الحكومة المصرية الجديدة … تغيير في الشكل والسياسات!
عربي تريند
تمخض الجبل فولد فأراً ميتاً. فبعد شهر من التأمل، والتفكير، والفرز، والتجنيب، تم الإعلان عن تشكيل الحكومة المصرية الجديدة، فإذا بنا ننتقل من سيئ إلى أسوأ، وإن لم يتغير رئيس الحكومة مصطفى مدبولي (الرجل الاكتشاف لدى صاحب القرار)، فإنه حرص على أن يغير من نفسه ليليق بالمرحلة؛ أيضاً من سيئ الى أسوأ، فآخر أعماله من الحكومة السابقة الوعد، بأن أزمة انقطاع الكهرباء ستتوقف بشكل كامل مع بداية الأسبوع الأخير من شهر يوليو/تموز (الجاري)، وبعد تسعة أيام استهل عمله الجديد، بحلة جديدة، وحلاقة شعر مختلفة، وبتصريح أكد فيه أن نهاية أزمة انقطاع الكهرباء ستكون مع نهاية العام (الجاري). فيا له من تغيير في الشكل والسياسات!
بعيداً عن «الغاغة» التي صنعها رواد السوشيال ميديا، حول الدكتوراه المزورة لوزير التعليم، والدكتوراه غير المنطقية للمحافظة الجديدة للبحيرة، فإن ذهني انصرف إلى أمر آخر، قبل أن أذهب اليه، أود التأكيد على أنه إذا ثبت أن الدرجة العلمية للوزير تخص جامعة وهمية، فإن هذا هو الأقل شأنا في الموضوع، وهو الذي قامت خبرته على العمل في المدارس الخاصة، ليتولى مهمة وزارة تتبعها المدارس الحكومية، التابعة للدولة، ومهمتها تمكين الأبناء من التعليم المجاني، كما ينص الدستور. ومنذ وقوع الانقلاب العسكري في مصر، والسلطة الحالية تريد الهروب من هذا الاستحقاق الدستوري، ومن جانبها نافست في مجال التعليم الخاص مدفوع الأجر، والمبالغ في مصروفاته، وذلك بإنشاء المدارس والجامعات، ضمن اتجاهها لتقليد الإخوان المسلمين، الذين برعوا في ييزنس المدارس الخاصة، براعتهم في إنشاء العيادات العلاجية الخاصة، ولم تنافسهم السلطة القائمة في مجال العلاج، لأن هذه الخدمة لم تكن تستهدف الربح الوفير!
أما أزمة «دكتوراه» المحافظة، فالسبب فيها الموقع الذي نشر أنها حصلت على الماجستير في سنة 2015، والدكتوراه في 2016، واللافت هنا أن النشر هكذا تم في أكثر من موقع محسوب على السلطة المصرية (الشركة المتحدة)، على نحو كاشف أنه موقع نشر، وأن الآخرين نقلوا عنه، في زمن الكسل الصحافي الذي يعد أحد مشاكل النشر الإلكتروني. وقد تبين أنها حصلت على درجة الدكتوراه فعلا بعد هذا التاريخ، فهل الحصول على هذه الدرجة العلمية يؤكد أهليتها لتولي الوظيفة العمومية؟!
«القاهرة الإخبارية» وتسريب التشكيل الوزاري
ليس هذا موضوعنا، على الأقل في هذه الزاوية، فالمثير أن التشكيل الوزاري تم تسريبه قبل موعده بيوم، إلا من تغييرات طفيفة، فالمعلن في التسريب أنه وزير التنمية المحلية، وتم اختياره رسمياً وزيراً للدفاع، وتم التسريب للمواقع الحكومية التابعة للشركة المتحدة، وفي عهد مبارك كان يحيط اختياراته بالسرية الكاملة، فإذا نشر اسم أحد تسريباً أو توقعاً عدل عن اختياره، وعندما كلف رئيس الحكومة كمال الجنزوري بتشكيل الحكومة للمرة الثانية، وكان أول شيء فعله هو ابلاغ وزراء بعينهم بأنه لن يقع عليهم الاختيار، مثل وزير الثقافة ووزير التعليم، وعلم القاصي والداني بذلك، استبعده مبارك من رئاسة الوزارة، وأعاد هؤلاء الوزراء الى مواقعهم!
وكنا في أيام الشقاوة، إذا علمنا أن شخصاً بعينه عليه العين، ولا نريده للموقع، نشرنا أنه مرشح، فنضمن أنه لن يقع عليه الاختيار أبداً!
أيضاً ليس هذا هو الموضوع، فألا وقد حدث التسريب، وفي خبر على هذا المستوى، فماذا لو اختص به أهل الحكم قناة «القاهرة الإخبارية»، ويلزموا المواقع الأخرى بالنقل عنها والإشارة اليها، لمساعدتها في أن تكون رقماً في المعادلة الإعلامية، وقد ولدت ميتة، الأمر نفسه يساورني عندما تحدث اجتماعات مع قادة المقاومة الفلسطينية، أو يتوفر لدى السلطة معلومات حول الحرب، حسب موقعهم الجغرافي، فلماذا لا يختصوا به هذه القناة، ويمكنوها من إجراء مقابلات ينفردون بها مع قادة المقاومة في مصر، فينقل عنها إعلام العالم، لتكون بديلاً لأهرام هيكل، وإن كانت المعادلة يلزمها أن يكون في القناة هيكل (وهو غير موجود)، وفي السلطة عبد الناصر، (والحال لا يخفى على أحد)!
