غزاويون عاشوا النكبتين: الحرب على غزة أعنف دمويا من الـ 48
عربي تريند
رغم تبدل السنين وطولها، لم يتغير الوضع كثيرا على سكان غزة، كغيرهم من الفلسطينيين، خاصة النازحين منهم، الذين اكتووا قبل 76 عاما بنيران النكبة، حين هُجّروا قسرا عن أراضيهم، بسبب المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، والتي تحولت لاحقا إلى جيش عنيف، يعيد المشهد ذاته بأساليب قتل أبشع في القطاع الذي يتعرض لحرب مستمرة منذ سبعة أشهر.
بين «النكبة» والنزوح
فما كان متغيرا بعد هذه السنوات الطويلة من النكبة، من شكل المباني السكنية، والبنى التحتية وحتى المشافي والمؤسسات الخدماتية، سواء الرسمية أو الأممية، عاد إلى شكله الأول قبل 76، وفقا للخطة الإسرائيلية التي كشف عنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الأيام الأولى للحرب، حيث أعلن أن هدفه هو إعادة قطاع غزة لعشرات السنين إلى الوراء.
فلم تعد المنازل على حالها، بعد أن حولت الغارات الإسرائيلية غالبيتها إلى ركام وحطام، ولم تعد هناك طرق معبدة في أغلب مناطق غزة، ولا حتى مستشفيات أو مدارس، وبات السكان يواجهون مشقة كبيرة في التنقل، إما بسبب الطرق المليئة بالدمار والركام، أو أزمة الازدحام، وأصبح الغالبية منهم يقطنون في «مراكز إيواء» أو خيام، في مشهد كان حاضرا في النبكة الأولى.
وبسبب وقع الحرب المستمرة على غزة منذ أكثر من سبعة أشهر، والتي لم تعهد من قبل على صعيد عدد الضحايا أو الدمار، أطلق الكثير من السكان مصطلح النكبة 2 عليها، وهو أمر يعيه جيدا من الناحية العملية أولئك الرجال والنساء القلائل الطاعنون في السن، الذين عايشوا النكبتين.
قصص النزوح الحالية أكثر بكثير من قصص النكبة الأولى
وبلغة الأرقام فإن أعمار من يتذكرون أحداث النكبة يفوق حاليا الـ 82 عاما، وهو عمر طفل كان في سن السادسة حين أجبر على النزوح، فيما أعمار من ولدوا في سنة النكبة التي وقعت في العام 1948، وصل إلى 76 عاما، ومن هؤلاء من فارق الحياة إما بسبب المرض، أو الغارات الإسرائيلية خلال الحرب المستمرة.
وبلغة الأرقام أيضا، فإن عدد نازحي الحرب الحالية، أكثر من عدد من أجبروا على الهجرة وترك أراضيهم في العام 48، وهو ما يشكل عبئا أكبر في غزة، فالمساحة المتوفرة لنازحي الحرب الحالية أصغر بكثير من المساحة الجغرافية التي أتيحت للمهجرين قسرا عند وقوع النكبة.
فقبل 76 عاما، أجبر الفلسطينيون على الهجرة إلى قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان، فيما باتوا حاليا محصورين في مساحة ضيقة في مناطق وسط وجنوب وادي غزة، تكاد لا تظهر على الخريطة.
وفي الوقت الذي كان فيه عدد من أجبروا على الهجرة من كافة مناطق فلسطين التي احتلتها العصابات الصهيونية في العام 48 يبلغ 750 ألف فلسطيني، يفوق عدد نازحي الحرب الحالية الذين إما دمرت منازلهم أو أجبروا على تركها بسبب العمليات البرية والقصف الجوي الـ 1.9 مليون فلسطيني.
تشابه الآلام
وأصبح بسبب الحرب المستمرة المشهد الحالي مشابها لما عايشه الأجداد قبل 67 عاما، أو حتى أكثر صعوبة. اللاجئون آنذاك فروا هربا من المجازر الدامية التي اقترفتها العصابات الصهيونية في دير ياسين والطنطورة وفي القدس وحيفا والكثير من المناطق الفلسطينية، بعدما دمرت بشكل كامل 531 قرية، واخضعت عشرات المدن والقرى لحكمها العسكري. ثم اضطروا للسكن في مخيمات اللجوء والعيش هناك في الخيام.
