تساؤلات وانتقادات في إسرائيل حيال سحب آخر القوات البرية من خان يونس
عربي تريند
ضمن قراءتهم للقرار الإسرائيلي المفاجئ بسحب آخر قوات الاحتلال من خان يونس وجنوب القطاع، تزامناً مع عملية نوعية للمقاومة، ومع مرور نصف عام على الحرب، يعتبر عددٌ من المراقبين الإسرائيليين هذا القرار تعبيراً جديداً عن الفشل الذريع الذي تتحمّله الحكومة مشدّدين على ضرورة إخراج صفقة تبادل لحيز التنفيذ فوراً.
جاء هذا الانسحاب متزامناً مع عملية نوعية للمقاومة في خان يونس، ومع تصريحات لقائد جيش الاحتلال هرتسي هليفي اعتبر فيها انسحاب الفرقة 98 من جنوب القطاع أمراً عسكرياً، ونفى أنه نتيجة ضغط أمريكي، وقال إن الجيش لم ينسحب من القطاع.
محلل إسرائيلي: من الصعب أن نفكر في جيش ينهض خلال أيام من أحد أكبر الإخفاقات الكبيرة في تاريخنا وتاريخ الشعوب
وتابع: “هذه حرب طويلة.. ونحن نقوم بتغيير طرقنا العسكرية، وستأتي خطوات كثيرة نحو الانتصار”.
ونقلت الإذاعة العبرية العامة عن مصادرها ترجيحها بأن سحب الفرقة 98 يندرج ضمن الرغبة بإنعاش القوات ومنحها فرصة للراحة والاستعداد لاجتياح رفح، وأن الانسحاب قرار عسكري، وليس تغييراً في الإستراتيجية”.
لكن الإذاعة العبرية نقلت أيضاً عن هذه المصادر، صباح اليوم، انتقادها عدم اجتياح رفح حتى الآن، متسائلة لماذا تم رفع سقف التوقعات من الحرب، خاصة عند نتنياهو الذي عاد وقال “إننا بعيدون خطوة واحدة من الانتصار، لكننا نحتاج لصبر ومناعة”.
وتضيف: “كانت هناك توقعات من القتال في خان يونس باستعادة مخطوفين والقبض على السنوار، والجيش فشل بذلك رغم استخدام قوات واسعة وقوات خاصة مكثت هناك أربعة شهور، وهذه مدة طويلة جداً”.
لبيد من واشنطن
واعتبرت وزيرة البيئة في حكومة الاحتلال عيديت سيلمان (الليكود)، في حديث للإذاعة العبرية اليوم، أنه من الواضح أن عمليةً في رفح هي مسألة وقت، وقالت إنه من المحظور أن نكذب على أنفسنا بالاعتقاد بأنه يمكن وقف الحرب في منتصفها، وقادة “حماس” ما زالوا على قيد الحياة.
وتبعتها الوزيرة المستقيلة شاشا بيطون (من حزب “تكفاه حداشاه” برئاسة الوزير المستقبل غدعون ساعر)، بقولها إن سحب القوات من خان يونس، بدلاً من زيادة الضغط العسكري، خطأ كبير، بل عكس ما هو مطلوب منا الآن. وتساءلت؛ كيف يمكن أن تسحب القوات وترفع قدمك عن دواسة البنزين، وتزيد من المعونات الإنسانية، تزامناً مع بدء مفاوضات الصفقة في القاهرة؟
من جانبه، قال رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، من واشنطن، حيث سيلتقي اليوم بلينكن وساليفان، إن هناك صفقة مطروحة يمكن تحقيقها وينبغي إحرازها، حتى وإن كانت موجعة.
يشار إلى أن لبيد يواظب، في الأسابيع الأخيرة، على المشاركة في الاحتجاجات التي تنظمها عائلات المحتجزين، وتشهد تصاعداً واضحاً بالكمّ والكيفية، بعد ستة شهور من الحرب على غزة.
بقاء “حماس”
ويشير الباحث في الدراسات الفلسطينية، المحاضر في جامعة تل أبيب، الجنرال في الاحتياط (الاستخبارات العسكرية) ميخائيل ميليشتاين إلى أن الجانب الفلسطيني يبدي اهتماماً بسحب القوات الإسرائيلية، لكن الترقّب والرضا مشوبان بالحذر. ويتساءل عمّا إذا كان ذلك جزءاً من مناورة واستعداداً لاجتياح لاحق لرفح.
تتساءل الإذاعة العبرية لماذا تم رفع سقف التوقعات من الحرب، خاصة عند نتنياهو الذي قال “إننا بعيدون خطوة واحدة من الانتصار”
ورداً على سؤال الإذاعة الإسرائيلية؛ هل يتضرر الردع الإسرائيلي رغم مشاهد الدمار والقتل داخل القطاع، قال: “في هذه المرحلة نعم، لكن هذا منوطٌ بالنتيجة النهائية للحرب”.
بعد تطرّقه لدور الضغوط الخارجية والداخلية خلف زيادة توسيع صلاحية الوفد الإسرائيلي المفاوض، يشير ميليشتاين لبيان “حماس” أمس، ويقول إنه لا يذكر وقف الحرب بالكامل كشرط لصفقة، بل يتركز بعودة الغزيين لديارهم في شمال القطاع، علاوةً على التذكير بالأسرى، الذين باتوا في مرتبة غير متقدمة في سلّم الأولويات.
ويمضي في قراءته: “حماس تليّن موقفها في موضوع وقف فوري للحرب، ولكنها تريد عودة الغزيين لبيوتهم في المقابل، والإفراج عن أسرى.. وإسرائيل قريبة من صفقة. بالنسبة للسنوار مركب البقاء في الصفقة أمر جوهري، فحماس تريد وقف الحرب، ليس فقط لحماية الغزيين، بل من أجل البقاء، وربما إسرائيل تقبل بذلك فعلياً دون الحديث عن ذلك، والسنوار من جهته يرى أنه يربح هذه النقطة الخاصة بالبقاء، ولكن ليس كما كان يريد بالضبط، وبالنسبة لرفح أرجح أن تتم هذه العملية مستقبلاً”.
خطوة في الاتجاه الصحيح
وتحت عنوان “خطوة في الاتجاه الصحيح” يتحدث المعلق السياسي الإسرائيلي البارز ناحوم بارنياع، في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت” اليوم الإثنين، بتهكم وسخرية، فيقول إن “السنوار، منذ شهور، لم يتردّد، ولم يرتجف له جفن، بينما نتنياهو كان يسير خطوة للأمام، وخطوة للوراء، في انتظار عجيبةٍ تعفيه من الحسم”.
ويمضي بارنياع متهكّماً بلغة سوداوية: “قبل يومين، قال نتنياهو إننا بعيدون خطوة عن الانتصار، لكن ويل لهذه الخطوة، ويل لهذا الانتصار، علينا الاعتراف بالواقع الصعب، فهذا نوع من الانتصار”.
بارنياع، الذي لم يتزحزح عن موقفه منذ السابع من أكتوبر، مؤكداً، في مقالاته المتتالية، أن الحرب على غزة تخلو من إمكانية انتصار، يخلص في مقاله اليوم للقول: “خروج الجيش من خان يونس هو خطوة في الاتجاه الصحيح”.
الحكومة تخسر الحرب
ويشاركه هذه الرؤية، التي تنسف الرواية الإسرائيلية الرسمية، معلق الشؤون السياسية في القناة 12 العبرية نداف أيال بقوله، في مقال تنشره “يديعوزت أحرونوت” اليوم، إن الفشل لا يكمن في عرض أهداف الحرب، بل في الأداء، وليس فقط في أداء المقاتلين. مؤكداً أن الفشل لا يكمن في المجتمع الإسرائيلي، بل يكمن في السياسة الفاشلة”.
ويضيف: “لا ينتصرون في الحرب بالقتل والتدمير فحسب، بل هناك حاجة لعمل سياسي مكمل.. وفي هذا المجال فشلت إسرائيل بسبب حكومتها برئاسة نتنياهو”.
ماذا بعد
ويتساءل محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، في مقال بعنوان: “إلى أين نسير من هنا”، مشدداً هو الآخر على أن عمليات القتل والتدمير الواسعة داخل القطاع لم تقرب الحرب من تحقيق أهدافها.
ويمضي في تقديراته النقدية: “تم إلحاق الأذى بحماس وقدراتها العسكرية وتفكيك بناها المدنية، لكن بقينا بدون حسم قريب”.
ويرى هارئيل أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة اليوم بعد هذه الانسحاب: تصعيد إضافي مع “حزب الله” وإيران، تقدم مفاجئ نحو صفقة، أو عملية عسكرية جديدة في القطاع والاتجاه الأساس نحو رفح.
وهارئيل ليس واثقاً من حتمية اجتياح رفح، رغم ترجيحه أن إسرائيل لا تتعامل بجدية كافية مع تغيّر موقف دول الغرب من اجتياح رفح، لافتاً إلى أن الرئيس بايدن لا يتردد في إعلان معارضته لاجتياح رفح”.
يشار إلى أنه في ظل تقارير متضاربة في العالم حول تقدم المفاوضات في القاهرة نحو صفقة جديدة، وتحفّظ “حماس” من التصريحات المتفائلة، قالت مصادر إسرائيلية رفيعة مجهولة الهوية لإذاعة جيش الاحتلال، اليوم، إن كلّ الأطراف تبدي حساسية في جولة المفاوضات الحالية، مرجحة أن الصفقة تتقدم نحو تحقيقها هذه المرة، منوهة بأن الوفود المختلفة غادرت وتغادر القاهرة اليوم الإثنين.
وزيرة إسرائيلية مستقيلة: كيف يمكن أن تسحب القوات وترفع قدمك عن دواسة البنزين، وتزيد من المعونات الإنسانية، تزامناً مع بدء مفاوضات الصفقة في القاهرة؟
أعضاء العصابة في مناصبهم
وكان المعلق السياس البارز في صحيفة “معاريف” بن كاسبيت قد قال، قبيل الكشف عن سحب قوات الاحتلال من خان يونس، إنه بعد نصف سنة من الحرب لا يزال أعضاء العصابة المسؤولة عن أكبر إخفاق في تاريخ إسرائيل في مناصبهم.
وعلى غرار بقية المحللين الإسرائيليين المذكورين، يتابع بن كاسبيت: “خلال نصف السنة الكابوسية التي مرّت علينا، هناك صعود وهبوط، وقد كان هذا وقتاً صعباً، إذا لم نقل بائساً بالنسبة إلى القيادة السياسية والعسكرية، وكانت هذه ساعة عظيمة للأمة وللمقاتلين، ومن الصعب أن نجد أمة تنهض من رماد 7 تشرين الأول/أكتوبر، ومن الهزيمة المهينة، ومن هذه السقطة المؤلمة والدموية غير أمتنا، كما أنه من الصعب أن نفكر في جيش ينهض خلال أيام من أحد أكبر الإخفاقات الكبيرة في تاريخنا وتاريخ الشعوب. ومن حسن حظنا أن لدينا هؤلاء المقاتلين وهؤلاء المواطنين، وكارثتنا تكمن في زعمائنا، وفي جزء من قادتنا.
ويخلص بن كاسبيت للقول والتحذير: “لو كان هناك مسؤول لديه سقف أخلاقي في رئاسة الدولة، لكان، منذ وقت طويل، أعطى ممثلي إسرائيل في المفاوضات صلاحيات واسعة النطاق لإعادة الأسرى، وطلب منهم تحقيق الصفقة، وكان عليه أن يعلم أنه مدين بذلك للمواطنين الذين جرى التخلي عنهم، وهو مدين بذلك للإرث والمبدأ الأساسي الذي قامت عليه دولة اليهود. لكن لا يوجد أحد كهذا. كل ما تبقى لنا أن نتأكد من ذلك، وإلا فإن القاع سيتغلب، وستصبح إسرائيل كلّها صورة طبق الأصل عن حكومتها”.