محللون إسرائيليون: المواجهة مع إيران لم تمض بعد.. خسائر جسيمة وفرصة إستراتيجية
يرى قائد الاستخبارات العسكرية السابق، مدير معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، الجنرال في الاحتياط تامير هايمان أن المواجهة بين إسرائيل وإيران لم تنته بعد، واستمراريتها مرتبطة بالقرار الإسرائيلي.
في مقال نشره موقع القناة 12 العبرية، قال هايمان إن “الهجوم الإيراني، الذي نُفّذ ليلة السبت/ الأحد، ليس نهاية الحدث، والتساؤل بشأن الاتجاه الذي نسير إليه من هذه النقطة يعتمد أيضاً على القرارات التي ستتخذها إسرائيل، بَيْدَ أن تحليل أحداث الهجوم يفيض بعدة رؤى؛ بعضها إيجابي، وبعضها أكثر إشكالية، وخصوصاً على المستوى الإستراتيجي”.
تسفي بار إيل: لا يمكن أن تكون هناك عملية غير ضرورية وخطِرة ومهددة أكثر من انتقام أعمى تنوي الحكومة الإسرائيلية القيام به ضد إيران
ويضيف هايمان في قراءته: “بدايةً، إن التواضع مطلوب، لكن ما حدث، إسرائيلياً، هو عملية ناجحة لسلاح الجو، الذي عمل في سماء أربع دول متعددة، وتمكّن من اعتراض نحو 200 مسيّرة وصاروخ كروز، كما عملت أنظمة الاستخبارات والدفاعات الجوية ضِمْنَ تنسيق تام، وتمكّنت من اعتراض الأغلبية العظمى من الصواريخ البالستية الكثيرة التي أُطلقت نحو إسرائيل. لكن، ومع ذلك، فإن هذا النجاح العسكري الكبير يصطدم بتعقيد إستراتيجي وإنجازات إيرانية”.
وفي ما يلي الرؤى الأساسية الإستراتيجية، وبعضها إيجابي، وبعضها الآخر سلبي، كما يراها هايمان: “لم تنجح أيّ من إسرائيل أو الولايات المتحدة في ردع إيران عن تنفيذها الهجوم، وذلك على الرغم من التحذيرات العلنية الصادرة عن البلدَين، وعلى رأسها التحذير الذي أطلقه بايدن عشية الهجوم. نجحت إيران في صنْع سابقة تاريخية، عبر إطلاق صواريخ مكثفة من أراضيها السيادية نحو دولة إسرائيل بصورة مباشرة، وهذا حدثٌ لم نشهد مثله منذ حرب الخليج الأولى، حين قامت دولة سيادية بمهاجمتنا. وكان الهجوم مكثفاً، واشتمل على محاولة إنشاء معادلة جديدة لأيّ نشاط إسرائيلي مستقبلي يماثل عملية الاغتيال المنسوبة إلى إسرائيل في دمشق تجاه ضباط كبار في الحرس الثوري. ولا يمكن لإسرائيل أن تقبل بمعادلة كهذه”.
تحالف دولي
كذلك ينبّه هايمان إلى أن إسرائيل عملت، في تلك الليلة، للمرة الأولى، بصفتها جزءاً من تحالُف دولي، وهذا الأمر تاريخي ومهم، لكن من شأنه أيضاً أن يفرض قيوداً على حرّية إسرائيل في العمل.
وبرأيه فقد ثبت أن إسرائيل لا تعمل وحدها في فراغ هذا العالم الذي بدأ في التبلور بصورة عامة، وفي الشرق الأوسط بصورة خاصة، منوهاً أن هذه الدول التي ساعدت إسرائيل في اعتراض الصواريخ والطائرات الإيرانية، عبْر الكشف والإنذار، يُتوقع منها تنسيق والتزام بمصالحها ومخاوفها قبل أيّ قرار يتعلق بالرد على إيران.