والآن في غزة، يعيش من بقي منهم على قيد الحياة الأحداث ذاتها، حيث الخيام بأشكال جديدة، قائمة إما على أنقاض المنازل التي دمرتها آلة الحرب الإسرائيلية، أو في مناطق عشوائية أصبحت معسكرات جديدة لإيواء النازحين.
من بين ما عايشوا النكبتين كانت الحاجة فاطمة رمضان أبو ركبة، وهي من مواليد العام 1940، وهذه السيدة العجوز التي اضطرت للنزوح مع أبنائها وأحفادها وأبناء أحفادها، من مكان سكنها شمال قطاع غزة، تقيم الآن في «مركز إيواء» للنازحين في مدينة رفح أقصى حدود قطاع غزة الجنوبية.
حتى انتقلت هذه السيدة العجوز من غرفة إقامتها في المركز، وهو عبارة عن مدرسة كانت سابقا مخصصة لتعليم الأطفال، احتاجت إلى من يسند ذراعها، وسارت ببطء شديد حتى جلست وبجوارها بعض الأحفاد.
في رحلة النزوح السابقة، كانت هذه السيدة بعمر أحفاد أبناء أولادها، كانت تستطيع الجري والفرار أسرع من الغارات، لكن عوامل الزمن جعلتها لا تستطيع المشي بمفردها. تستذكر هذه السيدة ما حل في الماضي، وتربطه بالواقع الحالي، وعن النكبة الأولى قالت «أول ما صاروا ييجوا (يصلوا) اليهود (العصابات الصهيونية) من طرف البلد (تقصد بلدتها الأصلية، إحدى القرى المدمرة)، يروح المقاومين يطخوا عليهم»، وكانت تتحدث عن تصدي الفلسطينيين للهجمات الأولى لتلك العصابات. وتضيف «بعدين صارت مذبحة في دير ياسين وهاجرنا».
وفي حديثها أكدت أن سبب ترك البلدات في ذلك الوقت كان عائدا لشدة المجازر الإسرائيلية التي اقترفت، وتشرح أكثر واقع العيش خلال فترة الهجرة الأولى «لما هاجرنا في الـ 48، رحلنا على الرمل (المناطق الساحلية المؤدية لغزة)، والطيارات صارت ترمي القنابل علينا»، وبعدين وصلنا غزة.
تحدثت بمرارة عن الجوع في ذلك الوقت والخيام التي آوَت اللاجئين وعن ظروف الحياة في الحر أحيانا وفي الشتاء، حين غمرت الأمطار خيام سكنهم.
الحرب أعنف
«القدس العربي» سألت السيدة عن الأوضاع الحالية في النكبة 2، إن كانت تشابه ذكريات الماضي، فأجابت مسرعة «مش زي هيك، شردنا بعد المذبحة، لكن الحرب هذه فيها فرق كبير فيها فرق كتير»، وأضافت بلغتها العامية «اليوم الحرب الي بنعيشها ما في زيها، زمان مكانش (لم يكن) القتل قد هلقيت (هذا الوقت) في هل حرب، الموت في هذه الحرب أكثر ما زمان، ما صار مثله قبل هيك».
وأشارت المسنة فاطمة إلى عمليات الإعدام الميداني والتي يقترفها جيش الاحتلال، وعمليات القتل بتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها، «بدخلوا على البيت (الجيش الإسرائيلي) بيقتلوا كل الي فيه، وبهدموا البيت على صاحبة، كمان قتلوا الي في المستشفيات، هذا ما صار زيه».
وتابعت «الناس مرمية بالخيام (تصف وضع السكان الحالي المرير» وفي المدارس»، وأضافت «إسرائيل مش تاركه الناس بحالها بتقصفهم، هذول مجرمين (الجيش الإسرائيلي) ولا ردين على حد».
وفي وصف آخر لشكل الحرب الحالية، يقول المسن مصطفى نعيم ويبلغ من العمر (84 عاما)، إنه رغم قساوة ما عايشوه من أحداث دموية وتشريد وسرقة أراض من قبل العصابات الصهيونية في النكبة الأولى إلا أن أحداث القتل والتشريد لا تذكر لما يعيشه سكان غزة هذه الأيام.
وقال، وهو يتحدث عن النزوح الأول، إنه أقام وأسرته في خيام وضعت في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة، وعايشوا فيها الفقر والجوع، والسكن في أرض غير أرضه، ولم يكن وقتها في بداية الحرب يقدم أكل ولا ماء للنازحين.
لكنه أكد كغيره أن الوضع الحالي والنزوح الجديد والحرب أخطر من السابقة، وأضاف «استشهد أكثر من 35 ألف شخص. الموت كثير وبيوتنا راحت تهدمت».
ويشير إلى أن السلاح الذي كان بيد العصابات الصهيونية في فترة النكبة الأولى عام 48، والذي حصلت عليه من بريطانيا في ذلك الوقت، لم يكن بقوة السلاح الحالي الذي يقتل فيه الفلسطينيون. وما زال هذا الرجل يستذكر أول شهيد سقط بيد العصابات الصهيونية على حدود بلدته، لكنه قال إنه من كثرة الموت الحالي أصبح عدد الشهداء والضحايا أكثر بكثير.
ويقول إن قصص النزوح الحالية أكثر بكثير من قصص النكبة الأولى، ويضيف «هذه الحرب الي بنجا منها الله بيكون كتب إله حياة جديدة».
وليس بعيدا عن هذا المشهد القاتم الذي يعيشه جيل النكبة الأول، يقول المسن إبراهيم النواس في نهاية الثمانينيات، إن الفلسطينيين تركوا قراهم بعد كل هجوم للعصابات الصهيونية، وأن من بينهم من ذهب للضفة أو عمان وآخرين من أقاربه جاؤوا إلى غزة.
ويقول إنه يذكر مع بداية الوصول سكنوا قرب منطقة وادي غزة، ولم يكن، قبل الانتقال لمخيم النصيرات، هناك من يوزع على اللاجئين المؤونة والأكل. ويذكر أنه بعد فترة أصبح توزيع الأكل أسبوعيا، وبدأ الوضع وقتها يتحسن، لكنه حين طلبنا منه المقارنة بين الماضي والحاضر يبين: «هذه مش حرب هذه فناء وإبادة هذه موت بيدمروا الدار على السكان». ويقول إن الأيام الحالية صعبة جدا عليهم، وقد تحدث عن خوفه من ارتكاب جيش الاحتلال مجازر جديدة.
لكن هذ المسن وهو من بلدة «الجمامة» المهجّرة، يحلم رغم طول فترة الغياب وتقدمه في السن، العودة إلى بلدته، ويحلم أن يعود للعمل مزارعا يزرع ويقلع زرعه، وأضاف «هو في زي بلدي تزرع فيها محدش (لا أحد) يتدخل فيك».
ويشير هذا المسن الى أنه يحدث أبناؤه كثيرا عن بلدتهم الأصلية، وأنه ما في أجمل من هذه البلد.
وبجوار هذا المسن زوجته عطر الهندي التي تقترب من عمره، تقول إنها وقت النكبة الأولى كانت بعمر (12 عاما)، وتضيف «تهجرت (وصل) إلينا سكان بلدة عاقر يوم ثلاث، ويوم الثلاث الثاني هجموا على قرية بشيت، وبعدين إحنا في بلدة المغار قرروا الخروج بعد تفجير دبابة إسرائيلية، بعد مجزرة صابت في بشيت». ولا تزال تلك السيدة تستذكر النزوح من بلدتها عصرا، حين أجمع مخاتير البلدة على الخروج منها، بعد المجازر المجاورة، وسقوط عدد من سكان البلدة، وقد تحدثت عما أصاب أقارب لها من تلك الهجمات، كما لا تزال تتذكر كيف قام والدها بأخذ شوالي قمح من المنزل، وكيف حملها وفراش المنزل على ظهر الجمل.
قصف ما شفت زيه
وأضافت «قطنا الواد، وبعدين مشينا بين موارس القطن (مزارع القطن)، ومنها مشينا حتى آذان العشاء»، وتابعت حديثها عن ذلك اليوم، وكيف وصلوا قرية «جليا»، وهناك كان عدد كبير من النازحين من بلدات أخرى، وفي صباح اليوم الثاني جهز الناس الطعام، واستمر الحال لأسبوع، حتى تنقلوا إلى بلدة أخرى، ومنها تنقلوا أيضا بين بلدات أخرى حتى وصلوا إلى غزة.
ولا تزال الحاجة عطر تستذكر كيف كانت تجري لتلحق بركب العائلة في رحلة النزوح.
هذه العجوز قالت إنه جربت النزوح مرة ثانية في الحرب الحالية، حين أجبر سكان مخيم النصيرات وسط القطاع بأوامر من جيش الاحتلال على النزوح، وقد اضطرت مع عائلتها للذهاب إلى مدينة دير البلح.
وقالت «القصف الحالي ما شفت زيه، بيقصفوا الدار على إلي فيها، وبقتلوا كل إلي فيها»، وقد أشارت إلى أن الحرب الحالية أشد قسوة من «النكبة».
ولا تزال هذه السيدة كزوجها تحلم بالعودة إلى بلدتها «المغار»، إحدى القرى المدمرة وتقع في قضاء مدينة الرملة، وتقول «بحلم فيها ليل ونهار، وبذكر مارس الزرع (حقول) للعائلة»، وتشير إلى أن مشهد الأرض وعملها وهي صغيرة وعائلتها فيها لم يغادر تفكيرها رغم مرور كل هذه السنين.
وخلال «النكبة» التي وقعت في العام 48، استمرت عمليات النزوح من القرى والمدن الفلسطينية التي احتلتها تباعا العصابات الصهيونية عدة أشهر، كانت خلالها الطائرات الإسرائيلية تلاحق الفلسطينيين بالحمم النارية خلال تنقلهم من بلدة إلى بلدة، حتى وصلوا مناطق اللجوء الخمس. أما في هذا الوقت فلم يحتج أمر ترحيل السكان قسرا سوى ساعات، بفعل كثافة النيران الإسرائيلية، التي دمرت منازل كثيرة فوق رؤوس ساكنيها، وبثت حالة من الرعب والخوف في صفوف المواطنين، بعد أن وصلت إليهم صور للمجازر التي ارتكبت بحق من رفض النزوح، كما أن عمليات القصف لاحقت النازحين في مناطق سكنهم الجديد، فاستهدفتهم الطائرات الحربية في الخيام وفي مراكز الإيواء، التي طلب منهم جيش الاحتلال الذهاب إليها.
في النكبة الأولى لاحقت الطائرات الإسرائيلية الفلسطينيين بالحمم النارية خلال تنقلهم من بلدة إلى بلدة
وتقول الحاجة فاطمة الرزاينة (86 عاما)، من قرية برير، وهي نازحة من مخيم جباليا، وتقيم حاليا عند أحد الأقارب في مدينة رفح، وهي تروي مآسي الهجرة والنزوح «زمان هاجرت على رجلي (أرجلي)، وهذه المرة شردت على كرسي متحرك».
وتقول هذه السيدة إن أسرتها في العام 1948 اضطرت لترك قريتها المدمرة «برير» تحت القصف. لكنها تؤكد أن القصف هذه الأيام أقوى، وقد أشارت أيضا إلى وجود تشابه كثير في الأحداث بين ما حدث في النكبة الأولى والثانية، وقالت «هربنا للمجدل، وهناك قصفوا السوق وهذه الأيام عملوا نفس الشي (ذات الأمر) وقصفوا الأسواق»، وتابعت «قتلوا عائلات في برير واليوم بيقتلوا عائلات بس عدد العائلات أكبر».
