأسعار
وتتنوع الحلاقات بين “الشرافة” و”الحفلة” و”الشريط”، ولكل منها سعر يتفاوت بحسب التفاصيل والدقة، تبدأ من 15 إلى 50 جنيهاً، وقد تصل إلى 65 ألف جنيه للحلاقات المعقدة.
بدوره، قال بلة لـ”العربية.نت” إن “هذه المهنة متعبة لكنها ممتعة. نحن لا نحلق البطن لأنها منطقة حساسة، ونستخدم أدوات خاصة من مقصات وماكينات، إلى الصريمة التي نضعها في فم الحمار لتثبيته، بالإضافة إلى ربط الأرجل بحذر تجنباً لهيجانه”.
من كبوشية إلى المكنية
ولا يقتصر عمل الشقيقين على سوق كبوشية، بل يمتد إلى أسواق مجاورة مثل المكنية وكلي وقوزبرة.
وفي يوم السوق الأسبوعي، الأربعاء، قد يحلقان ما يصل إلى 20 حماراً. ويؤكد بدر أن “شكل الحمار مهم ..الحمار النظيف والمزين يرفع سعره في السوق، ويمنح صاحبه وجاهة في القرية”.
تجارة موازية
إلى جانب الحلاقة، يعمل الأخوان في تجارة الحمير، ويشيران إلى أن أفضل السلالات تأتي من شندي، لما تتمتع به من قوة وسرعة وجمال في البنية. وتُستخدم الحمير بكثافة في كبوشية لأغراض الزراعة ونقل الأعلاف، ما يجعلها جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية.
رعاية وعلاج شعبي
وفي المدينة، توجد عيادة بيطرية متواضعة، تقدم الرعاية للمواشي، بما فيها الحمير.
كما يستعين بعض السكان بـ”البصيرين” لمعالجة الإصابات باستخدام الكي أو القطران، أو لاستخراج الأشواك من الأرجل. ويصف طبيب بيطري شاب الحمار بأنه “رفيق يومي… يعرفه صاحبه من مشيته وشكل أذنه”.
تراث لا يغيب
ورغم أن مشهد حمار داخل صالون حلاقة قد يثير الدهشة أو حتى الابتسامة، فإن في كبوشية يُنظر إليه بوصفه مظهراً من مظاهر الاعتزاز بالتقاليد.
فالحمار هنا ليس مجرد وسيلة نقل بل واجهة اجتماعية واقتصادية، يتباهى بها المزارعون، وتلقى عناية خاصة تعكس ثقافة محلية عميقة.
وفي وقت تتسارع فيه خطى العالم نحو التكنولوجيا والحداثة، تواصل كبوشية كل أربعاء طقساً تراثياً يذكّر بأن بعض التقاليد لا تموت، بل تزداد رسوخاً كلما مرّ عليها الزمن.