العالم تريند

من 7 أكتوبر إلى 7 أبريل… 3 فصول جرت فيها رياح غزة بما لا تشتهي سفن إسرائيل

عربي تريند

تبلغ الحرب على غزة، اليوم الأحد، نصف عامها الأول، من السابع أكتوبر إلى السابع في أبريل. ورغم عمليات التدمير والتهجير التي تخلّلتها لم تَجرِ رياحُ غزة بما تشتهيه سفن إسرائيل، التي تشهد في الأيام الأخيرة تغييراً في اتجاه ووتيرة الاحتجاجات والمظاهرات ضد حكومتها ورئيسها بنيامين نتنياهو.

تأتي العملية النوعية في خان يونس وجنوب مدينة غزة، التي تسبّبت بقتل وإصابة عددٍ من الجنود الإسرائيليين، دليلاً إضافياً على ما حذّر ويحذّر منه مراقبون إسرائيليون، ومفاده تورّط قوات الاحتلال في حالة استنزاف.

بذلك يبلغ، حسب الرواية الإسرائيلية الرسمية، تعداد الجنود القتلى منذ شن الحرب على غزة 600 جندي، مقابل 12 ألف مقاتل من “حماس”، وهي رواية تمعن في محاولة تجاهل قتل وإصابة عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين، أو التشكيك بالأرقام.

ميليشتاين: الحرب تحوّلت لمقتطفات من قضايا لا رابط بينها: عمليات ضد “حماس”، مفاوضات حول المخطوفين، متابعة ضائقة الغزيين، رفح، اليوم التالي، ومعركة في الشمال

ويتزامن الكشف عن مقتل جديد لجنود إسرائيليين مع الكشف عن مقتل أحد الجنود الإسرائيليين الأسرى، إلعاد كاتسير، واستعادة رفاته، ومع فضيحة قتل طاقم المطبخ المركزي العالمي، الذي يثير انتقادات واسعة في العالم، كل ذلك يدفع المزيد من الإسرائيليين للاحتجاجات التي امتدت على 30 مجمعاً سكنياً إسرائيلياً ليلة أمس.

هذا اللقاء بين هذه الأحداث، بعد ستة شهور على الحرب المتوحشة على غزة، يفسّر تصاعد الاحتجاجات كمّاً وكيْفاً، وقد عبّرت عن ذلك شقيقة الأسير القتيل كاتسير بقولها “إن دم شقيقها على أيدي نتنياهو ووزرائه”.

وتبعتها زوجة ملّاح الجو الإسرائيلي رون أراد، الذي فُقدت آثاره في لبنان، قبل أربعة عقود ونيف، تامي أراد التي قالت، أمس، للمرة الأولى، إنها كانت تظن أن مأساة زوجها ستكون الأخيرة، لتكتشف أن هناك 133 رون أراد اليوم، ووجهت إصبع الاتهام لنتنياهو بعرقلة صفقة تعيدهم لبيوتهم.

لم يكن لها مثيل
في تحليله المنشور في صحيفته “يديعوت أحرونوت”، يقول المحلل العسكري يوسي يهوشع إن هذه الحرب لم يكن لها مثيل، لافتاً لمكاسب الجيش الإسرائيلي، لجانب إخفاقاته، مؤكداً أن تفويت الفرصة بمهاجمة رفح ومخيمات الوسط أنتج فجوة بين التصريحات والواقع.

لا مثيل لهذه الحرب الإسرائيلية على غزة من عدة نواحٍ: هذه أطول الحروب التي خاضتها إسرائيل منذ 1948، أكثرها وحشية وقتلاً وتدميراً وتهجيراً، أكثرها حظوظاً من ناحية الدعم الأمريكي والغربي، انتقال الدولة اليهودية فيها من صورة الضحية إلى متهمة بإبادة شعب في محكمة العدل الدولية. وفي المقابل، ورغم النار والدمار، لم تحقق إسرائيل الأهداف المعلنة للحرب، التي تعتبرها أوساطٌ إسرائيلية واسعة بأنها عالية وغير واقعية، وتدور حيالها أسئلة وتساؤلات كثيرة، من شأنها كذلك أن تفتح نقاشاً فلسطينياً داخلياً حقيقياً بعيداً عن التحريض حولها عندما تحطّ أوزارها.

أطماع واعتبارات نتنياهو
هذه النتيجة، الفشل في تحقيق الحرب لأهدافها، هي العامل الأساس خلف رفض نتنياهو لإنهاء الحرب، وحتى لصفقة جديدة تشمل هدنة مؤقتة. مثل نتنياهو مثل مقامر الكازينو، فقد خسر الكثير، وفي محاولة للبحث عن التعويض يخسر المزيد، ويغرق أكثر، وفي الطريق يغرِق الغزيين في دمائهم ودموعهم انتقاماً وبحثاً عن انتصار مفقود.

لا يمكن فهم ماهية وحسابات وتعنّت نتنياهو دون العودة للسابع من أكتوبر: هذه الزلزلة المروّعة وقعت في وردية نتنياهو، بل في وردياته فهو في سدة الحكم على التوالي تقريباً منذ 2009، وكان يعتبر نفسه “سيد الأمن” الأول، و”تشرتشل إسرائيل”، طالما فاخر بأن “حماس” مرتدعة، وأن الفلسطينيين مرتدعون، ويمكن اقتناء صمتهم بالدولارات، وإنه يمكن التطبيع وبناء العلاقات مع العرب بدونهم، وبدون تسوية القضية الفلسطينية، إلى أن هَوَت مطرقةُ “طوفان الأقصى” على حكومته وقلبت الطاولة على رأسه. هذه الضربة الموجعة لإسرائيل رافقتها مباغتة لا تقلّ صدمة وترويعاً من مفاجأة السادس من أكتوبر عام 1973، بل تجاوزتها حدةً وإهانةً نَظَرَاً لاختلال ميزان القوى بين إسرائيل المدجّجة بالسلاح مقابل فصائل فلسطينية صغيرة محاصرة، أسلحتها محلية الصنع بالأساس.

نتنياهو مثل مقامر الكازينو، خسر الكثير، وفي محاولة للبحث عن التعويض يخسر المزيد، ويغرق أكثر

الأنا المتضخمة
“الأنا” المتضخمة التي غذّتها مشاعر العظمة والتجربة الطويلة في سدة الحكم دفعته للبحث عن انتقام لا يقلّ عن نكبة ثانية في قطاع غزة، وتدمير “حماس”، أو إسقاط حكمها، طامعاً باستعادة مكانته، شعبيته، هيبته، وهيبة إسرائيل وقوة ردعها المتضررة. سعت إسرائيل بقيادة نتنياهو لتحقيق ذلك بالحديد والنار والقوة المفرطة الوحشية طمعاً بكيّ وعي الفلسطينيين وإخضاعهم وكسر إرادة مقاومتهم، ما يفسر المذابح المرتكبة يومياً بحق المدنيين ممن لم يجدوا ملجأ آمناً داخل المستشفيات، المساجد والكنائس والمؤسسات الدولية. نتنياهو يسعى لتحقيق انتصار، أو صورة انتصار، تحمي له ماء الوجه وتنقذ “الأنا” المتضخمة، ولكن دون جدوى حتى الآن، ولذا يتهرّب من صفقة توقف الحرب مؤقتاً، خوفاً من تحوّل الهدنة لوقف تام للحرب، وهو يخشى أن تستغل واشنطن الهدنة المحتملة لستة أسابيع من أجل إحراز اتفاق مع لبنان و”حزب الله” يشمل ضمانات تحول دون اجتياح رفح وغيرها.

يمعن نتنياهو بالمناورة والمراوغة تهربّاً من صفقة، كما تتهمه أوساطٌ كثيرة في إسرائيل، من بينها رؤساء سابقون لحكوماتها، خوفاً من نشوء وتطور ديناميكية خلال الهدنة تغيّر مجرى الريح ضده. وهكذا أيضاً يخشى من “الصفقة الكبرى” المقترحة من قبل الرئيس بايدن؛ صفقة تتضمن أفقاً سياسياً يقوم على التطبيع ودخول مسار يفضي لدولة فلسطينية، يرفض نتنياهو وائتلافه (وأغلبية واسعة من الإسرائيليين) مجرد الحديث عنها، مثلما يرغبون باستمرار تكريس الانقسام بين الضفة وغزة استبعاداً لأيّ احتمال يقود لتسوية الدولتين.

الدفع نحو الهاوية
تضاف لهذه الاعتبارات حسابات السياسة الفئوية، فهو يسعى لإطالة عمر حكومته بإطالة أمد الحرب، خاصة أن وزراء متشدّدين فيها يرفضون فكرة وقف النار، ومستعدون للتضحية بالمحتجزين والرهائن، وهذا ما قاله سموتريتش وبن غفير وغيرهما بالصوت والصورة أكثر من مرة، ولا يكترثون حتى الآن بأثمان المراوحة في المكان والاستنزاف وبالأوساط التي تحذّر من ذلك. لذا من المرجّح أن يواصل نتنياهو المناورة والتضليل، حتى وإن سمح بوفد إسرائيلي بالسفر اليوم للقاهرة لاستئناف مداولات الصفقة، بعد اجتماع مجلس الحرب، عند ظهر اليوم الأحد، وذلك من خلال عدم منحه صلاحيات كافية.

على هذه الخلفية، نشرت الصحافة العبرية، التي توجه انتقادات أكثر حدة لائتلاف نتنياهو، وتبدي تعاطفاً أكبر مع عائلات المخطوفين، تسريبات، في الأسابيع الأخيرة، تفيد بأن رؤساء المؤسسة الأمنية، لا جنرالات الاحتياط فحسب، يتهمون نتنياهو بوضع العصي في دواليب المفاوضات.

وعلى هذه الخلفية أيضاً يتهم “نبي الغضب” الإسرائيلي الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك نتنياهو بدفع إسرائيل نحو الهاوية بشعاره المضلّل “نصر مطلق”، وبحرب استنزاف بلا طائل، وإهمال العدو الأخطر؛ إيران.

تشاؤم حيال المستقبل

ويتكاتب بريك، في مقالاته المتتالية، مع المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، الذي قال، في مقابلة لصحيفة “هآرتس” عام 2019، إن نتنياهو يجر إسرائيل نحو زاوية معتمة، ويورّطها في تهديدات وجودية حقيقية.

وهذا ما يقوله اليوم عددٌ من المؤرخين الإسرائيليين، في قراءات لهم لمعاني السابع من أكتوبر، ضمن حديث معهم تنشره صحيفة “هآرتس” وفيها يقولون إنهم متشائمون حيال مستقبل إسرائيل.

ويوجّه عددٌ متزايد من المراقبين والمحللين الإسرائيليين انتقاداتهم لحكومة الاحتلال لعدم حيازتها رؤية سياسية لليوم التالي، كما يقول اليوم، على سبيل المثال، محللُ الشؤون العسكرية في “هآرتس” عاموس هارئيل، الذي يحذّر من أنه بدون هدف سياسي لن تجدي زيادة المساعدات الإنسانية، وستبقى إسرائيل تحت الضغط الدولي.

ومن جانبه، يؤكد الباحث في دراسة الشؤون الفلسطينية والصراع ميخائيل ميليشتاين، من جامعة تل أبيب، عدم وجود رؤية إستراتيجية لدى إسرائيل. محذراً، في مقال تنشره “يديعوت أحرونوت”، من أن الحرب تحولت لمقتطفات من قضايا لا رابط بينها: عمليات ضد “حماس”، مفاوضات حول المخطوفين، متابعة ضائقة الغزيين، رفح، اليوم التالي، ومعركة في الشمال.

نظرية بايدن ستنقذنا من حرب استنزاف
وتبعه أيضاً المعلق السياسي في الصحيفة شيمعون شيفر، في مقال بعنوان “المخطوفون أولاً”، يبكي فيه حالة إسرائيل بعد ستة شهور: “أعداؤنا البعيدون والقريبون من وقتها انضموا للقتال ضدنا، ولا بد من المصارحة بأن جرد حساب مرحلياً يقودنا للاستنتاج: الخروج من غزة الآن، وبذل جهود كبرى لاستعادة المخطوفين. لا خيار آخر. السنوار موجود، ولن يتنازل”.

في لائحة الاتهام الموجّهة للحكومة يقول شيفر إن نتنياهو وصحبه يفوّتون فرصة للتوصّل لاتفاق يضع إسرائيل في صلب تحالف بين دول المنطقة. كما يقول إن طلب بايدن لوقف فوري للنار يمكن أن ينقذنا من استمرار المراوحة في المكان، ومن تدهور غير مسبوق في مكانة دولتنا، خاصة بعد قتل طاقم المطبخ العالمي، ومن عجز هذه الحكومة. حكومة السادس من أكتوبر ما زالت بيننا، والحساب معها مفتوح، ونتنياهو يرفض تحمّل المسؤولية، وبذلك يعمّق الصدمة، والتصليح يبدأ بعد رحيله.

الفزاعة الإيرانية
لا حاجة للكثير من المقاربات والتحليلات للاستنتاج بأن نتنياهو غير معني بصفقة، حتى بعد الضغط الأمريكي المزعوم، وبعد مكالمة “متوترة” بين بايدن ونتنياهو، ففي حالة طبيعية لا يمكن أن تترك إسرائيل 133 من مواطنيها محتجزين في غزة يتعرّضون لخطر الموت يومياً منذ ستة شهور، فهذا أمن قومي لا غاية إنسانية فحسب، ونتنياهو نفسه سبق وأفرج عن 1127 أسيراً فلسطينياً، من بينهم يحيى السنوار عام 2011، مقابل جندي واحد، جلعاد شاليط، ضمن صفقة “وعد الأحرار”.

في “حالة طبيعية”، فيها رئيس حكومة إسرائيلي يؤدي وظائفه بشكل طبيعي ولا يخلط الحسابات، كانت الحرب قد توقفت قبل ستة شهور، لحسابات كثيرة، منها تحوّل إسرائيل لدولة منبوذة لدى شعوب كثيرة، في ظل مشاهد القتل والدمار والأطفال والنساء القتلى والجوعى والآلاف تحت الردم. عوضاً عن البحث عن الخيار الأقل سوءاً لإسرائيل نتنياهو يواصل أسطوانته المشروخة حول النصر المطلق، وسط محاولة صرف أنظار الإسرائيليين عن الحقائق في الميدان بتعويم رواية أنه وأسرته في خطر نتيجة انفلات عقال المتظاهرين قريباً من بيته، وبمواصلة التهويش على الفلسطينيين وتأجيج شهوة الانتقام منهم، وربما أيضاً هذا أحد أهداف اغتيال الجنرال الإيراني طمعاً باستعادة الفزاعة الإيرانية، التي طالما استفاد سياسياً من “بيضها السمين”.

مع ذلك، يضيق هامش مناورة نتنياهو، الموصوف بالكاذب ابن الكاذب من قبل سموتريتش، خاصة أن نصف عام من الحرب مدة كافية ليهبط الغبار على الأرض، وتنجلي الصورة، ويرى الإسرائيليون الفجوة الكبيرة بين تصريحاته وبين الواقع النازف على الأرض، ويرون صورتهم هم، وكذلك صورة الغزيين عالقين معاً نتيجة حسابات لا ترتبط بمصالح إسرائيل فحسب.

اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى