هل انطوت عملية تحرير المحتجزين الإسرائيليين على نية مبيّتة لارتكاب مجزرة؟ هذا ما تشي به التفاصيل
عربي تريند
إنها عملية “معقدة”، “بطولية” و”جريئة”، ومن بين العمليات “الأخطر والأكثر تعقيداً” التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وحررت من خلالها أربعة من المحتجزين الإسرائيليين في مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، أمس السبت، وهي “ملهمة” أيضاً، ومن “عالم آخر”، جاءت بعد تخطيط استمر أسابيع، ومعلومات استخباراتية على أعلى المستويات. مديح بلا نهاية، وأوصاف من الخيال رافقت تغطية الإعلام العبري وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين، في ظل نشوة طال انتظارها بالنسبة لهم، حتى أنهم أعلنوا مقتل أحد الضباط في العملية بعد منح مساحة للاحتفال.
لكن ما لم يتحدّثوا عنه صراحة أن تحرير المحتجزين الإسرائيليين في غزة جاء بالأساس في ظل ارتكاب قواتهم مجازر مروّعة في مسلسل الإبادة الجماعية في قطاع غزة. نيران مكثفة من الجو والبحر والبر. وبمعنى آخر، فإن العنوان الحقيقي لعملية تحرير المحتجزين كُتب بالأساس بدم الفلسطينيين وسفك دمائهم، مهما بلغت الاستخبارات الإسرائيلية والتخطيط والتنفيذ من مستويات، كما أن خطأ واحداً، أو تعثّراً واحداً، كان يمكن أن يودي أيضاً بحياة المحتجزين ولم يكن ذلك بعيداً.
فلسطينيتان تبكيان الشهداء في محيط مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة 8/6/2024 (أشرف أبو عمرة/الأناضول)
قضايا وناس
شهادات عن مجزرة مخيم النصيرات… أهوال يوم القيامة
كيف تمت عملية تحرير المحتجزين الإسرائيليين بالنصيرات؟
ستتحدث إسرائيل مطولاً عن “إنجازها” ونجاح مهمتها في تحرير المحتجزين الإسرائيليين في غزة، لكنها لن تتحدث عن المجازر الجديدة التي ارتكبتها. ولكن كيف تمت هذه العملية وفق الرواية الإسرائيلية؟ لم تتكشف كامل التفاصيل بعد ولكن ثمة تفاصيل متوفّرة، تعتمد على الرواية الإسرائيلية، مما ورد في وسائل الإعلام العبرية وعلى لسان مسؤولين إسرائيليين.
تمت العملية في وضح النهار، وفي مناطق لم يدخلها جيش الاحتلال الإسرائيلي من قبل ومن خلال “استخدام وسائل تكنولوجية، بعضها تم تطويرها خصيصاً لهذه العملية”. وتم تحرير نوعا أرغماني من الشقة التي احتجزت فيها بسلاسة، وفق الرواية الإسرائيلية، ولكن إنقاذ المحتجزين الثلاثة الآخرين كان معقداً أكثر، ورافقت السيطرة على الشقة التي كانوا موجودين فيها اشتباكات عنيفة بين قوات الاحتلال وعناصر المقاومة. وخلال عملية اقتحام المبنى أصيب الضابط في وحدة اليمام أرنون زمورة، ما أسفر عن مقتله.
وخلال العملية نفسها، التي شارك فيها مئات الجنود من وحدات مختلفة، ذكر جيش الاحتلال الإسرائيلي أن المركبة التي أقلت المحتجزين الإسرائيليين الثلاثة بعد تخليصهم من المبنى تعطّلت. ولذلك صدرت أوامر من أجل تكثيف الهجمات على وسط قطاع غزة. وعقب ذلك، لدى إخراج المحتجزين من المنزل الذين كانوا فيه، انضم إلى القوات الخاصة جنود من الفرقة 98 وساعدوا في نقل المحتجزين إلى الطائرة المروحية التي أقلتهم إلى إسرائيل. وخلال العملية هاجم جيش الاحتلال الإسرائيلي من الجو والبحر والبر منطقة مخيّم النصيرات.
