جوع غزة خلال الأضحى… غلاء ونقص في السلع
عربي تريند
يحلّ عيد الأضحى هذا العام على غزة فيما سكانها يواجهون إبادة جماعية يرتبكها الاحتلال الإسرائيلي، أجواء العيد مفقودة ما بين البيوت المدمرة، والفرح ينكسه الحزن الكبير على آلاف الشهداء والجرحى، فيما يكابد الغزيون للحصول على الطعام، بسبب الحصار الإسرائيلي الذي يمنع وصول ما يكفي من مساعدات إلى القطاع، في ظلّ شح المواد في الأسواق وارتفاع أسعارها.
إذ يواجه الفلسطيني يوسف الحافي مشكلة في توفير الاحتياجات الأساسية لعائلته على صعيد الغذاء في ظل الشح الكبير، الذي تعاني منه أسواق قطاع غزة في ظل استمرار حرب الإبادة للشهر التاسع على التوالي. وعلى مدار أشهر الحرب الإسرائيلية، عانى القطاع من أزمة التجويع التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي سلاحاً للضغط على الفلسطينيين، عبر إغلاق المعابر والتحكم في أعداد الشاحنات الواردة إلى القطاع منذ بداية الحرب.
ومنذ اليوم الأول للحرب على غزة، أصدر وزير الحرب يوآف غالانت قراراً بمنع إدخال الشاحنات إلى غزة وقطع إمدادات الوقود والغداء وقطع الكهرباء، ما فاقم من الأزمة الإنسانية التي أحدثتها الحرب الإسرائيلية. وتقتصر السلع المتوفرة في الأسواق حالياً على بعض المعلبات كالفول واللحوم المصنعة، فيما تشهد نقصاً حاداً على صعيد اللحوم والدواجن وبيض المائدة والخضراوات في ظل تدمير الاحتلال مساحات زراعية واسعة.
الأضحى وتداعيات التجويع
وسببت هذه الأزمة انعكاسات سلبية أدت إلى وفاة ما لا يقل عن 25 فلسطينياً جوعاً، من بينهم أطفال، غالبيتهم في المناطق الشمالية للقطاع، عدا عن ظهور بعض الأمراض في صفوف عشرات الفلسطينيين الذين يعانون من مشكلات صحية مختلفة.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، فإن هناك 3500 طفل في القطاع يواجهون خطر الموت جوعا، جراء القيود والحرب المتواصلة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بسبب اتباع الاحتلال الإسرائيلي سياسات تجويع الأطفال. ويعاني أطفال القطاع دون الخامسة من نقص الحليب والغذاء، وانعدام المكملات الغذائية، وحرمانهم من التطعيمات، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية للأسبوع الرابع على التوالي، وسط صمت دولي فظيع. في الأثناء، يقول يوسف الحافي إن الكثير من السلع لم تعد متوفرة في الأسواق جراء عدم إدخال السلع الأساسية وقلة ما يسمح الاحتلال الإسرائيلي بإدخاله إلى القطاع خلال الشهر الأخير الذي تبع إغلاق معبر رفح.
ويضيف الحافي لـ”العربي الجديد” أن الكثير من السلع تعاظمت أسعارها أكثر من خمسة أضعاف عما كانت عليه في السابق، وسط ندرة شديدة في ظل تكدس الفلسطينيين النازحين حالياً في مناطق وسط القطاع.
ويشير إلى أن القطاع سيكون أمام مجاعة حقيقية في حال عدم إدخال سلع ومنتجات غذائية جديدة كافية واستمرار إغلاق المعابر وعدم انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة.
الرصيف المؤقت
ورغم تشغيل الميناء الأميركي “المؤقت” بعد إصلاحات خضع لها، إلّا أن برنامج الأغذية العالمي قرر إيقاف إدخال المساعدات إلى غزة عبر الرصيف الأميركي العائم بسبب مخاوف أمنية، في أعقاب عملية النصيرات.
سوق مبني بين المباني المدمرة في خان يونس
اقتصاد الناس
في قطاع غزة .. مهن بديلة من أجل البقاء
ووفق رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف، فإن الرصيف المؤقت ليس ذا جدوى حيث لم يسهم بشكل جدي، منذ تدشينه قبل شهر ونصف، في التخفيف من كارثية الواقع الإنساني داخل قطاع غزة، فلم يمر عبره منذ إنشائه سوى عدد محدود جداً من الشاحنات لا يتجاوز 120 شاحنة. من جانبه، يقول رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده إن المطلوب إعلان المجاعة رسمياً في غزة في ظل سرعة الانتشار الحالي للمجاعة ومعدلات سوء التغذية الحاد واتساع رقعتها جغرافيًّا وبين جميع الفئات، خاصة بين الأطفال.
