العالم تريند

إسرائيل بعد الاغتيال المزدوج.. تأهّب شديد وانتظار ردود “سوار النار”.. وتحذيرات من حرب شاملة

عربي تريند

في ظل التهديدات القاطعة بالثأر، تواصل إسرائيل رفع درجات التأهب وتهيئة سكانها لـ”أيام مركّبة” ترقبّا واستعدادا لردود معسكر المقاومة بعد اغتيال فؤاد شكر وإسماعيل هنية في بيروت وطهران، وسط تزايد علامات السؤال الإسرائيلية حول الجدوى الحقيقية للاغتيال المزودج، ووسط دعوات للانتقال إلى المبادرة السياسية.

قبيل “ليلة المسيرّات” في 14 أبريل/ نيسان الماضي، كانت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قد قدّرت أن إيران لن ترد بشكل مباشر على اغتيال جنرالها في دمشق رضا زاهدي، وسرعان ما تبيّن أن تقديراتها كانت مغلوطة تماما بعدما أطلقت نحو 330 مسيرّة وصاروخا بعدما تريّثت طهران 12 يوما. ولذا فهناك إجماع في إسرائيل أن إيران سترد هذه المرة حتى لو صبرت أياما وربما أكثر، وسط ترجيحات بأن تفعّل ما يعرف بـ”سوار النار” أي القيام بهجمة موحدة منسقة مع حزب الله وحماس والحوثيين معا في ضربة واحدة تربك إسرائيل وتصيب هيبتها.

وفي ظل الحرص المشترك على عدم الانزلاق إلى حرب واسعة، ترجح أوساط في إسرائيل أن تستهدف قوى المقاومة مواقع عسكرية ورمزية بعيدا عن المجمعات السكنية والمدنيين الإسرائيليين.

حسابات نتنياهو
مع ذلك، تستمر إسرائيل في توسيع تدابير الأمن والحماية على الحدود وفي الجبهة الداخلية المرشحة للاستهداف. وبالتزامن، أنذر رئيس حكومتها نتنياهو مواطنيها بأن الحرب ستطول خلال مخاطبتهم ليلة أمس بإطلالة سريعة، أكّد فيها رفضه وقف الحرب، معللا ذلك بالقول: “لم أخضع للضغوط من أجل وقف الحرب ولا أنوي الخضوع الآن. لو خضعنا لما أغتلنا قادة حماس وحزب الله، ولما دمرنا بنى إرهابية، ولم نكن ننتج ظروفا تقرّبنا لمبادرة تعيد المخطوفين وكذلك تحقيق بقية أهداف الحرب”.

وأضاف: “فؤاد شُكر كان مسؤولا عن الهجمة غير المتوقفة على مواطنينا في الشمال. وواحد من الإرهابيين المطلوبين جدا في العالم” على حد تعبيره.

وأنذر نتنياهو الإسرائيليين بأنهم سيشهدون أياما صعبة: “أمامنا أيام صعبة، وإسرائيل جاهزة لكل احتمال، وسنقف موحدين أمام التهديد. إسرائيل ستجبي ثمنا من كل من يعتدي علينا وفي كل جبهة”.

وفي ظل تهديداته المتجددة، تجاهل نتنياهو جريمة اغتيال هنية في طهران، والتي لم تقّر بها إسرائيل خوفا من اتهامها باغتيال سياسي في دولة سيادية، خاصة أنها تواجه محاكمات دولية، وتحاشيا لإحراج إيران أكثر مما حصل، واضطرارها لرد عنيف دفاعا عن هيبتها المخدوشة.

مخاطر الحرب
وكرّر نتنياهو مزاعمه بأن مواصلة الحرب والضغط يؤديان لتقريب استعادة المخطوفين، وهذا ما ترفضه أغلبية عائلاتهم وأوساط إسرائيلية غير قليلة تشكّك بذلك، رغم تأييدها للاغتيالين.

وفي تغردة على موقع “إكس” لام قائد لواء الشمال في جيش الاحتلال سابقا، والجنرال في الاحتياط عاميرام لافين، قادة المؤسسة الأمنية لموافقتهم على الاغتيالين في هذا التوقيت بقوله: “كان عليهم المعارضة لأن ما حصل هو إخراج منظومات العمل الإسرائيلية عن توازنها”، وهو بذلك يشير لمغامرة نتنياهو بحرب واسعة وبتعطيل صفقة تبادل بدت وشيكة.

وتبعه قائد غرفة العمليات في الجيش سابقا، الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك، المعروف بـ”نبي الغضب” لتنبئه بـ”طوفان الأقصى”.

وفي مقال تنشره صحيفة “معاريف” اليوم بعنوان ساخر: “إسرائيل على بعد خطوة واحدة من الخراب المطلق”، قال بريك إن إسرائيل تذوي وحرب إقليمية ستحّطمنا. ويضيف: “في هذه الأيام، نحن نشهد مناورة جديدة من قبل نتنياهو وغالانت وهليفي: رغم فقدان الجدوى في اغتيال هنية وشكر، هم يواصلون إشعال حرائق بدلا من إطفائها. لا أعرف كيف سترد إيران وحزب الله وحماس… لكن المؤكد أن حالة إسرائيل ستسوء عشرات الأضعاف”.

ربما نندم على اغتيال هنية؟
هذا ما سألته إذاعة الجيش لوزيرة الخارجية والقضاء سابقا تسيبي ليفني، فقالت إن هذا منوط بماذا نفعله نحن لا هم، مشددّة على حيوية أن تكون إسرائيل الآن فعالة ومبادرة ليس فقط حيال صفقة تبادل، بل حيال الصفقة الأوسع المطروحة على المنطقة الآن.