جانب من الأزمة ليس مرده فقط لعدم وجود هيكل هنا، وعبد الناصر هناك، ولكن السلطة تذكرنا بكثير الانجاب في المجتمعات التقليدية، وهو يتعثر في تذكر أسماء أبنائه لكثرتهم. إنه ينجب ويلقي بهم للشارع ليربيهم نيابة عنه، ومن هنا جاءت عبارة «خلفتك ونسيتك»، من «الخلفة» أي الانجاب، و»النسيان»!
وأهل الحكم أطلقوا الكثير من القنوات ونسوها، فلما نسوا أن الهدف من «دي إم سي» أن تكون قناتهم الإخبارية، التي سينافسون بها «الجزيرة»، أطلقوا «القاهرة الإخبارية» لتكون هي جزيرتهم، فيأسوا من تحقيق الهدف فنسوها، باعتبار أن النسيان نعمة. مع أن تمكينها من النجاح لا يحتاج لمعجزة، وطلب المستحيل هو في اعتقاد هذه القناة أو ذاك أن بإمكانها أن تنافس «الجزيرة» في مجال التغطية الإخبارية للأحداث، كما تفعل «القاهرة الإخبارية» وغيرها في التعامل مع أحداث غزة، مع أن هناك مساحات متروكة بسبب الانشغال بهذه التغطية كان يمكن للقنوات المنافسة أن تبدع فيها وهو الاهتمام بالبرامج، والأحداث الأخرى إلى جانب الحدث المهم في غزة، مثل حرب الإجرام التي تقوم بها المليشيات في السودان!
وعلى ذكر السودان، فمصر هي الأقرب من هذا الملف، وتوجد بها جالية سودانية كبيرة، بجانب مسؤولين سابقين، ولو فتحت المجال لـ «القاهرة الإخبارية» لكان لها شأن آخر!
يبدو أن الفشل قدر، مكتوب على الجبين!
جمعة بدون مختار جمعة
أخيراً تمت الإطاحة بمختار جمعة، وزير الأوقاف، وأمكن لي أن أفتح التلفزيون المصري على صلاة الجمعة بدون ترقب أو هلع، والرجل استغل موقعه في تأميم خطبة الجمعة في التلفزيون لصالحه ليكون هو الخطيب المعتمد، ويبدو أن هناك من تدخل فألجم شهوة الخطابة لديه، فصار يخطب بعض، وليس كل، الجمع، وهو كائن منفر، خرج من الوزارة ولم يترحم عليه أحد، ولم يكتب كاتب أنه سيفتقده، فقد مل منه البشر والحجر، ولا أعرف كيف يمكنه تحمل نفسه؟!
وجمعة، هو الوحيد الذي تبقى من مرحلة عدلي منصور، ففي مرحلة السيسي نسف الحمام القديم، مع أنه من اختار دولة عدلي منصور، ومنصور رجل بركة، لا يهش ولا ينش. واستمر مختار جمعة، ليكون من أكثر ثلاثة شغلوا هذا الموقع عمراً، ويأتي ترتيبه الثاني بعد حمدي زقزوق، ويسبق الثالث محمد علي محجوب، الذي لم يغادر موقعه إلا بمؤامرة، وتوقع له الشيخ صلاح أبو إسماعيل منذ البداية أن يستمر طويلا، وذلك في مقابلة صحافية لي معه، وتاريخ وزراء الأوقاف غريب، والوزير لا يستمر في موقعه أكثر من عامين، إلا هذا الثلاثي!
لا أستمع لإذاعة القرآن الكريم، لكن مستمعيها يشكون مر الشكوى من هيمنة مختار جمعة عليها، حتى ضجروا منه، وقرأت لمن يقول إنه لا يزال مستمراً فيها رغم خلعه، وأعتقد أنها الخريطة الإذاعية، فليس منطقياً أن يستمر بهذا التكثيف الممل الذي تمكن منه بحكم موقعه، وبإساءة استخدام السلطة؛ فلم يفعلها وزير أوقاف من قبل!
كل الوزراء الذين لم يصبهم الدور هذه المرة، حصل كل منهم على لقب الوزير السابق، إلا مختار جمعة، صار هو الوزير المخلوع، الذي ربما لم يرتح له وزيراً وخطيباً سوى السيسي!
والناس في ما يعشقون مذاهب.
المحظوظ بدون حضور
قالت العرب: «قيراط حظ ولا فدان شطارة»، وقال جيرانهم بعاميتهم الركيكة: «الحظ لما يؤاتي يخلي الأعمى ساعاتي». فهل يعرف إنس ولا جان إعلامياً في مصر اسمه طارق سعدة؟ هذا الطارق جاء لموقعه نقيباً للإعلاميين محللاً لعدة شهور، فبقي فيه ثماني سنوات، ويتردد أنه سيعين رئيساً للهيئة الوطنية للإعلام!
بتأسيس نقابة الإعلاميين عينت الحكومة حمدي الكنيسي نقيباً مؤقتاً لمدة شهور، تجرى بعدها الانتخابات لاختيار نقيب وأعضاء مجلس الإدارة، ولأن القانون يشترط ألا يترشح المؤقت فقد جاء الكنيسي بنقيب من مؤخرة الصفوف ليحل محله، ليموت الكنيسي، ويستمر المؤقت في موقعه كل هذه السنوات بالمخالفة للقانون ويعين أيضاً في مجلس الشيوخ بالمخالفة للقانون!
وخلال هذه السنوات لم نكن نسمع له من نشاط، إلا أنه عند أي حملة ضد مذيع يقرر احالته للتحقيق في النقابة، وآخر هؤلاء كانت المذيعة ياسمين عز، وأحال عمرو أديب أكثر من مرة، وذات مرة فعلها مع شريف عامر، فمسح به البلاط، وبلع النقيب لسانه. وبعد قرارات الإحالة لا نسمع خبراً!
ها هي السلطة ترفعه اليها. فالمجد للنكرات!
٭ صحافي من مصر/ سليم عزوز