وبحسب تقارير إسرائيلية، أمس الأحد، فإن جنود لواء كفير خاضوا معارك على مدار خمسة أيام، سبقت العملية، في مخيّم دير البلح للاجئين، ومعظم ضباط اللواء وجنوده لم يعرفوا بهدف هذا القتال، وفقط يوم أمس، خلال عملية تحرير المحتجزين الإسرائيليين الأربعة من مخيم النصيرات القريب، علموا بأنهم جزء من العملية التي سادتها سريّة كبيرة. وجاء قتال قوات “كفير” في إطار الخداع وعمليات التمويه التي استخدمتها إسرائيل لتوجيه الأنظار إلى أماكن أخرى.
ويمكن تقسيم العملية إلى ثلاثة أجزاء بالأساس، على الأقل من وجهة النظر الإسرائيلية، وهي عملية الوصول إلى الهدف، ويدور الحديث عن موقعين مختلفين حيث كانت المحتجزة الإسرائيلية في شقة والثلاثة الآخرين في مكان لا يبعد كثيراً، نحو 200 متر وفق بعض التقارير العبرية. ويبدو أن القوات الإسرائيلية استخدمت مركبات مساعدات إنسانية تخفّت من خلالها، وفق بعض الشهادات، لكي تتمكن من الوصول إلى المبنيين، برفقة قوات من المستعربين. أما الأمر الثاني فيتعلق بتوقيت العملية في وضح النهار وفي وقت ينتشر فيه الناس في الشوارع والسوق القريب من المبنيين، حيث احتُجز الإسرائيليون الأربعة. ويؤكد هذا أن إسرائيل كانت على دراية تامة باكتظاظ المكان، ومع ذلك وضعت النيران المكثّفة ضمن خطتها مسبقاً، وأصدرت الأوامر لاستخدامها خلال العملية نفسها، رغم توقعّ النتيجة بقتل عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين. بكلمات أخرى كان قتلاً مع سبق الإصرار على الأرجح. أما العامل الثالث فهو عامل المفاجأة عند اقحام المبنيين، لأن اكتشاف المقاومة للعملية قبل ذلك كان سيؤدي حتماً لنتائج مختلفة.
وفي الوقت الذي نفّذ فيه سلاح الجو الإسرائيلي قصفاً واسعاً على النصيرات، كانت قوات من وحدة “اليمام” الشرطية، ومن جيش الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك دبابات وقوات من اللواء السابع المدرّع وقوات من المظليين ولواء كفير، تتقدم لتوفير الدعم لإخراج المحتجزين والقوات التي ترافقهم للخروج من المخيم.
عودة إلى الوراء وتسلسل الأحداث وفق السردية الإسرائيلية
يوم الخميس الماضي في الساعة 18:30: بعد عملية تخطيط دقيقة وتدريبات وتعقب استخباراتي متقدّم استمر لعدة أسابيع، تبينت مشاركة الولايات المتحدة فيه، صدّق المستوى السياسي على العملية التي أطلق عليها في البداية اسم “بذور الصيف” قبل أن يتغير بعدها لاسم “أرنون” على اسم ضابط “اليمام” الذي سقط فيها. اتخذ القرار بسرية كبيرة، وتم انتظار اللحظة المناسبة. بعض التقارير أشارت إلى المصادقة على العملية وإلغائها ثلاث مرات قبل تنفيذها.
السبت، الساعة 10:00 صباحاً: وصل فريقان من القوات الخاصة من عدة اتجاهات إلى مخيم النصيرات القريب من الشاطئ. وتحركت القوّات بشكل سري نحو المبنيين حيث كان المحتجزون موجودين.
الساعة 10:45: أشارت مراقبات جيش الاحتلال الإسرائيلي، والوسائل التكنولوجية المستخدمة، بما في ذلك بالطائرات، إلى أن المنطقة “نظيفة” ولا توجد تحرّكات مشبوهة في المبنيين المكونين من ثلاثة إلى أربعة طوابق، أحدهما كانت فيه نوعا أرغماني، وفي الثاني المحتجزون الثلاثة الآخرون ومعهم عائلات من غزة.
