مدينة رفح الجديدة على حدود غزة.. بين مخاوف تهجير الفلسطينيين وأحلام عودة النازحين من شمال سيناء
عربي تريند
من المنتظر أن يتم طرح مدينة رفح الجديدة على حدود قطاع غزة، أمام المواطنين المصريين خلال احتفالات محافظة شمال سيناء بعيدها القومي في الخامس والعشرين من أبريل/ نيسان الجاري، بحسب ما أعلنه محافظ شمال سيناء اللواء عبد الفضيل شوشة.
ويأتي طرح الوحدات السكنية للمواطنين رغم انتهاء البناء في المرحلة الأولى من المدينة الجديدة التي تبعد مسافة كيلومترين عن الحدود مع قطاع غزة قبل عامين.
وأثار عدم تسليم المدينة للمواطنين، خاصة في ظل مطالبة المهجرين من مدن وقرى محافظة شمال سيناء العودة لأماكنهم، جدلا ومخاوف من أن تكون الخطة تجهيز المدينة لاستقبال الفلسطينيين في حال إجبارهم على الخروج من قطاع غزة.
حاتم البلك، القيادي في حزب الكرامة بمحافظة شمال سيناء، قال إن مدينة رفح الجديدة تقع على أطراف مدينة رفح التاريخية التي تعد أول مدينة مصرية من جهة الشرق.
وأضاف لـ”القدس العربي”، إنه تم بناء مدينة رفح على أحدث طراز ومواصفات عصرية، لكنها خاوية على عروشها رغم الانتهاء من بنائها وتشييدها منذ نحو عامين تقريبا.
ولفت البلك إلى اللغط الذي أثير حول المدينة، قائلا: “هناك مخاوف يرددها البعض من أن يكون الهدف من المدينة استقبال أهالي قطاع غزة”، لكنه أكد أن أهالي سيناء ومشايخ القبائل يرفضون إقامة الفلسطينين وتهجيرهم إلى سيناء، وكذلك حتى الفلسطينين أنفسهم يرفضون ترك وطنهم غزة والإقامة في سيناء.
وتزامن إعلان محافظ شمال سيناء، اقتراب طرح الوحدات السكنية للمواطنين، مع قرار المحكمة العسكرية في الإسماعيلية تجديد حبس 22 من أبناء سيناء، على ذمة القضية العسكرية رقم 80 لسنة 2023.
ونقلت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان عن مصادر قولها، إن المحكمة العسكرية بالإسماعيلية قررت الأربعاء، تجديد حبس 22 من أبناء سيناء، لمدة 10 أيام على ذمة القضية العسكرية رقم 80 لسنة 2023، على خلفية تظاهرات “حق العودة” التي طالب فيها آلاف السكان المحليين بالعودة لمدن رفح والشيخ زويد عقب سنوات من التهجير القسري.
في 23 أكتوبر/ تشرين الأول، تجمع المئات من سكان محافظة شمال سيناء من أبناء قبيلتي الرميلات والسواركة، بالقرب من قرى الحسينات والمهدية قرب مدينة رفح، وقرية الزوارعة جنوبي مدينة الشيخ زويد، للمطالبة مرة أخرى بحقهم في العودة لأراضيهم، بعد انتهاء المهلة التي حددتها السلطات المصرية، وحنثها بوعودها بعودتهم في موعد أقصاه 20 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وذلك خلال اجتماع جمع بين شيوخ القبائل وقائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع في مدينة العريش، على خلفية اعتصام للمهجرين والنازحين وقتها.
وبحسب بيان لمنظمات حقوقية، فقد استخدمت قوات الجيش العنف غير المبرر بحق المحتجين، وتعمدت إطلاق الرصاص لتفريقهم، واعتقلت تسعة منهم على الأقل. وفي اليوم التالي، تم اعتقال العشرات من المشاركين في الوقفات الاحتجاجية من قبل قوات كمين “الشلاق”، على مدخل مدينة الشيخ زويد.
وكانت منظمات حقوقية، قالت إنه بدعوى مكافحة الإرهاب، ارتكبت قوات الجيش المصري خلال العقد الماضي جرائم جسيمة بحق السكان المدنيين في شمال سيناء في انتهاك واضح للقانون الدولي لحقوق الإنسان؛ بما في ذلك هدم آلاف المنازل والمباني وتجريف عشرات آلاف من الأفدنة الزراعية، في مدن رفح والشيخ زويد والعريش.
وبحسب المنظمات الحقوقية، أدت هذه العمليات العسكرية إلى نزوح ما يقرب من 150 ألف سيناوي إلى مدن مختلفة داخل سيناء أو لمحافظات أخرى، فضلاً عن هدم مدينة رفح بالكامل، باعتبارها نقطة البداية لحملات الهدم والتهجير القسري المستمرة منذ نهاية عام 2013.
وقد كان الاتفاق بين المخابرات الحربية وأبناء المناطق والقرى المهجرة في عام 2021، يضمن السماح لهم بالعودة للقرى التي نزحوا عنها في مدينتي الشيخ زويد ورفح، خارج المنطقة العازلة مع قطاع غزة، إذا عاونوا قوات الجيش في مواجهة عناصر تنظيم ولاية سيناء الجهادي، وتطهير المنطقة من الإرهابيين؛ الأمر الذي أودى بحياة العشرات من أبناء القبائل وإصابة العديد منهم.
ورغم رضوخ الأهالي لخطة التهجير “المؤقتة”، ما زالت السلطات المصرية تتجاهل مطالبهم المشروعة بالعودة لأراضيهم، رغم وعود المسؤولين المتكررة بالعودة. فعلى سبيل المثال، أعلن محافظ شمال سيناء في يناير/ كانون الثاني 2022 في مقابلة تلفزيونية، أن سكان قرى الشيخ زويد سيتمكنون من العودة إلى منازلهم خلال ثلاثة أشهر، وأن مدينة رفح الجديدة جار تأسيسها، وأن الوضع سيعود للاستقرار بشكل تام خلال عام واحد، لكن حتى الآن لم تدخل هذه الوعود حيز التنفيذ.
في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، أصدر رئيس الوزراء المصري آنذاك ابراهيم محلب، مرسوما يقضي بإخلاء وعزل منطقة تمتد قرابة 5 كيلومترات داخل شمال سيناء على طول الحدود مع غزة، تشمل معظم مدينة رفح.
وبحسب الخريطة المرفقة بالمرسوم، تم تحديد المنطقة العازلة على أن تمتد بطول الحدود (13 كيلومترا) مع غزة، وتضم نحو 79 كيلومترا مربعا من الأراضي المصرية.
كما ورد بالمرسوم أن يحصل المواطنون المضطرون للإخلاء على “التعويض العادل” وعلى مساكن بديلة. إلا أن قيمة التعويضات ظلت محل اعتراض من الأهالي والمنظمات الحقوقية لعدم تناسبها مع قيمة الضرر، فضلاً عن عدم حصول آلاف الأسر المهجرة عليها، رغم مرور سنوات على تطبيق المرسوم.
وأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، القرار رقم 444، الذي خصص خمسة كيلومترات من الأرض داخل مدينة رفح كمنطقة حدودية “محظورة”، على طول الحدود مع قطاع غزة، بدعوى مواجهة تهديد أنفاق التهريب. ومن ثم، تم هدم آلاف المنازل في منطقة مأهولة، لتخصيص منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة، ودمرت أحياء بأكملها ومئات الأفدنة الزراعية.
وفي 23 سبتمبر/ أيلول 2021، أصدر السيسي القرار رقم 420، الذي نص على تحديد قرابة ثلاثة ألف كيلو متر مربع من الأراضي في شمال شرق شبه جزيرة سيناء، كمناطق حدودية تخضع لقيود صارمة.
وشمل القرار الكثير من القرى والتجمعات السكنية ومدناً رئيسية لا زالت تضم آلاف السكان، ضمن المناطق المحظورة.
ووفقاً لتقديرات نشرتها مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، فإن نحو 40 ألف مواطن في شمال سيناء، يسكنون حاليا في المناطق التي تم اعتبارها “محظورة”، مما يضعهم في دائرة التهديد المستمر بشبح التهجير القسري، ناهيك عن عشرات آلاف من المدنيين النازحين من هذه المناطق، الذين كانوا يتطلعون لانتهاء العمليات العسكرية للعودة إلى أراضيهم. وفي العام نفسه، أصدر رئيس الجمهورية القرار الرئاسي رقم 442 لسنة 2021 ليحول “الاستثناء” إلى “حالة دائمة” في شبه جزيرة سيناء؛ إذ نص القرار على منح صلاحيات واسعة غير مسبوقة لوزير الدفاع، تقوض عمليا كافة الحقوق الأساسية للمدنيين.
ومن بين هذه الصلاحيات، إخلاء بعض المناطق، وحظر الإقامة أو الاقتراب أو التردد على مناطق معينة، وفرض حظر التجوال.
وكان اللواء دكتور محمد عبد الفضيل شوشة، محافظ شمال سيناء، تفقّد مدينة رفح الجديدة أمس الأربعاء، وقال إن مدينة رفح الجديدة، تم إنشاؤها لتوفير السكن الملائم لأهالي رفح بعد الفترة العصيبة التي مروا بها ورغبة الدولة في إعادة الحياة الطبيعية على أرض سيناء.
وأضاف المحافظ أنه تم إنشاء مدينة رفح على 3 مراحل، إذ تم الانتهاء من المرحلة الأولى بعدد 272 عمارة سكنية، بالإضافة الي منطقة خدمات رئيسية تشمل كافة المرافق الخدمية، وهي مسجدان ومدرستان للتعليم الأساسي، وحضانة ومحال تجارية ومخبز ومكتب بريد وسنترال ونقطة شرطة ومطافئ.
ولفت المحافظ إلي أنه يجري استكمال الأعمال الإنشائية للمرحلتين الثانية والثالثة بعدد 578 عمارة بالإضافة إلى مبنى المجمع الخدمي الحكومي.
من جانبه، أكد اللواء هشام الخولي نائب المحافظ، أنه سيتم طرح المرحلة الأولى من مدينة رفح الجديدة في 25 أبريل/ نيسان الجاري بالتزامن مع العيد القومي للمحافظة ولمدة شهر، إذ سيتم الطرح للمرحلة الأولى، بعدد 41 عمارة سكنية بإجمالي عدد 656 وحدة سكنية.