ويضيف: “العرض الهادف إلى قوة التحالف الإقليمي: لقد شاهدت جميع الدول الموقعة على اتفاقية أبراهام، وإلى جانبها السعودية أيضاً، ما حدث في تلك الليلة، كما ساهم بعضُها أيضاً في جهود الاعتراض. وبمفاهيم معينة، قامت إسرائيل بترميم بعض الأضرار التي أصابت صورتها نتيجة الإخفاق الفادح الذي سبّبته لها أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، لكن ترميم الصورة هذا حَدَثَ أمام أنظار حلفائها الإقليميين، والقوى العظمى على غرار الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وليس في نظر إيران”.
إلى أين نتجه إذاً؟
رداً على سؤاله هذا يقول هايمان إن الرد الإسرائيلي آتٍ، لكن توقيته لا يجب أن يكون فورياً، ولا ينبغي لنا أن نكون واضحين في هذا الشأن.
وعن السلوك الإسرائيلي المفضّل، حسب هايمان: “دعونا نترك الجانب الآخر يعاني جرّاء الشك، فنجاحنا الجاري يتيح لنا مستويات من الحرّية والمرونة في الحسم. إن الوقت في مصلحتنا، وفي إمكاننا التفكير والتخطيط والعمل بصورة ذكية. هناك فرصة نادرة لنمارس تحرُكاً سياسياً يُضعف إيران بصورة كبرى، وإلى جانبها الحلف المعادي. علينا منذ الآن أن ننظر إلى الصورة الشاملة؛ إسرائيل تعيش منذ تلك الليلة مرحلة جديدة في الحرب، ويمكن لقرارات شجاعة وصعبة أن تحوّل التحالف الذي عمل عشية الهجوم إلى تحالف قوي وصامد في وجه إيران ومحور المقاومة.
هايمان، الذي يدعو، منذ أسابيع، لوقف الحرب على غزة، والانخراط في صفقة سياسية كبرى تقودها الولايات المتحدة، يخلص للقول: “لقد رأينا، في تلك الليلة، مثالاً حياً للحالة المرغوب فيها، والممكنة لإنهاء الحرب؛ وهو انتظام إقليمي جديد تقوده الولايات المتحدة. لقد أوضح بايدن بالأفعال، مجدداً، أنه لن يترك إسرائيل وحدها، لكن يبدو في المقابل أنه يسعى، عبْر احتضانه هذا، إلى فرْض القيود على ردّنا الممكن، وتحويل الأزمة القائمة في الشرق الأوسط إلى مبادرة سياسية كبرى. وهذه المبادرة هي مصلحة إسرائيلية، ومن شأنها أن تساعدنا في تحقيق أهداف الحرب”.
ميليشتاين: إحباط الهجوم الإيراني إنجازٌ عسكري مبهر من دون أي جدل، لكن النقاش الإسرائيلي بشأن تداعيات الحادثة يعكس خروجاً عن التوازن
رد انتقامي
يشار إلى أن عدداً من المراقبين والمسؤولين الإسرائيليين العسكريين والسياسين السابقين يدعون هم أيضاً لرد إستراتيجي بدلاً من الرد التكتيكي، منهم محرر الشؤون الشرق أوسطية في صحيفة “هآرتس” تسفي بار إيل، الذي قال محذّراً، أمس، إنه لا يمكن أن تكون هناك عملية غير ضرورية، وخطِرة ومهددة أكثر من انتقام أعمى تنوي الحكومة القيام به ضد إيران.
ويرى بار إيل في مقاله أنه من المهم التذكير بأن إسرائيل هي من بدأ سلسلة الانفجارات، عندما اغتالت الجنرال رضى زاهدي، قائد “فيلق القدس” في سوريا ولبنان، وأن الأهم هو الاعتراف بحقيقة أن هذا الاغتيال، مهما يكن مهمّاً، فإنه لم يكن ليخرج إلى الحيز التنفيذي لولا أنه لم يستند إلى الرؤية الاستعلائية بأن إيران هي “دولة تضبط نفسها”، فها هي قد تجاهلت قتل العلماء النوويين الخاصين بها؛ كمحسن فخري زادة، رئيس البرنامج النووي، ورئيس الاستخبارات التابع لـ “الحرس الثوري” في سوريا، والمسؤول عن العلاقات بين إيران و”حزب الله”، في كانون الثاني/ يناير، وعشرات العلماء والمسؤولين الإيرانيين على مدار سنوات طويلة.