الساعة 10:50: بدأت عمليات نقل معلومات وتوثيق مباشر لأزقة المخيّم التي يبلغ طولها مئات الأمتار وتفصل بين الهدفين، إلى شاشات غرفتي العمليات، اللتين تم من خلالهما الإشراف على العملية، إحداهما لجهاز الشاباك في وسط إسرائيل، بمشاركة رئيسه رونين بار وقائد هيئة الأركان هرتسي هليفي، فيما كانت في الغرفة الأخرى في مدينة بئر السبع قيادة المنطقة الجنوبية، وهي المكان الذي صدرت منه الأوامر خلال العملية.
الساعة 11:00: الفريقان الموجودان على الأرض يتلقيان أمر بدء عملية اقتحام المبنيين، والتي صودق عليها من قبل رئيس الشاباك وقائد هيئة الأركان في وقت تنفيذ العملية، وبهدف الانقضاض على المبنيين في وقت واحد وبتنسيق كامل لمنع عناصر المقاومة في تلك المواقع من اكتشاف الأمر والتصرف.
الساعة 11:10: تم وفق الرواية الإسرائيلية، تحرير المحتجزة أرغماني بسلاسة نسبياً، فيما كانت العملية في المبنى الآخر أكثر تعقيداً بكثير. وأعلن الفريق الذي يرافق الضابط زمورة أنه أصيب خلال تبادل إطلاق النار، وأن الجنود الذين تمكنوا من قتل عناصر المقاومة في المكان نفسه بعد اشتباكات، يقدّمون العلاج لضابطهم ويحاولون إنقاذه والخروج من المبنى تحت نيران تزداد كثافة.
الساعة: 11:15: تم عبر أجهزة الاتصالات الإعلان أن “الماسات بين أيدينا”، ويقصد بالماس أن المحتجزين الإسرائيليين بيد القوات الإسرائيلية.
الساعة 11:22: حاولت القوات الإسرائيلية الفرار من المكان بواسطة مركبات ولكن المركبة التي كان فيها ثلاثة من المحتجزين أصيبت جراء النيران الكثيفة وعلقت، وفي هذا الوقت قرر قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال يارون فينكلمان تفعيل خطة التخليص التي تم إعدادها مسبقاً، والتي اشتملت على قصف مكثف على وسط المخيم.
الساعة 11:25: بدأت الطائرات الحربية الإسرائيلية والمروحيات الحربية بإطلاق عشرات الصواريخ من أجل عزل المنطقة، وقام مئات جنود التعزيز من عدة ألوية ووحدات باقتحام المخيّم، منهم قوات راجلة وأخرى بواسطة الدبابات والمدرّعات، علماً أنه تم حشد القوات مسبقاً لهذا الاحتمال، كما قامت السفن والزوارق الحربية الإسرائيلية بعملية تغطية من الغرب.
الساعة 11:30: تمكّنت قوات التعزيز وسلاح الجو الإسرائيلي من عزل منطقة القتال الأساسية، وبهذا تمكنت من توفير ممر هروب آمن للقوة الأساسية التي كان معها المحتجزون الثلاثة بعد تحريرهم. وصادقت القيادة الجنوبية على نحو استثنائي لمروحية من طراز “ياسعور” التابعة لسلاح الجو على أمر بالهبوط في عمق قطاع غزة، بتغطية من طائرات مقاتلة، من أجل نقل المحتجزين الإسرائيليين الأربعة بعد وصول المحتجزة أرغماني أيضاً، والقوات المرافقة للمحتجزين، فيما كانت النيران تستهدف المقاومين في المناطق المحيطة، وفق الرواية الإسرائيلية، لكن فعلياً ارتكبت مجزرة بحق المدنيين.
الساعة 11:50: صعدت القوات الخاصة مع المحتجزين الذين تم تحريرهم إلى الطائرة المروحية، التي توجهت نحو المستشفيات الإسرائيلية. وتواصلت محاولات إنقاذ الضابط المصاب في الجو أيضاً، ولكن في المستشفى تم الإعلان عن مقتله. وفي هذا الوقت كانت القوات الإسرائيلية الموجودة على الأرض تواصل اشتباكها مع المقاومين حتى انتهاء العملية كلياً.
الساعة 13:33: أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) والشرطة رسميا عن تحرير أربعة محتجزين.