مع قيام جبهة الرفض الإسرائيلية.. هل ومتى وكيف قد تسقط حكومة نتنياهو؟
عربي تريند
تبدأ اليوم “جبهة الرفض الإسرائيلية” مساعيها لإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو بعدما أعلن ثلاثة من رؤساء الأحزاب المعارضة عن تشكيل مقر قيادة لهذا الهدف، ضمن لقاء دعوا فيه الوزيرين في مجلس الحرب بيني غانتس وغادي آيزنكوت لمغادرة الائتلاف الحاكم، وسط توقعات بأن حكومة جديدة ستبادر لوقف الحرب والذهاب إلى صفقة كبرى كما تريد واشنطن.
واجتمع أمس يائير لبيد، رئيس حزب “يش عتيد”، وأفيغدور ليبرمان، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” وغدعون ساعر، رئيس حزب “تكفاه حداشاه”، وأعلنوا عن سعي مشترك للإطاحة بنتنياهو في ظل إخفاقاته وفشل حكومته في تحقيق أهداف الحرب المعلنة على غزة.
بيد أن ائتلاف نتنياهو المكوّن من خمسة أحزاب يبدو متماسكا ومتفقا على البقاء متحالفا خدمة لمصالح مشتركة، أهمها البقاء في السلطة لإدراكهم أن تفكيك الائتلاف والذهاب لانتخابات، يعني الذهاب إلى صحراء المعارضة. أما المصلحة الثانية التي تبقيهم متماسكين، فهي الطمع المشترك في تحقيق انتصار مفقود حتى الآن في غزة أو صورة انتصار تحفظ لهم ماء الوجه، وربما تمنحهم درعا واقيا أمام حساب جماهيري عسير ينتظرهم بصفتهم مسؤولين عن “الفشل الذريع” في السابع من أكتوبر.
بالتزامن، شن آيزنكوت (الحزب الدولاي برئاسة غانتس) حملة علنية غير مسبوقة على نتنياهو في محاضرة له تنطوي على لائحة اتهام، قال فيها إن حكومة رئيس الوزراء فشلت في تحقيق أهدافها الأربعة: منع تقدم إيران من التقدم نحو النووي، تطبيع مع السعودية، خفض غلاء المعيشة، وتعزيز الأمن والحوكمة.
وعن فشل الحرب في تحقيق أهدافها، قال آيزنكوت الذي قُتل ابنه الجندي في غزة، إن نتنياهو يخلط الحسابات والاعتبارات، يبيع الأوهام للإسرائيليين في حديثه عن تفكيك حماس من قدراتها العسكرية في رفح واستعادة المخطوفين منها، داعيا للصبر القليل قبل استقالته من الحكومة.
يشار إلى أن رئيس الحزب الدولاني، بيني غانتس، سبق وأعلن قبل أسبوعين ونيّف، عن إنذاره نتنياهو باستقالة حزبه من الائتلاف في السادس من حزيران المقبل، إذا لم تتحق ستة مطالب منها السعي لاستعادة المخطوفين.
وفي تصريحاته أمس، أسدل آيزنكوت الستار ولم يترك مجالا لتراجع غانتس عن قرراه بالانسحاب من الحكومة والذي بات مؤكدا بعد نحو أسبوع. ومن المتوقع أن ينضم غانتس وآيزنكوت ومعهما رئيس حزب “العمل” الجديد الجنرال في الاحتياط يائير غولان لـ”جبهة الرفض” ضد نتنياهو، والتي تهدف للتأثير على وعي الإسرائيليين وعلى بعض نواب الائتلاف الحاكم، وإقناعهم بالتعاون من أجل إما استبدال نتنياهو بقيادي آخر من “الليكود” في رئاسة الوزراء، أو التصويت مع مشروع قانون لتفكيك الكنيست والذهاب لانتخابات مبكّرة.
وألمح قادة “جبهة الرفض” أن هناك عددا من نواب “الليكود” يفكّرون بالتمرّد على نتنياهو، ويبدو أن تيسير مهمتهم وتشجيعهم هي مهمة هذا التحالف المناهض لرئيس الحكومة.
احتمالات إسقاط نتنياهو
ورغم تماسك الائتلاف اليميني المتشدد، فإنه لا يبدو محصنا تماما من الانهيار في ظل حرب فاشلة طالت أكثر من كل حروب إسرائيل، وفي ظل خلافات واختلافات على قضايا داخلية هامة مثل موضوع تجنيد اليهود الحريديم الذين يرفضون الخدمة العسكرية رغم حاجة جيش الاحتلال الملحّة لمزيد من الجنود.
وإذا ما اجتمعت عدة عوامل متزامنة، فإنه من غير المستبعد أن يحصل التمرّد داخل الحزب الحاكم “الليكود”، نتيجة ضغوط تتصاعد وتتراكم ببطء.
من هذه العوامل، الغضب في الشارع الإسرائيلي من تراخي الحكومة مع الحريديم (13% من اليهود في إسرائيل) الرافضين للخدمة العسكرية، والمؤمنين بأن التوراة تحمي إسرائيل أكثر من جيشها، والإحباط من استمرار الفشل والنزيف في غزة مع الإعلان يوميا عن جنود قتلى ومصابين هناك، فالمزاج العام السائد في إسرائيل اليوم، أنه بعد فشل السابع من أكتوبر، حلّ فشل الثامن من أكتوبر حتى اليوم.
