العرب تريند

نظرة في أهمية بناء دمشق لعلاقات متينة مع موسكو

في عالم يتسم بالترابط والتكامل، يُعد انفتاح الدول على بعضها البعض عاملاً حاسماً لتحقيق النمو الاقتصادي والازدهار الاجتماعي. عندما تتبنى دولة سياسة الانفتاح، فإنها تفتح أبوابها أمام الاستثمارات الأجنبية، وتسهل تبادل الخبرات والتكنولوجيا، وتعزز العلاقات التجارية مع الدول الأخرى.
وفي حالة سوريا، وهي الدولة الخارجة من أزمة سياسية طويلة وحرب مدمرة، جراء تعسف نظام الأسد البائد، فإنها تواجه تحديات هائلة في إعادة بناء مؤسساتها واقتصادها ومجتمعها. وهنا يأتي دور الإدارة السورية الجديدة في الانفتاح على العالم كاستراتيجية حيوية لتسريع عملية التعافي وضمان مستقبل مستقر.
فسوريا اليوم، تحتاج إلى استثمارات ضخمة لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، مثل الطرق والمستشفيات والمدارس. إلا أنها تعاني من عقوبات اقتصادية غربية لم يتم رفعها. وتعاونها مع دول أخرى لا تأبه للعقوبات في هذه المجالات، بالإضافة الى حصولها منها على التكنولوجيا الزراعية أو الطاقة المتجددة، يمكن أن يعوض سنوات الضياع الطويلة التي عاشتها في ظل الأزمة السياسية.
وبنظر الخبراء في الشأن السوري، فإن تعاون الإدارة السورية الجديدة المتصاعد مع روسيا يشكل فرصة مهمة لسوريا في رفع اقتصادها المتهالك من خلال المساعدات المقدمة من الجانب الروسي سواء من خلال شحنات الوقود والعملة المحلية التي تتوارد بشكل دوري، رغماً عن العقوبات الغربية المفروضة، أو الاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة التي تملكها هذه القوة العظمى، سواء في مجال الطاقة أو النقل أو الاتصالات. كما أن التعاون في المجال العسكري والتكنولوجيا الأمنية يمكن أن يعزز استقرار سوريا التي لازالت تواجه تحديات أمنية الى يومنا هذا.
وفي السياق، والى جانب الدعم الروسي بالوقود، أفادت وكالة رويترز أمس أنباخرة محملة بالقمح وصلت إلى ميناء اللاذقية قادمة من روسيا. وأعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية، أن الباخرة تحمل على متنها 6600 طن من القمح. ووصفت الهيئة هذه الخطوة بأنها “مؤشر واضح على بداية مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي في سوريا، وتأتي في إطار جهود مستمرة لتأمين الاحتياجات الأساسية وتعزيز الأمن الغذائي تمهيدًا لوصول المزيد من الإمدادات الحيوية خلال الفترة المقبلة”.
يُشار الى أن روسيا شهدت في السنوات الأخيرة تطوراً تكنولوجياً ملحوظاً، خاصة في مجالات مثل الطاقة النووية، والفضاء، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، حيث تمتلك خبرات طويلة وبنية تحتية علمية متقدمة. إضافة إلى ذلك، فإن روسيا تُعد شريكاً اقتصادياً مهماً في مجال المواد الخام، مثل النفط والغاز والمعادن والقمح، مما يوفر للدول النامية والخارجة من أزمات كسوريا، مصادر موثوقة لسد احتياجاتها التنموية.
وكانت الفترة الأخيرة قد شهدت زيادة في التواصل بين روسيا وسوريا، وقد عبّر المسؤولون الروس مرارا عن استعداد الدولة الروسية لتعميق التعاون مع سوريا في جميع المجالات المطروحة على الطاولة الثنائية. في حين شدد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في وقت سابق خلال مؤتمر صحفي مشترك مع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، على أهمية بحث مستقبل الأوضاع في سوريا. مؤكداً أن موسكو تعتبر الملف السوري من أولويات سياستها الخارجية، مبدياً استعداد بلاده للمساهمة في الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، ودعمها كدولة مستقلة تتمتع بكامل سيادتها مقترحاً تقديم المساعدة للشعب السوري.
ومن الناحية السياسية، أكد الخبراء بأن موسكو لعبت دوراً أيضاً بالحفاظ على الأمن والاستقرار في مرحلة ما بعد الأسد في سوريا، وهي تتبنى مواقف معتدلة من كافة الأطراف في سوريا، وعلاقتها مميزة بتركيا وقطر وجميع الأطراف في سوريا وجميع مكونات الشعب السوري، مما يجعلها قادرة على درء أي نزاع يمكن أن يحصل. ويمكنها بوزنها السياسي وعلاقاتها الدولية، أن تلعب دور هام جداً بتمكين الإدارة السورية ومساعدتها على النهوض بالبلاد.
وفي ذات السياق، فإن روسيا بصفتها إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي سجلت خلال جلسته التي عقدت في أوائل أبريل الجاري، موقفاً سياسياً لافتاً بدعم الإدارة السورية الجديدة ضد أي تدخلات خارجية. حيث أدان مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، محاولات استغلال فترة الانتقال السياسي في سوريا لفرض أجندات أجنبية على السوريين مؤكداً بأن موسكو “تدين بشدة أي محاولات لاستغلال فترة التحول السياسي والضبابية الاقتصادية لفرض معتقدات دخيلة وغريبة على السوريين”. مشيراً إلى أن “مثل هذه الأفعال لن تدعم السوريين، بل قد تُغذي نزعات الانقسام وتطلق العنان للفوضى في البلاد لسنوات مقبلة، ولا يمكن السماح بذلك”. مؤكداً على موقف روسيا الثابت بدعم سيادة سوريا، ومتهماً دولة الاحتلال الإسرائيلي بانتهاك سيادة سوريا ووحدة أراضيها.

وختم الخبراء بأن نجاح التعاون السوري الروسي يتطلب من الدولة السورية الجديدة موازنة العلاقات مع روسيا بما يحفظ مصالحها الوطنية، مع الاستفادة من التكنولوجيا الروسية دون الوقوع في الوصاية. كما يُعد بناء شراكات استراتيجية مع روسيا خياراً ذكياً من قبل الإدارة السورية الجديدة التي تسعى إلى تنويع علاقاتها الدولية مع إستمرار الضغوط الغربية والعقوبات الإقتصادية المفروضة والتي لم يحدد بعد جدول زمني لإزالتها.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى