خان يونس تحت النار.. سكان “الشرقية” يواصلون النزوح القسري ومخاوف من تكرار سيناريو الاجتياح السابق
عربي تريند
لم يمهل جيش الاحتلال سكان شرق مدينة خان يونس الوقت الكافي، للخروج من منازلهم بعد إنذارهم بشكل مفاجئ بالنزوح القسري، حتى شن عمليات قصف جوي ومدفعي عنيفة على مناطق سكنهم، أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا، في الوقت الذي زاد فيه الازدحام في مناطق غرب المدينة التي تفتقر لجميع الخدمات الانسانية، بعد وصول عشرات آلاف النازحين الجدد إليها.
اجتياح شرق خان يونس
وميدانيا، تشهد الأوضاع في المناطق الشرقية لمدينة خان يونس تصاعدا خطيرا، بعد انذار جيش الاحتلال المفاجئ لكل سكان تلك المناطق بالإخلاء القسري إلى غرب المدينة.
وحسب مصادر محلية فقد استهدفت غارة جوية إسرائيلية منزلًا في بلدة عبسان الكبيرة شرقي المدينة، كما استهدفت أخرى منطقة تقع جنوب المدينة، بالقرب من الحدود مع مدينة رفح، كما استهدفت غارات أخرى حي المنارة، ومنقطة قيزان رشوان جنوب شرقي المدينة.
هذا وقد أعلنت مصادر طبية أن عددا من الشهداء والمصابين سقطوا جراء قصف الاحتلال للنازحين في حي الضابطة الجمركية شرق خان يونس.
وحسب المصادر فإن 8 مواطنين استشهدوا وأصيب أكثر من 30 آخرين بجروح جراء القصف الإسرائيلي للمناطق الشرقية لجنوب قطاع غزة.
رحلة النزوح
وقال أحمد النجار الذي يقطن وعائلته إحدى المناطق المهددة من قبل جيش الاحتلال، إنه كان يفكر بالخروج في اليوم التالي للإنذار، بعد أن يكون قد رتب الأشياء المنزلية التي كان سيجلبها على ظهر عربة يجرها حصان، غير أنه قال لـ”القدس العربي” خلال رحلة النزوح “إن شدة القصف دفعته للخروج وعائلته بما عليه من ملابس فقط”.
وقال “شعرت أن الجيش الإسرائيلي سيصل إلى مكان سكننا، مع ارتفاع أصوات الانفجارات”، وقال إن الغارات العنيفة على شرق المدينة، تشابه تلك التي كانت تنفذها قوات الاحتلال قبل وأثناء التوغل البري في خان يونس، والذي بدأ أوائل ديسمبر من العام الماضي، ودام لمدة أربعة أشهر متتالية.
وقالت أم محمد أبو دقة التي خرجت مع أسرتها من تلك المناطق، نازحة إلى غرب المدينة، لـ”القدس العربي”، إنها ومن معها لم يتوقعوا التعرض لهذا التوغل البري المفاجئ، خاصة بعد التوغل السابق الذي أسفر عن تدمير غالبية أماكن وأحياء خان يونس.
وذكرت أن عائلتها بالكاد تمكنت من جلب خيمة، كانت قد سكنت بها لأكثر من ثلاثة أشهر في مدينة رفح المجاورة، خلال العملية العسكرية الماضية، التي انتهت في شهر أبريل الماضي.
وأكدت هذه السيدة الخمسينية أن أسرتها بالكاد تمكنت من إيجاد مكان مناسب لوضع الخيمة غرب مدينة خان يونس، بسبب الازدحام الكبير في أعداد النازحين، الذين قدم غالبيتهم مؤخرا من مدينة رفح، التي كان تؤوي العدد الكبير من نازحي الحرب، وأشارت كغيرها إلى صعوبة الحياة في غرب خان يونس، حيث تواجه الأسر النازحة هناك شحا في المياه والطعام.
ويقدر عدد سكان المناطق الشرقية لمدينة خان يونس بأكثر من 250 ألف شخص، وقد بدأ هؤلاء عملية نزوح قسري جديدة.
والجدير ذكره أن جيش الاحتلال تعمد تدمير نحو 80% من منازل خان يونس خلال الاجتياح البري السابق الذي استمر لأربعة أشهر، ما بين تدمير كلي وجزئي، كما تعمد تخريب كل شبكات البنى التحتية.
نقص الطعام والماء
وقال أحمد قديح لـ”القدس العربي” إنه بعد رحلة بحث طويلة في مناطق غرب خان يونس، لم يتمكن من الحصول على طعام لسد جوع أسرته، لافتا إلى أنهم كانوا قد تأقلموا على العيش على أنقاض منازلهم التي دمرت أغلبها في التوغل البري السابق، قبل أن يطلب منهم النزوح من جديد، وقال “إن قوة القصف الجوي والخشية من الموت كما حصل مع آخرين خلال الاجتياح السابق، أجبرتهم على الخروج من مناطق سكنهم بدون تفكير”.
هذا وقد لوحظ استمرار وصول عوائل جديدة من شرق خان يونس إلى غربها، واستعانت تلك العوائل بسيارات وشاحنات وعربات تجرها حيوانات، لحمل أطفالها وأمتعتها إلى مناطق الغرب، في مشهد يتكرر كل مرة يقوم فيها جيش الاحتلال بهجمات برية جديدة ضد إحدى مناطق القطاع.
واضطر سكان من مناطق خان يونس الشرقية، لوضع خيام بسيطة لهم على مقربة من أنقاض منازل مدمرة تقع في وسط مدينة خان يونس وفي مناطق حي الأمل والمخيم، لعدم وجود مناطق تكفي لاستيعابهم في غرب المدينة وتحديدا في منطقة “المواصي” التي يزعم جيش الاحتلال أنها منطقة “عمليات إنسانية”.
وبعد وصولهم إلى مناطق ما بين وسط وغرب المدينة، بكى أطفال السيدة علا (37 عاما) بحرقة، خلال رحلة النزوح، وقالت والدتهم إن استذكار النزوح المرير في رفح، جعلها وأفراد أسرتها وأقارب لهم غير قادرين على التعاطي مع الموقف الجديد، وأشارت إلى أن العيش في الخيام في هذا الوقت من العام، سيصيب أطفالها بأمراض عدة.
وأشارت خلال حديثها لـ”القدس العربي” إلى أن هناك الكثير من سكان شرق خان يونس لم يخرجوا بعد من مناطق سكنهم، ومن بينهم جيران لها في بلدة بني سهيلا، دون أن تعرف مصيرهم بسبب صعوبة الاتصالات.
وتشير الأرقام إلى وجود حوالي 1.7 مليون شخص هجّروا داخلياً، بسبب الحرب الإسرائيلية، كان نحو مليون منهم يقيمون في مدينة رفح قبل تهجيرهم وسكان المدينة إلى خان يونس ووسط قطاع غزة.
وقد أجبرت قوات الاحتلال آلاف المواطنين والجرحى والمرضى على الخروج من مستشفى غزة الأوروبي شرق المدينة، بعد استهداف محيط المشفى بوابل كثيف من القذائف المدفعية، وتخشى إدارة المشفى من أن يقوم جيش الاحتلال بفرض حصار عليه، ودخوله على غرار ما فعل في مشافي غزة الأخرى خلال الاجتياحات البرية.
ومن شان هذه الخطوة أن تزيد الضغط على مشافي المدينة الأخرى، لعدم وجود قدرة استيعابية لهذا العدد من المصابين والمرضى الذين كانوا يتلقون العلاج في المشفى الأوروبي.
وقالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، بأن مستشفى الأمل في مدينة خان يونس، يتكدس فيه المصابون بأعداد كبيرة، بسبب الاستهدافات العنيفة لمناطق المدينة الشرقية، التي أجبر الاحتلال سكانها على النزوح القسري.
خوف من القادم
وتسود مناطق شرق خان يونس حالة من الهلع بسبب الإنذار الأخير بالإخلاء القسري لمنطقة غرب المدينة، التي تتعرض لهجمات عنيفة هي الأخرى.
وهناك خشية من تمدد العملية البرية إلى مناطق وسط وغرب المدينة على غرار الهجوم البري السابق الذي بدأته قوات الاحتلال في شرق خان يونس، وتدحرج يوما بعد يوم، حتى وصلت إلى الأطراف الغربية للمدينة.
وفي السياق، قال أحد العاملين في مؤسسة إغاثة دولية لـ”القدس العربي” إن الأعداد الجديدة للنازحين تزيد من الأعباء الملقاة على كاهلهم، وأشار وقد طلب عدم الكشف عن هويته لعدم السماح له بالحديث لوسائل الإعلام، إلى أن هناك خشية كبيرة من توسع نطاق التوغل البري الإسرائيلي لمناطق وسط وغرب مدينة خان يونس، على غرار المرة السابقة، التي بدأ فيها العملية البرية في مناطق الشرق، وانتهت حتى وصل الجيش الإسرائيلي إلى مناطق الغرب.
وكشف بأنه لا يوجد لدى المؤسسات الاغاثية الدولية، ما يكفي من مواد تموينية لتوزيعها على النازحين الجدد والقدامى، ما يعني اتساع رقعة المجاعة على نحو أكبر وأخطر.
وفي مناطق غرب مدينة خان يونس، يتكدس النازحون كما مناطق وسط القطاع بأعداد كبيرة جدا، بعد عمليات النزوح الجديدة، ويتوقع أن يزداد العدد في الأيام القليلة القادمة، بسبب موجات نزوح جديدة، يتوقع أن يلجأ إليها من تبقى من سكان شرق خان يونس ومناطق في الوسط.