مخلفات الحرب.. وسيلة صامتة تحصد الأرواح في سورية

عندما أطاحت فصائل سورية مسلحة بنظام الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول)، سارعت العائلات إلى العودة إلى ديارها في المناطق القريبة من خطوط المواجهة في الحرب الأهلية التي استمرت 14 عاماً، بما في ذلك محافظة إدلب شمال غرب سوريا.
تقرير للصحفية لينسي أداريو في صحيفة “نيويورك تايمز” يتناول الأزمة الرئيسية التي أرّقت الأهالي العائدين إلى ديارهم، وهي مخلفات الحرب، التي لم تتوقف عن حصد الأرواح، حتى في المواقع التي توقف فيها صوت الرصاص في البلاد.
يقول علي سلوم، مدير مستشفى الشفاء في إدلب، إنها غريزة سورية أصيلة: “حتى لو دُمر المنزل، سأذهب لأشرب كوباً من الشاي أمامه لمجرد أنني أستطيع”.
انتهاء القتال لا يعني نهاية الخطر
في هذه المنطقة المحيطة بإدلب، زرعت قوات الأسد ألغاماً أرضية في الحقول والمباني، وحتى في الأنقاض، كما لا تزال هناك ذخائر غير منفجرة أخرى.
ويقدّر سلوم أن هذا يُدخل ما بين واحد وخمسة مدنيين إلى مستشفى الشفاء يومياً.
وقد أصاب أحد الألغام جابر سهام محمد مطر، 12 عاماً، إذ يقول إنه انفجر أثناء محاولته تحرير خروف كان يرعاه من الأسلاك الشائكة.
ويتذكر قائلاً: “لم أشعر بشيء”.
استيقظ جابر وقد أُصيب بكسر في ساقه، ونزيف داخلي، وجروح في أمعائه وذراعيه وظهره وساقيه.
وفقاً لمرصد الألغام الأرضية، الذي يرصد استخدام الألغام الأرضية عالمياً والإصابات الناجمة عنها، سجّلت سوريا العام الماضي ثاني أعلى عدد من الإصابات الناجمة عن الألغام عالمياً.
وبينما يصعب تأكيد الإحصاءات الدقيقة، تُقدّر منظمة “هالو”، وهي منظمة غير ربحية تُعنى بإزالة الألغام الأرضية والمتفجرات، مقتل حوالي 340 شخصاً في جميع أنحاء سوريا وإصابة 500 آخرين منذ الإطاحة بنظام الأسد.
وتُشير المنظمة إلى أنها تتلقى عشرة أضعاف عدد المكالمات التي كانت تتلقاها قبل سقوط النظام.
بمجرّد عثور فريق “هالو” على جهاز، فإن أسلم طريقة للتخلص منه هي تفجيره بشكل مُتحكّم، بشحنة صغيرة على سلك طويل.
تُنقل الأجهزة غير المُزوّدة بصمامات، وبالتالي الآمنة للنقل، إلى موقع هدم في وسط حقل. أما إذا كان اللغم مُجهّزاً، فيجب تفجيره في مكانه.
تُشكّل الذخائر غير المنفجرة الخطر الأكبر على الشباب، وفقاً لمنظمة “هالو”.
ولكسب عيش أسرهم، يقوم الشباب بإزالة الأنقاض وتنظيف الحقول وجمع الخردة المعدنية والخشب، وهي أنشطة عالية الخطورة.
كما أنهم أكثر عرضة للسفر للعمل، مما قد يؤدي إلى دوسهم على الألغام في طريقهم.
مطلع هذا الشهر، قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن الألغام ومخلفات الحرب أسقطت أكثر من 600 ضحية في سوريا بين قتيل وجريح، منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وأفادت المنظمة الحقوقية الدولية بأن الأسلحة المستخدمة خلال 14 عاماً من الحرب في سوريا قتلت ما لا يقل عن 249 شخصاً، من بينهم 60 طفلاً، وأصابت 379 آخرين، وفق إحصاءات المنظمة الدولية المعنية بسلامة العاملين الإنسانيين.
معاناة الأطفال
يعاني الأطفال أيضاً؛ أثناء لعبهم في الخارج، يظنون أن القذائف غير المنفجرة أو غيرها من الأجهزة ألعاب، فيلتقطونها ويرمونها.
يقول نيكولاس توربيت، نائب المدير الإقليمي لمنظمة “هالو” في الشرق الأوسط: “بعض هذه الأشياء ألوانها زاهية، لامعة، ذات أشكال مثيرة للاهتمام، ينجذب إليها الأطفال بطبيعتهم”.
أُصيب يوسف النايف، البالغ من العمر عشر سنوات، بانفجار لغم أثناء لعبه مع أصدقائه في حقل بقرية هرشبينين.
وقال خالد حسين، البالغ من العمر 25 عاماً، إن المجتمع أجبر جنود النظام السابق على مساعدته في تطهير حقوله: “حتى إنهم أحضروا القائد العسكري الذي زرع الألغام”.
حاول محمد شيخ محمد، قائد فريق إزالة الألغام في منظمة “هالو”، ثني السيد حسين عن الزراعة حتى يتم تفتيش المنطقة بشكل صحيح. “إذا أُزيل 90% من الألغام، وبقي 10% فقط، فالوضع غير آمن”.
قالت عائلات عدة إنها عثرت على متفجرات بعد ثقتها بتطمينات المزارعين المحليين أو قوات الأمن.
وتشير عائشة عبود، 47 عاماً، إلى أن عائلتها عادت إلى بلدة كانت على خط المواجهة سابقاً، ليجد ابنها كنعان محمد كنعان، 18 عاماً، نفسه قد لمس سلكاً كهربائياً أثناء جمعه الحطب.
انفجر لغمان في الأشجار، مما تسبب في إصابات دماغية.
تضيف عائشة عبود: “الألغام في كل مكان – على الأشجار، على الأرض، داخل المنازل، وحولها. إنها تُصيبك بالجنون”.
إيمان إبراهيم، 38 عاماً، تُدرك المخاطر جيداً، فتقول إنها وعائلتها ابتعدوا عن أرضهم في قرية كفرعما لمدة 6 سنوات خلال الحرب.
ولكن إيمان وعائلتها عادوا إلى حقلهم لجمع الزيتون بعد أن علموا بإزالة الألغام.
تقول إيمان: “سمعتُ صوت انفجار، لكنني ظننتُ أنه مصنع قريب”.
لكن بدلاً من ذلك، قتل لغم أرضي زوجها وابنتها.
أقرّ عابد القنطار، المتحدث باسم السلطات في إدلب، بأن المقاتلين المحليين قاموا بعمليات تطهير “مرتجلة”، لكنه قال إن وزارة الدفاع تنشر الآن فرقاً متخصصة.
مع ذلك، لا تزال السيدة إيمان إبراهيم وسكان آخرون في المنطقة يشعرون بالقلق.