ضرر إستراتيجي
وفي التزامن، يرى الجنرال في الاحتياط المحاضر المختص بشؤون الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب ميخائيل ميليشتاين أن إحباط الهجوم الإيراني إنجازٌ عسكري مبهر من دون أي جدل، لكن النقاش الإسرائيلي بشأن تداعيات الحادثة يعكس خروجاً عن التوازن، بالإضافة إلى عدم وجود إستراتيجيا متماسكة، فضلاً عن محدودية في تفكيك رموز منطق اللاعبين في المنطقة، وهذه مشكلة جوهرية تمثّلت في إخفاق السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
ويخلص ميليشتاين، في مقال نشرته “يديعوت أحرونوت”، للقول إن النقاش الإسرائيلي يتحرك بين قطبَين: الشرخ الذي خلّفه 7 تشرين الأول/أكتوبر، المترافق مع الحائط المسدود المعيق في ما يتعلق بالحرب في غزة، وصفقة المخطوفين، وحرب الاستنزاف في الشمال. وبعد التراجُع في مكانة إسرائيل الدولية، انتقلت إسرائيل مؤخراً إلى حال من النشوة في إطارها رأى البعض أن إحباط الهجوم الإيراني هو بمثابة ضربة قاتلة لإيران وبداية نظام إقليمي جديد”.
ويرى أنه، علاوة على ذلك، من الضروري أن نفهم أن المواجهة اندلعت بعد أن فشلت إسرائيل مرة أُخرى في قراءة نيّات “الآخر” (تحليل تداعيات اغتيال المسؤول الرفيع المستوى في الحرس الثوري في دمشق)، وهذه المشكلة تبرز الآن عبْر الاعتقاد الإسرائيلي أن طهران تعيش شعوراً بالفشل (بينما الوضع هو العكس)، وأن الدول العربية السنية متحمسة لتشكيل ائتلاف ضد طهران، وكل هذا في الوقت الذي ما زالت المواجهة فيه في غزة مستمرة.
ميليشتاين: بعد التراجُع في مكانة إسرائيل الدولية، انتقلت إسرائيل مؤخراً إلى حال من النشوة
كما يرى ميليشتاين أن هناك حاجة إلى معالجة الفجوة الناشئة في إسرائيل، والمتعلقة بالموضوعات المطروحة على البحث. إن التفوق التكنولوجي، كما ثبت، يسمح بتحقيق إنجازات عسكرية، لكنه لا يساعد في تفكيك أسرار تفكير “الآخر”، ولا يمكن ترجمته إلى ربح إستراتيجي، ويمكن أن يتسبّب بضرر كبير.
موقف الإسرائيليين
في هذا السياق أظهر استطلاعٌ للرأي العام، أجراه فريق من الباحثين في الجامعة العبرية في القدس، أن أغلبية الإسرائيليين يعارضون القيام بشنّ هجوم على إيران رداً على الهجوم الإيراني.
ووفقاً للاستطلاع، فقد قال 74% من الإسرائيليين أنهم يعارضون هجوماً إسرائيلياً على إيران، إذ إنه سيتسبّب بتقويض الحِلف الأمني مع الدول الحليفة لإسرائيل، والتي شاركت في اعتراض الصواريخ البالستية والمسيّرات الإيرانية التي أطلقتها طهران في اتجاه إسرائيل. ورأى 52% منهم أنه من غير المُجدي الرد على الهجوم الإيراني بهدف إنهاء الجولة القتالية الحالية، بينما أكد 48% منهم أن على إسرائيل أن ترد، حتى ولو بثمن إطالة الجولة القتالية الحالية بين الجانبين.