الأوضاع الحالية أصعب
هذه السيدة التي استذكرت أيضا سنوات الهجرة الأولى وما يعيشه الفلسطينيون حاليا، قالت إنه في عام 48 كان الفلسطينيون خلال رحلة الهجرة يقطعون أرضا مزروعة، ويأكلون منها، وتضيف «اليوم فش أكل إلا شوية معلبات»، وقالت في مقارنتها للأحداث بين عامي 1984 و2024 «في المرتين تركت المنزل وما أخدت اشي معي».
وقد أكدت أيضا المسنة فاطمة الرزاينة، أن عدد المهاجرين والخيام التي كانت منصوبة عام 84، أقل بكثير من خيام النازحين في هذا الوقت.
وهذه المسنة اكتوت بنيران الفراق للأقارب، حيث قضى تسعة شهداء (أم وأطفالها الثمانية) من ذرية شقيقها، وكانوا جميعهم نازحين في مدينة دير البلح.
لكن رغم مرارة الحياة والخوف والموت الذي ينتشر في كل مكان إلا أن هذه السيدة تأمل في العودة إلى مخيم جباليا وكذلك إلى بلدتها الأصلية برير.
كانت فترة إجبار جيش الاحتلال سكان مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، على النزوح القسري في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، إلى مناطق جنوب القطاع، بعد أن بدأ هناك عملية عسكرية، وتحدثت «القدس العربي» مع المسن أبو محمود صلاح (محمد الهور)، وهو عم كاتب التقرير، ومن الرجال القلائل الذين عايشوا «النكبتين»، عن هذه المأساة الجديدة، ووقتها تحدث بكل حسرة عن الواقع القديم المرير، والجديد الأشد مرارة.
كان هذا الكهل الذي أجبرته عوامل الزمن على الاتكاء على عكازه، يجلس أمام خيمة نصبها أبناؤه وأحفاده في اليوم الأول لوصوله إلى منطقة كثبان رملية تقع غرب مدينة رفح جنوب القطاع، وكان في ذلك الوقت حاضر الذهن، ينظر عما حوله كثيرا، وينظر للنازحين الجدد الذين كانوا يتوافدون إلى منطقة سكنه، وقتها قال بحسرة إنه لا يزال يذكر مشاهد النزوح الأولى، التي صاحبها خوف شديد من المجازر التي نفذتها إسرائيل، لكنه قال إن هذه المرة «كان الخوف أكثر»، وتابع «زمان (فترة النكبة)، لما وصلنا غزة ما شعرنا بالخوف»، وأضاف هذا المسن الذي هاجرت أسرته من إحدى البلدات التابعة لمدينة الرملة «اليوم غير، نشرد من القصف بنلاقي قصف، والتدمير في كل مكان، إحنا انكتب علينا الشقا».
واستذكر في حديثه تلك الفترة التي عاشها طفلا فترة الرحيل الأول في العام 1948، والتي تشابه هذه الفترة التي يعيشها كهلا، وقال إن الظروف الحالية أشد صعوبة، وإن المنظر العام لم يتغير كثيرا، وقال «وقتها (النكبة) كان والدي وأعمامي ينصبون الخيام، واليوم ولادي وأبناؤهم بعملوا نفس الشيء»، لكن عندما قارن بين النكبتين قال إن ما شاهده من خيام للنازحين في طريق وصوله إلى رفح، كانت أكثر من تلك التي نصبت في العام 48. وأضاف في ذلك الوقت «المنظر إلي عشته زمان كله أمام عيني الآن»، وقد تحدث عن عودة النساء لتجهيز الطعام على مواقد النار والسكن بالخيمة والجوع والفقر، كما تحدث عن ظروف النزوح المتشابهة بعد مرور كل هذه السنوات، والتي لجأت فيها إسرائيل إلى استخدام «المجازر» لإجبار الفلسطينيين على الرحيل.
ولم تمهل الأحداث الصعبة هذا الكهل كثيرا، فسابقا تحمّل وزرها عندما كان طفلا في العاشرة من عمره، لكنه بعد أن تجاوز الـ 85، أصيب بعد أقل من أسبوع بجلطة دماغية، لم تمهله كثيرا حتى فارق الحياة، وهو يحمل هم النكبتين، ويرث أبناؤه وأحفاده من بعده الهموم والآلام ذاتها.