يعبّر عن هذا المزاج، المعلق السياسي البارز في صحيفة “هآرتس” أوري مسغاف بقوله: “في السابع من أكتوبر هزمتنا حماس بسيارات دفع رباعي وبنادق كلاشينكوف. ومنذ الثامن من أكتوبر، هزمت إسرائيل نفسها بإدارة نتنياهو وغانتس لحرب فاشلة”.
في هذا المضمار، حذّر مجددا القائد السابق لغرفة العمليات في الجيش الإسرائيلي الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف، بقوله للإذاعة العامة صباح اليوم الخميس إن احتلال محور فيلادلفيا على حدود قطاع غزة مع مصر، هو منجز تكتيكي فقط، وبدون “اليوم التالي” سيفقد قيمته، وإلا فإن البديل سيكون احتلالا عسكريا ومدنيا للقطاع، مما سيُدخل إسرائيل في نفق دون مخرج.
ومن هذه العوامل المحتملة أيضا، تعمّق الانطباع بأن نتنياهو يعرقل الصفقة ويبقي المخطوفين في أنفاق غزة كما جاء في تسريبات وتصريحات أهمها وآخرها صادرة عن مسؤول ملف المفقودين والأسرى في جيش الاحتلال، الجنرال نيتسان ألون، الذي قال يوم الثلاثاء، إنه لا صفقة مع هذه الحكومة، وفق تسريب للقناة 12 العبرية.
هذه الضغوط الداخلية تبدو أكثر قوة وفاعلية من ضغوط خارجية، خاصة أن واشنطن تثرثر وتغرق العالم في بحر من الأقوال مع قطرة أفعال، وتواصل عمليا دعمها للحرب المتوحشة. وإذا ما اجتمعت هذه العوامل، سيتفاقم الضغط على الائتلاف الحاكم، ومعه يزداد احتمال تصدع بنيانه.
يضاف لعوامل الضغط والدفع نحو تمرّد محتمل، ارتفاع منسوب تذمر نحو 100 ألف من النازحين الإسرائيليين في جنوب وشمال البلاد، مع تصاعد التوتّر والعمليات التي تجبي أثمانا من الاحتلال في الجليل الأعلى مقابل حزب الله وداخل الضفة الغربية، ومن شأنها دفع بعض قادة المؤسسة الأمنية للاستقالة. وهي تغذّي فقدان الثقة بحكومة الاحتلال الحالية، وازدياد الغضب على قصر نظرها، وقلة حيلتها، واعوجاج سلّم أولوياتها وأوهامها.
الانفجار الكبير
المعلق السياسي إفرايم غانور، يرى في مقال تنشره صحيفة “معاريف” اليوم، أن الخطوة الأولى على طريق إسقاط حكومة نتنياهو بدأت في لقاء رؤساء المعارضة. معتبرا أن التوجه الرئيسي لهذا الاجتماع يتمثل في تشكيل ائتلاف مشترك لأحزاب المعارضة، هدفه الواضح إسقاط حكومة نتنياهو، وتقديم موعد الانتخابات.
وبحسب أعضاء هذا الائتلاف، فمن المفترض أن يضع حداً لسلوك حكومة نتنياهو الفاشل، التي تقود إسرائيل نحو كارثة.
كما يقول غانور إن غرفة العمليات التي يبادر ليبرمان إلى تشكيلها، هي المرحلة الأولى نحو تحقيق “الانفجار الكبير” الذي من المفترض أن يسفر عن ولادة حزب يميني واسع، ملتزم بالحفاظ على مؤسسات الدولة؛ وحزب ليبرالي جديد، سيضم في المرحلة الأولى أفيغدور ليبرمان وحزبه، وغدعون ساعر وحزبه، إلى جانب نفتالي بينيت.
ويضيف: “حزب جديد يجب أن يشكل استجابة وملاذا لمئات الآلاف من ناخبي الليكود واليمين الذين خذلتهم حكومة نتنياهو، والذين يواجهون صعوبة في تأييدها، أو التصالح مع هذه الحكومة المسعورة والفاشلة، التي يفرض جدول أعمالها كلٌّ من بن غفير وسموتريتش، فضلاً عن سلوك رئيس الحكومة نتنياهو ووزراء الليكود”.
ويخلص للقول: “لذا، فإن كثيراً من العيون شاخصة، اليوم، إلى لقاء القمة هذا، وإلى قيام غرفة عمليات مشتركة، الأمر الذي يثير الأمل في صدور كثيرين بحلول عهد جديد وتأليف حكومة مختلفة”.
في المقابل وردا على سؤال حول تصريح مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي أمس بأن الحرب ستطول لسبعة شهور إضافية، قال الوزير دودي إمسالم للإذاعة العبرية الرسمية اليوم، إن الانتخابات العامة ستجرى بعد انتهاء الحرب التي ربما تطول شهورا أو سنتين.
وهذا أيضا سيناريو قائم، فربما يكون الرهان على تمرّد بعض نواب “الليكود” هو مجرّد وهم. وينبغي التذكّر أن ساسة إسرائيل اليوم باتوا مختلفين عن سابقيهم. فجلدهم السياسي أسمك من جلد الفيل، ولا تكفي الفضائح لزحزحتهم عن كر اسيهم الوزارية الوثيرة حتى لو سدد الإسرائيليون الثمن بالدم. مما يعني أن خيار استمرار الحرب بشكل أو آخر لشهور أو أكثر، هو احتمال وارد كما قال هنغبي.