وتساءلت: “هل يبقى نتنياهو يتحدث بالشعارات وتبقى الحرب مستمرة؟”. وتابعت في تقييمها للاغتيالين: “ربما أعدنا بعض الردع وعزّزنا مكانة إسرائيل، ولكن هذا هو الوقت للمبادرة: صفقة تبادل وترتيب أوراقنا إقليميا. عشرة شهور لم تنجح بتأمين الأمن لأن الأمن لا يتأتى فقط بالقوة بل بالعمل الدبلوماسي. نتنياهو حال دون قيام حكم فلسطيني بديل لحماس، ومع استمراره بالشعارات لن تتحقق صفقة، بل تستمر الحرب مع بقاء حماس وبقاء المخطوفين في غزة”.

واعتبرت ليفني أن الاغتيال فيه مغامرة وفيه علامة سؤال؛ لأن البديل للقتيل دائما حاضر. وأضافت: “سعدت بالفرح، ولاحقا فكرّت كيف يمكن استغلال الاغتيالين لاستعادة المخطوفين وترتيب أوراقنا الأمنية؟”.

جدوى الاغتيال
ورغم وجود شبه إجماع في إسرائيل حول اغتيال شُكر وهنية، خاصة أنها متعطشة لمكسب معنوي، هناك تساؤلات عن تبعاتهما على واقع إسرائيل الأمني، وعلى احتمالات اتساع الحرب وعلى الصفقة، وسط تساؤلات عن القيمة الفعلية للاغتيالات بالنسية لإسرائيل.

ويوجّه المعلّق البارز في صحيفة “هآرتس” يوسي كلاين انتقادات مباشرة لرؤساء المؤسسة الأمنية لموافقتهم على اغتيال مزدوج الآن، فقال إنه بعد خمس سنوات سيعترف هؤلاء في برنامج تلفزيوني: “كنا جبناء كنا أرانب… سامحونا”. ويضيف: “عندما تنتهي الحرب في الخارج، ستبدأ الحرب في الداخل. نحن دائما على بعد خطوة من كل شيء: من نصر مطلق، من صفقة تبادل، من حياة سعيدة. نحن على بعد خطوة من انفجار جبل بركاني نجلس نحن عليه. نحن نعلم أنه سينفجر ونأمل ألا يكون في ورديتنا. كيف يمكن العيش على جبل بركاني؟ بالإنكار ودفع الأمور جانبا بالوعي. ها نحن ننكر بشدة إمكانية نشوب حرب داخلية عندما تنتهي الحرب الخارجية”.

ويتفق معه زميله المعلق روغل ألبير في “هآرتس” بالقول: “إذا كان هناك ثمة أمر تتقن فعله إسرائيل فهو الاغتيال… خسارة أنها ليست كذلك فيما يتعلق باليوم التالي”.

من جهته، يقلل المحلل العسكري عاموس هارئيل من استعادة إسرائيل الهيبة وقوة الردع بعد الاغتيالين المتزامنين لقياديين كبيرين في عاصمتين للمقاومة، بقوله إن إسرائيل ألمحت أنها مستعدة للمخاطرة، لكن يبدو أنها أبعدت نهاية الحرب.

كما يقول إن الاغتيالين في بيروت وطهران أعادا بقدر ما صورة قوة الردع وروح المبادرة لإسرائيل إن لم يكن بعيون جيرانها في الشرق الأوسط، فبنظر نفسها على الأقل، لكن حزب الله وحماس وإيران يهدّدون برد قاس ليس واضحا متى. وعندما تكون للسنوار إمكانية تحقيق حلمه -حرب إقليمية شاملة- يبدو أن لا مصلحة لديه بالتقدم نحو وقف للنار.

وردا على سؤال إذاعة جيش الاحتلال عما إذا كان الاغتيال المزدوج حكيما، قال هارئيل إن الصفقة تبتعد لأن ذلك ينجسم مع حسابات السنوار الباحث عن التحام الساحات. وردا على سؤال آخر حول التبعات الأمنية، يرى هارئيل أن محور المقاومة ربما يرتدع ويكون أكثر حذرا، وربما بالعكس. ويقول إن هناك خياران أمام إسرائيل الآن: المبادرة للتهدئة والصفقة وإنهاء الحرب وبدء ترميم ذاتها، مشيرا لاحتمال أن يكون تصعيد نتنياهو الموقف أمس، هو صعود من أجل الهبوط أو التورط بحرب شاملة يدفع نحوها وزراء غيبيون.

وردا على سؤال ثالث عن تأييد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأنها تريد صفقة لكنها أيدت المغامرة والاغتيالين؟ عن ذلك أجاب: “الاغتيال هو الـ”دين إن ايه” الخاص للمؤسسة الأمنية، علاوة على شهوة الانتقام بعد فضيحتها في السابع من أكتوبر، وفشلها في تحقيق الحرب حتى الآن. وهذه حسابات فئوية مثلما لدى نتنياهو صاحب الحسابات السياسية. هناك من يفكر بحرب إقليمية وباستغلال فرصة لاستهداف إيران. المقلق هو مخاطر الانحدار والانزلاق للحرب نتيجة سوء تقدير متبادل.

في كل الأحوال، الواضح والمؤكد أن جبال الجليل الجميلة تبدو اليوم جبلا بركانيا يصدر دخانا أسود ينذر بقذف حممه لأن الاغتيالين دفعا المنطقة لمفترق طرق هو الأخطر منذ نهاية الحرب.

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى