صحيفة فرنسية: روسيا تعزز وجودها في ليبيا وسط قلق الغربيين
عربي تريند
قالت صحيفة “لوموند” إن موسكو تعمل على زيادة عدد قوات ومعداتها العسكرية في ليبيا، مما يعزز نفوذها الذي يمكن أن يؤثر على تدفقات الهجرة نحو أوروبا.
“لوموند” اعتبرت أنه يجري تعزيز الهيكل الاستراتيجي الذي رسمته موسكو في شمال أفريقيا، قطعة قطعة. موضّحة أن الوجود الروسي في ليبيا، والذي كان ملموسا بالفعل منذ عام 2019 على شكل وحدات شبه عسكرية (فاغنر سابقا)، شهد تسارعا مفاجئا منذ بداية العام، لم يفلت من الغربيين العاجزين.
فقد خلصت مذكرة نشرتها منظمة All Eyes on Wagner، الجمعة الماضي، إلى أن “روسيا تقوم بنقل جنود ومقاتلين روس إلى ليبيا منذ ثلاثة أشهر”. وتؤكد هذه المجموعة الدولية التي تحقق في الشبكات الروسية بأفريقيا التأكيد أن تسليم المعدات والمركبات العسكرية من سوريا إلى ليبيا يشكل الجانب الأكثر وضوحا لهذا التدخل المتزايد، متحدِّثةً عن رقم 1800 روسي منتشرين الآن في جميع أنحاء البلاد. وأشارت إلى أن سفينتين تابعتين للبحرية الروسية غادرتا قاعدة طرطوس البحرية السورية، ووصلتا إلى ميناء طبرق الليبي في 8 أبريل الماضي.
وبالصور الداعمة، يؤكد فريق المحققين أنه تم تفريغ مركبات وأسلحة، مثل مدافع الهاون “2S12 ساني” أو مركبات النقل المدرعة BTR وBMB. وهو “التسليم الخامس” من هذا النوع إلى طبرق خلال 45 يوما. وتؤكد مصادر دبلوماسية غربية اتصلت بها صحيفة ”لوموند” هذا الصعود للقوة الروسية في هذه الدولة المحورية بشمال أفريقيا، ملتقى المشرق والمغرب العربي.
ويقول دبلوماسي من إحدى الدول الأوروبية للصحيفة الفرنسية: “الزيادة تتعلق بالمعدات أكثر من الرجال. هذه التحركات الأخيرة في ليبيا هي جزء من اختراق روسي عالمي يهدف إلى تثبيت حكومات موالية لموسكو في جميع أنحاء شرق وغرب أفريقيا. بقيت فقط تشاد لتقسيم أفريقيا إلى قسمين”. وتعد تشاد هي الأخرى موضع رغبة شديدة من جانب روسيا، كما تُشير “لوموند”.
منصة إرسال
اعتبرت “لوموند” أنه إذا كانت ليبيا حاسمة في هذا الهجوم الأفريقي لروسيا، فذلك لأنها تعمل كمنصة لإرسال المعدات والرجال نحو الدول المجاورة كالسودان والنيجر ومالي وبوركينا فاسو. وهي دول تقودها مجالس عسكرية مقربة من الكرملين، وربما تشاد أيضا. وتقع الجفرة، وهي منطقة ليبية على بعد 350 كيلومتراً جنوبي خليج سرت، في صلب هذه الاستراتيجية لهذا النظام الجديد، حيث تصل المعدات والرجال من طبرق قبل إعادة توجيههم إلى المسارح الإقليمية التي تطمع فيها موسكو.
وتنقل “لوموند” عن جلال حرشاوي، الباحث المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن، قوله إن المعطى الكبير الجديد هو أن “الدولة الروسية لم تعد خائفة من إظهار تورطها المباشر في ليبيا”، خلافاً لما كان عليه الحال عندما دخلت ميليشيات فاغنر الروسية ليبيا في عام 2019 لدعم قوات المشير خليفة حفتر في برقة، خلال هجومه الفاشل على طرابلس. وقتها، كانت موسكو في حالة إنكار رسمي لهذا الدعم. أما اليوم، فانتهى ذلك العصر، حيث قام نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك إيفكوروف بأربع زيارات إلى بنغازي، القاعدة السياسية والعسكرية لخليفة حفتر، منذ شهر أغسطس عام 2023. وقام حفتر، الذي أسس سلطة في برقة موازية للحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، بزيارة إلى موسكو في نهاية شهر سبتمبر الماضي ، حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
منذ ذلك الحين، أصبح الوجود الروسي أكثر وضوحا، حيث استحوذت وزارة الدفاع في موسكو على الفرع الأفريقي لمجموعة فاغنر السابقة للمرتزقة، التي تم قطع رأسها بعد اختفاء زعيمها يفغيني بريغوجين في شهر أغسطس 2023.
التحدي السياسي
تابعت “لوموند” القول إنه في مواجهة هذا التقدم الروسي في ليبيا، دقّ ناقوس الخطر في المستشاريات الغربية التي تسعى عبثاً للرد. فبالإضافة إلى خطر انتشار نفوذ موسكو إلى الأطراف الإقليمية، تواجه الولايات المتحدة وأوروبا تحديين:
الأول هو رؤية الوجود العسكري الروسي يتجذر في شكل قاعدة بحرية في طبرق أو سرت، الأمر الذي من شأنه أن يشكل تهديداً مباشراً لقوات الناتو في البحر الأبيض المتوسط. وستمثل سرت كابوسًا للغربيين، حيث إن المدينة التي تقع عند تقاطع برقة (شرقا) وطرابلس (غربا)، لا تبعد سوى 600 كيلومتر عن ساحل صقلية.
كما أن مشروع القاعدة الروسية في سرت هو تصميم قديم فشلت موسكو في فرضه على معمر القذافي في الأعوام 2009-2010. وأشار باحثو منظمة All Eyes on Wagner إلى أن المدينة أصبحت اليوم تحت سيطرة حفتر، الذي تنشط تحت مظلته القوات شبه العسكرية الروسية محليا إلى جانب قواته. فخلال مناورة جرت في 16 مارس/ الماضي، تم عرض أنظمة “بانتسير” الروسية المضادة للطائرات في قاعدة القرضابية الجوية على مشارف سرت.
أما التحدي الثاني كما توضح “لوموند” فهو سياسي أكثر، لأنه إلى جانب نفوذها العسكري في برقة (طبرق وسرت) وجنوب فزان، تشارك موسكو في نشاط دبلوماسي شامل، بما في ذلك في طرابلس -المدينة التي من المفترض أن تكون تحت وصاية تركيا- حيث أُعيد فتح سفارتها في نهاية شهر فبراير الماضي. ويكثف السفير الجديد حيدر أغانين، الذي يتقن اللغة العربية، من لقاءاته مع السياسيين الليبيين من جميع المشارب.
وتختتم “لوموند” مقالها بالقول إنه من خلال الجمع بين الأصول العسكرية ورأس المال الدبلوماسي، تعمل روسيا على حشد الموارد للمستقبل. وتنقل الصحيفة مرة أخرى عن الباحث جلال حرشاوي ترجيحه أن “تفرض نفسها كوسيط ومحاور مميّز للفصائل الليبية”. والأسوأ من ذلك، مع عبور تدفقات الهجرة من السودان والنيجر إلى المناطق التي يسيطر عليها المارشال حفتر، وبالتالي تسيطر عليها بحكم الأمر الواقع القوات شبه العسكرية الروسية، فإن موسكو ستعزز في نهاية المطاف موقفها في مواجهة الاتحاد الأوروبي.