هل تتحول الإمارات إلى وسيط بين إيران والولايات المتحدة؟

مع تزايد التوترات الإقليمية وتصاعد المواجهات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، تبرز دول الخليج لاعباً محورياً في محاولات خفض التصعيد.
ورغم أن المنطقة شهدت في السنوات الماضية تحركات دبلوماسية متباينة بين التهدئة والتصعيد وكان لعُمان ثم قطر دور فيها، ظهرت الإمارات لاعباً جديداً، في محاولة لإعادة تقييم العلاقات بين القوى الكبرى وإيران، التي يراها الغرب ضرورية في ظل التطورات الجيوسياسية الراهنة.
وتفيد وسائل إعلام عربية ودولية بأن إيران تسلمت مؤخراً رسالة من الولايات المتحدة عبر الإمارات، وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة الدور الإماراتي المستجد، وما إذا كانت أبوظبي تتجه نحو لعب دور الوسيط بين واشنطن وطهران.
الإمارات كقناة دبلوماسية
لطالما سعت الإمارات إلى تحقيق توازن دقيق في علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة وإيران، فبينما تُعد أبوظبي حليفاً استراتيجياً لواشنطن، فإنها في الوقت ذاته تحافظ على علاقات اقتصادية ودبلوماسية مع طهران، متبعة نهجاً براغماتياً يهدف إلى تأمين المصالح الوطنية وتقليل المخاطر الأمنية.
ومن ذلك المنطلق تلقت طهران (12 مارس 2025) رسالة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش، بعدما كان ترامب قد أعلن أنه وجه رسالة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي يحث فيها على إجراء محادثات نووية، ويحذر من احتمال اللجوء إلى عمل عسكري في حال رفضت إيران ذلك.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ووسائل إعلام رسمية، أن قرقاش سلم رسالة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى طهران.
ويُنظر إلى إيصال رسالة أمريكية عبر القنوات الإماراتية على أنه مؤشر إلى إمكانية لعب أبوظبي دوراً دبلوماسياً أكثر فاعلية بين الجانبين.
ومع ذلك، لا تزال طبيعة الرسالة ومحتواها غير واضح، مما يترك الباب مفتوحاً أمام التكهنات بشأن الهدف الحقيقي وراء هذه الخطوة.
دول الخليج كوسيط
وإذا قررت الإمارات بالفعل لعب دور الوسيط بين الولايات المتحدة وإيران، فقد يكون لذلك تداعيات مهمة على المشهد الإقليمي، فمن جهة يمكن أن يسهم ذلك في تقليل فرص المواجهة العسكرية المباشرة، لكن من جهة أخرى، فإن نجاح الوساطة سيعتمد على مدى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات.
وفي ظل استمرار التهديدات وتزايد التعقيدات الدبلوماسية، يظل مستقبل العلاقات الأمريكية-الإيرانية رهيناً للتطورات الميدانية والسياسية خلال الأشهر المقبلة.
وفي حال تمكنت الإمارات من تحقيق اختراق دبلوماسي، فقد يعزز ذلك مكانتها كلاعب أساسي في صياغة توازنات المنطقة.
ولطالما لعبت كل من سلطنة عمان وقطر أدواراً مهمة في الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران، مستفيدة من علاقاتها القوية مع كلا الجانبين؛ ففي عام 2013، ساهمت عمان في استضافة محادثات سرية بين مسؤولين أمريكيين وإيرانيين، وهو ما مهد الطريق لاتفاق 2015 النووي.
كما استمرت مسقط في تقديم قنوات خلفية للتواصل خلال فترات التوتر، لا سيما بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق عام 2018.
أما قطر، فقد عززت دورها الدبلوماسي في السنوات الأخيرة، حيث استضافت محادثات غير مباشرة بين طهران وواشنطن، وساهمت في تقريب وجهات النظر بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، كما كان لها دور في تسهيل تبادل الأسرى بين البلدين، مما أظهر قدرتها على الحفاظ على خطوط تواصل فعالة في لحظات التصعيد.
رغبة أمريكية إيرانية
يعتبر الكاتب الإماراتي وأستاذ العلوم السياسية عبد الخالق عبد الله، أن اللجوء إلى الوساطة الإماراتية يعكس “رغبة أمريكية وإيرانية على حد سواء، باعتبار أن الإمارات تلقى تقديراً واحتراماً من قبل الإدارة الأمريكية”، كما أن الإيرانيين يرون أن الإمارات مناسبة للعب دور الوسيط لما لها من تقدير في واشنطن.
ووفق ما نقلته “بي بي سي” عن عبد الله، فإن الإدارة الأمريكية “تتابع تقدم الحوار الإماراتي الإيراني، وبالتالي أرادت أن توظفه في إيصال رسائل إلى إيران”.
أما صحيفة “العرب” الإماراتية فتقول إن من شأن اعتماد إدارة ترامب على الإمارات كقناة تواصل مع الإيرانيين “أن يجعلها في موقع الطرف الإقليمي الذي يمكن الركون إلى مصداقيته من ناحية الولايات المتحدة، ومن ناحية إيران كذلك”.
وترجع الصحيفة ذلك لكون الإمارات من الدول الرئيسية الشريكة لواشنطن في الشرق الأوسط كما تحافظ على علاقات طيبة مع طهران.
وما يدعم لعب الإمارات دور قناة التواصل بين واشنطن وطهران ونقل المقترحات “هو غياب طرف إقليمي آخر مؤهل لهذه المهمة، خاصة أنها تركز على التخفيف من حالة التوتر التي تزيد منها التصريحات والتصريحات المضادة، وتليين المواقف في القضايا الخلافية سياسياً، وهي مرحلة تسبق الوساطة بشأن التوصل إلى اتفاق جديد في ما يخص البرنامج النووي الإيراني على أنقاض اتفاق 2015″، بحسب الصحيفة.
وتشير الصحيفة إلى أن الإماراتيين “يحرصون على التخفيف من الاحتقان بالمنطقة، ولكن ضمن ترتيبات أوسع وضمانات، وليس على أساس العودة إلى الأزمة كلما قدر الحرس الثوري ذلك أو ترك فيلق القدس الأمر لأحد فصائله بأن يبدأ بشن هجمات في العراق أو الخليج أو مناطق المضائق”.
سياسة ترامب تجاه إيران
وعند تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه في عام 2017، تبنى سياسة صارمة تجاه إيران تمثلت في استراتيجية “الضغوط القصوى”، والتي تضمنت الانسحاب من الاتفاق النووي لعام 2015 في مايو 2018، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية شديدة على طهران.
كان الهدف من هذه السياسة هو إجبار إيران على تقديم تنازلات في ملفاتها النووية والإقليمية، غير أن هذه الاستراتيجية أدت إلى تصعيد متزايد، حيث ردت طهران بتوسيع أنشطتها النووية واستهداف مصالح أمريكية في المنطقة عبر وكلائها.
فضلاً عن ذلك، لم تقتصر التوترات على الملف النووي، بل امتدت إلى أنشطة إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخي، وهو ما دفع واشنطن إلى تبني نهج أكثر صرامة في بعض المواقف، مع الإبقاء على قنوات الاتصال الدبلوماسي مفتوحة عبر وسطاء إقليميين ودوليين ومن بينهم سلطنة عُمان وقطر.
ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تعهد بتصعيد سياسته تجاه إيران عبر فرض مزيد من الضغوط الاقتصادية والعسكرية، مع وعود بإعادة التفاوض على اتفاق جديد أكثر شمولية يشمل أنشطة إيران النووية والصاروخية وتدخلاتها الإقليمية.