ويضيف عبده لـ”العربي الجديد” أن مستويات انعدام الأمن الغذائي تتفاقم بشكل مضطرد في جميع أنحاء القطاع نتيجة إصرار الاحتلال على ارتكاب جريمة التجويع واستخدامه سلاحَ حرب، في إطار جريمته الأشمل في الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. ووفق رئيس المرصد الأورومتوسطي، فإن أكثر من 800 ألف ساكن ونازح هجّروا قسرًا من رفح باتجاه غرب خانيونس ودير البلح، وأغلبهم اضطروا للمغادرة بالقليل من أمتعتهم وتركوا أغلب ما لديهم من مواد غذائية، فيما هجّر نحو 100 ألف من جباليا ومخيمها وبيت لاهيا، شمالي القطاع، إلى غرب مدينة غزة.
ويشير إلى أنه مع إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، فإن شبح المجاعة وسوء التغذية الحاد عاد بسرعة وتوسع ليطاول جميع سكان قطاع غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، نصفهم من الأطفال، وبخاصة في شمال غزة، حيث نفدت البضائع من الأسواق. ويؤكد أنه مع انهيار فرص العمل وغياب السيولة النقدية وانهيار القدرة على الإنتاج المحلي، فإن جميع السكان باتوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية المقدمة لهم من الخارج، وبالتالي فإن توقفها يعني حرمانهم بشكل مطلق من الحصول على المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة.
وبحسب المرصد الأورومتوسطي، فقد جرى تسجيل 30 حالة وفاة رسميًّا نتيجة المجاعة، وهناك تقديرات بتسجيل حالات وفاة شبه يوميًّا نتيجة تداعيات الجوع إضافة إلى الوفيات الناجمة عن القصف والافتقار إلى العلاج والرعاية الصحية.
ووفق تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن تسعة من كل عشرة أطفال في غزة لا يستطيعون تناول العناصر الغذائية من مجموعات غذائية كافية لضمان نموهم وتطورهم بشكل صحي.
وذكرت المنظمة الأممية أن خمس مجموعات من البيانات التي جمعت بين ديسمبر/ كانون الأول 2023 وإبريل/ نيسان 2024 وجدت أن تسعة من كل عشرة أطفال في قطاع غزة، الذي يتعرض لقصف إسرائيلي منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يعانون من فقر غذائي حاد، ما يعني أنهم يتغذون على مجموعتين غذائيتين أو أقل في اليوم للبقاء على قيد الحياة.
قيود على المساعدات
من جانبها، تقول القائمة بأعمال مدير مكتب الإعلام في وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إيناس حمدان إن هناك قيوداً تفرض على تدفق المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزه، فمعبر رفح مغلق منذ بدء التوغل البري في مدينة رفح، وما يدخل من معبر كرم أبو سالم كميات قليلة من المساعدات الإغاثية.
وتوضح حمدان لـ”العربي الجديد” أن “أونروا” استلمت في الخامس من حزيران/ يونيو 62 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية عبر معبر كرم أبو سالم (57 منها كانت لأونروا) وهو ما يمثل انخفاضًا هائلًا في عدد الشاحنات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية مقارنة بما كان الوضع عليه حتى قبل بدء عملية رفح.
العدوان يدمّر موسم الأضاحي في غزة… حرب ضد المحتاجين
وتشير إلى أن الأوضاع المعيشية تزداد صعوبة في ظل استمرار الحرب الضروس، وفي المقابل، هناك محدودية في الإمدادات ومخاوف من ارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي، في ظل معاناة أطفال غزة من فقر غذائي حاد. وتشدد حمدان على ضرورة فتح المعابر والسماح بتدفق الإمدادات الإنسانية بشكل عاجل ومنتظم وبكميات كافية تلبي الحاجات الملحة والضخمة، من أجل مواجهة الكوارث الصحية والبيئية التي تفاقم المعاناة الإنسانية للمدنيين.
وقال أحدث تقرير مشترك للبنك الدولي والأمم المتحدة إن العدوان الإسرائيلي ألحق أضراراً قيمتها تناهز 18.5 مليار دولار في البنية التحتية للقطاع بين أكتوبر/ تشرين الأول ونهاية يناير/ كانون الثاني الماضيين، وهذا الرقم يمثل 97% من الناتج الاقتصادي المشترك للضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة في العام 2022، في حين خلّف العدوان 26 مليون طن من الركام الذي من المتوقع أن تستغرق إزالته سنوات.
ووجد التقرير أنّ الأضرار التي لحقت بالمباني تؤثر في كل قطاع غزة، إذ يمثل الإسكان 72% من التكاليف، وتمثل البنية التحتية للخدمات العامة مثل المياه والصحة والتعليم 19%. وقال البنك الدولي إن أكثر من مليون شخص بلا منازل، و75% من السكان مشردون، مضيفاً أن أكثر من نصف سكان غزة أصبحوا على حافة المجاعة، ويعاني جميع السكّان انعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية.