حظر تصدير السلاح لإسرائيل.. بين تزايد الضغوط الدولية وصعوبة التنفيذ
عربي تريند
اكتسبت الضغوط الدولية الرامية لوقف توريد السلاح لإسرائيل زخما بعد تبني مجلس حقوق الإنسان الأممي الجمعة قرارا بحظر بيع أو تصدير السلاح لتل أبيب في ظل استمرار سقوط الضحايا المدنيين في حربها المستمرة في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وسط تحذيرات من ارتكاب “جرائم إبادة جماعية” في القطاع.
ولكن ما بين فريق رأى في هذه الخطوة تطورا ذا مغزى، وفريق آخر اعتبرها مجرد قرار يضاف إلى ما سبقه من قرارات سواء لمجلس الأمن الدولي وآخرها القرار رقم 2728 أو قرار محكمة العدل الدولية، مستبعدا أن يكون للقرار الأحدث تأثير في الوضع على الأرض.
ويدعو القرار الدول إلى “وقف بيع ونقل وتحويل الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية الأخرى لإسرائيل… لمنع المزيد من انتهاكات القانون الإنساني الدولي وانتهاكات حقوق الإنسان”.
كما دعا القرار، الذي قدمته باكستان نيابة عن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي عدا ألبانيا، إلى محاسبة إسرائيل على جرائم حرب محتملة وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
ويأتي القرار، الذي صوتت لصالحه 28 دولة وعارضته 6 دول مع امتناع 13 دولة أخرى عن التصويت، في وقت قررت فيه العديد من الدول الأوروبية بالفعل وقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل، بينما تشهد دول حليفة لها، كالولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، تحركات ودعاوى قضائية لحملها على اتخاذ قرارات مماثلة.
لكن صحيفة واشنطن بوست اعتبرت أن هذا التوجه يفتقد حتى الآن للدعم الواضح من قبل واشنطن وبرلين اللتين تحصل تل أبيب منهما على جميع وارداتها تقريبا من السلاح، مستشهدة بتصويت هذين البلدين ضد مشروع القرار.
وتقف الولايات المتحدة وألمانيا وراء نحو 99% من جميع الأسلحة التي تستوردها إسرائيل، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الشهر الماضي.
ووفقا لتقديرات المعهد، استوردت إسرائيل 69% من أسلحتها من الولايات المتحدة و30% من ألمانيا في الفترة من 2019 إلى .2023 وتأتي المساعدات المقدمة لإسرائيل إلى حد كبير في شكل منح لاستخدامها في المعدات العسكرية الأمريكية الصنع. وفي الوقت نفسه، تضع الحكومة الألمانية الموافقة على تصدير الأسلحة الألمانية الصنع لإسرائيل كأولوية، وفقا للواشنطن بوست.
ونقلت الصحيفة عن سيث بيندر، الخبير في مؤسسة “مركز الديمقراطية في الشرق الأوسط” قوله إن “الولايات المتحدة هي مفتاح أن يكون لفرض قيود على الأسلحة أي تأثير كبير على السياسة الإسرائيلية”.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن “هناك علامات على أن النفوذ يمكن أن ينجح (في ذلك)”، منوهة إلى مطالبة الرئيس الأمريكي جو بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الاتصال الهاتفي الذي جمعهما يوم الخميس، بضرورة أن تكون هناك “خطوات محددة وملموسة وقابلة للقياس لمعالجة الأضرار التي لحقت بالمدنيين والمعاناة الإنسانية وسلامة عمال الإغاثة”.
وأضافت أنه بعد ساعات فقط، أعلن مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر عن إجراءات جديدة للسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة، بما في ذلك فتح معبر إيريز “بيت حانون” الحدودي، موضحة أن هذا التطور كانت تطالب به جماعات إغاثية طيلة الأشهر الماضية.
وأعرب السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين عن أمله في أن يكون هذا مؤشرا على أن إدارة بايدن أبدت مدى جديتها بشأن احتمال تقليص الدعم لإسرائيل.
وقال في مقابلة إن “الهدف ليس وقف جميع عمليات نقل الأسلحة… الهدف هو استخدام نفوذ عمليات نقل الأسلحة لفرض مطالبنا المشروعة”.
وأضاف: “مررنا بفترة تجاهلت فيها حكومة نتنياهو مطالب الولايات المتحدة، وأرسلنا قنابل زنة 2000 رطل” إلى إسرائيل. “آمل أن نكون الآن في مرحلة لا نقدم فيها شيكا على بياض”.
ويقول آخرون إن الولايات المتحدة يجب أن تذهب إلى ما هو أبعد من التهديدات. وأصدرت مؤسسة الحكماء، وهي مجموعة من 12 من قادة حقوق الإنسان العالميين برئاسة مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان سابقا ماري روبنسون، بيانا قالت فيه إنه يتعين على الولايات المتحدة أن تقود حظر الأسلحة لإسرائيل.
وجاء في بيان المجموعة: “باعتبارها أقرب حليف لإسرائيل وأكبر مزود لها بالأسلحة، يجب على الولايات المتحدة أن تقود الطريق”.
ووقعت أكثر من 160 منظمة إنسانية وجماعة حقوقية على دعوة لفرض حظر على الأسلحة، صدرت لأول مرة في 24 كانون الثاني/ يناير الماضي، وانضم موقعون جدد بعد أن قتلت غارات جوية إسرائيلية 7 أعضاء في قافلة مساعدات المطبخ المركزي العالمي (وورلد سنترال كيتشن) قبل أيام، مما سلط الضوء على مخاطر العمليات الإنسانية في غزة.
وقال محامون وحقوقيون في ألمانيا الجمعة إنهم رفعوا دعوى قضائية عاجلة في برلين ضد الحكومة الألمانية لحملها على وقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، مستشهدين بأسباب تجعلهم يعتقدون أن الأسلحة تستخدم في غزة بطرق تنتهك القانون الإنساني الدولي. وقدمت عدة منظمات، منها مركز الدعم القانوني الأوروبي ومنظمة القانون من أجل فلسطين ومعهد فلسطين للدبلوماسية العامة، الدعوى أمام المحكمة الإدارية في برلين. وقال المحامون في بيان إن شحنات الأسلحة والدعم اللذين قدمتهما ألمانيا لإسرائيل “ينتهكان التزامات البلاد بموجب قانون مراقبة الأسلحة الحربية”.
من جهتها، رفضت المتحدثة باسم الحكومة الألمانية كريستيانه هوفمان التعليق على الدعوى القضائية أو الكشف عما إذا كانت برلين ستعلق صادرات الأسلحة لتل أبيب، انتظارا لصدور حكم قضائي. وفي معرض ردها على سؤال عن هذا الأمر، قالت هوفمان لصحافيين: “تدرس الحكومة الاتحادية بوجه عام كل عملية لتصدير الأسلحة على حدة وتأخذ عددا من العوامل في الاعتبار، منها حقوق الإنسان والقانون الإنساني”.
وفي السياق، قال ماكس موتشلر، وهو باحث بارز في مركز بون الدولي لدراسات النزاع: “قد تؤدي (القضية) إلى زيادة الضغط السياسي على الحكومة الألمانية.. لتصبح أكثر شفافية وتعلن عن الأسلحة التي نقلتها بالفعل إلى إسرائيل”.
ووافقت ألمانيا العام الماضي على تصدير أسلحة إلى إسرائيل بقيمة 5ر326 مليون يورو (353.7 مليون دولار)، بزيادة 10 أمثال مقارنة مع عام 2022 وفقا لبيانات وزارة الاقتصاد الألمانية.
وعلقت حكومات وطنية وإقليمية في بلجيكا وكندا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا مبيعات الأسلحة لإسرائيل، مشيرة إلى مخاوف بشأن القانون الإنساني الدولي. وأعلنت شركة (إيتوتشو) اليابانية في شهر شباط/ فبراير الماضي أنها ستنهي شراكتها مع شركة دفاع إسرائيلية كبرى تفاعلا مع الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الدولية.
وفي الدنمارك، رفعت جماعات حقوقية الشهر الماضي دعوى قضائية ضد الحكومة لمنع تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى إلى إسرائيل، بينما كتب مشرعون فرنسيون إلى الرئيس إيمانويل ماكرون يوم الجمعة للمطالبة بخطوة مماثلة.
ووصفت واشنطن بوست تحركا مماثلا في بريطانيا، الحليف الرئيسي لكل من إسرائيل والولايات المتحدة. بأنه من بين “أقوى ردود الفعل”، حيث دعا أكثر من 800 خبير قانوني الحكومة إلى ضرورة وقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل لتجنب “التواطؤ في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، بعدما أثار مقتل ثلاثة مواطنين بريطانيين في الغارة التي استهدف عمال المطبخ المركزي العالمي غضبا شعبيا.
إلا أن الصحيفة استبعدت أن يكون للقرار الذي تبناه مجلس حقوق الإنسان أي تأثير عملي على مبيعات الأسلحة لإسرائيل كونه غير ملزم، مشيرة إلى أنه يمكن للأمم المتحدة أن تفرض حظرا إلزاميا على الأسلحة على الدول من خلال تصويت في مجلس الأمن، كما فعلت في جنوب أفريقيا إبان حقبة الفصل العنصري، إلا أن جنيفر إريسكون الباحثة في مجال الحد من الأسلحة في كلية بوسطن رأت أنه “لا توجد فرصة لفرض حظر أممي على الأسلحة لإسرائيل” بسبب الفيتو الأمريكي.
وأضافت إريكسون أن الاتحاد الأوروبي يمكنه فرض حظر على الأسلحة على مستوى التكتل، كما فعل في حالات أخرى. “لكن هذا سيظل في الممارسة العملية يتطلب إجماعا من قبل جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي، ما يعني أنه يتعين على ألمانيا الموافقة على ذلك”.
ويرى محللون أنه على الرغم من اتساع نطاق المطالبات بفرض حظر على تصدير السلاح لإسرائيل، ربما لن يتخطى الأمر حدود ممارسة الحكومات الحليفة لتل أبيب ضغطا عليها لتغيير بعض من النهج المتبع في حربها في غزة مع مراعاة عدم المساس بالأطقم الطبية والفرق الإغاثية والصحافيين والسماح بدخول مساعدات كبيرة لسكان القطاع.
(د ب أ)