تزايد الدعوات في إسرائيل لإنجاز صفقة مع حماس.. ومؤشرات على استمرار عرقلتها من قبل نتنياهو
يلتئم مجلس الحرب في إسرائيل مساء اليوم الأحد، ومن بعده المجلس الوزاري الموسّع؛ للنظر بمقترح حركة حماس لعقد صفقة جديدة، وسط شكوك وتقديرات بأن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو غير معني بها نتيجة عدة حسابات.
من المتوقع أن يحدّد مجلس الحرب حدود صلاحيات الوفد الأمني برئاسة رئيس الموساد دافيد بارنياع الذي سيطير إلى الدوحة غدا الإثنين للشروع في مفاوضات مع الوسطاء حول الصفقة المقترحة. وحسب مصادر إسرائيلية أيضا، تقضي مقترحات حماس بتحقيق صفقة على ثلاث مراحل، في الأولى: عودة الغزيين إلى شمال القطاع وتبادل أسرى (950 أسيرا فلسطينيا مقابل 40 من المحتجزين، نساء وأطفالا وجرحى ومسنين وخمس جنديات)، وفي المرحلة الثانية: إطلاق سراح الرجال بعمر الخدمة العسكرية مع إعلان هدنة لستة أسابيع، وفي الثالثة: تبادل جثامين وانسحاب إسرائيلي وبدء ترميم القطاع.
وطبقا للمصادر الإسرائيلية، تشترط حماس عودة الغزيين إلى شمال القطاع وهذا ما ترفضه إسرائيل بشدة؛ لأنه يلغي نتائج الحرب ويجعل شمال القطاع بيد حماس مجددا، غير أنها مستعدة لعودة تدريجية: نساء وأطفال دون انسحاب إسرائيلي من الممرات. كما تطرح حماس معادلة واضحة للتبادل: إطلاق 40 من المحتجزين الأحياء مقابل 800 أسير فلسطيني تشمل الإفراج عن 250 أسيرا من بينهم 100 أدينوا بقتل إسرائيليين، و50 أسيرا “ثقيلا” تقوم حماس بتحديد هوياتهم مقابل خمس جنديات.
في المقابل، توافق إسرائيل على الإفراج عن 404 أسرى فقط مقابل إطلاق 40 محتجزا، مثلما توافق على إطلاق 90 أسيرا فقط بينهم 15 “ثقيلا” مقابل الجنديات الخمس. لكن تتمّسك حماس بعودة الأسرى الفلسطينيين إلى بيوتهم، بينما تريد إسرائيل إجلاءهم إلى الخارج.
مغزى التهديد باجتياح رفح
بالتزامن يواصل مكتب نتنياهو الحديث عن مصادقته على مخطط اجتياح رفح، وهذا لا يندرج فقط ضمن مساعي الضغط على حماس لخفض طلباتها وصولا إلى صفقة “رخيصة”. مثل هذا التهديد المتكرّر باجتياح رفح هو استمرار في تطبيع الفكرة التي يعلن العالم تحفّظه عليها بما في ذلك حلفاء إسرائيل كالولايات المتحدة وألمانيا ،وذلك لأن حكومة الاحتلال معنية وإن كان لاحقا، بعد رمضان، بمواصلة الحرب طمعا بانتصار أو صورة انتصار، واستكمال كيّ وعي الفلسطينيين باحتلال وتدمير كل قطاع غزة انتقاما من السابع من أكتوبر، وتمريم قوة الردع والهيبة.
وعلى خلفية ذلك وغيره، تشهد إسرائيل نقاشا متزايدا وأكثر وضوحا حول الصفقة المقترحة بعد أكثر من 160 يوما من الحرب على غزة. وبعد الكشف عن ملامح الصفقة المقترحة من قبل حماس، تنقل صحيفة “هآرتس” اليوم الأحد عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن ردّ حماس ينطوي على إيجابيات ومكاسب ويمكن الدخول في مفاوضات معها، منوهة على سبيل المثال إلى تنازل الحركة عن شرط وقف الحرب بالكامل وتأجيله للمرحلة الثاثلة من الصفقة.
كذلك، دعا رئيس المعارضة يائير لبيد مجدّدا لإتمام الصفقة وإن كان ثمنها باهظا، وأعرب عن استعداده لدعم الحكومة في ذلك وتحاشي المزاودة عليها. وهذا ما يدعو له عدد متزايد من المراقبين والمحللين في إسرائيل، منهم المعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” شيمعون شيفر، الذي يؤيد موقف المؤسسة الأمنية التي تدرك بأن الثمن الباهظ مستحق وصولا للصفقة، فيما تشدّد صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها اليوم على ضرورة إنجاز صفقة فورا.
لتنظر إسرائيل في المرآة
من جانبه، قال الباحث في شؤون الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب، ميخائيل ميليشتاين، الخبير أيضا بالشؤون الفلسطينية، إنه حان الوقت أن تنظر إسرائيل في المرآة وترى الموجود والمفقود: من الحيوي الإدراك أنه لا يمكن خلق واقع جديد أو تدمير القوى العسكرية والسلطوية لحماس دون احتلال طويل لقطاع غزة، وثانيا لا تملك السلطة الفلسطينية قدرة على إدارة القطاع. ولذا من المفضل إنشاء حكم مدني محلي بمشاركة قوى محلية على رأسها حركة فتح، مع استمرار سيطرة أمنية إسرائيلية على الأقل في السنوات القادمة.
وفي مقال تنشره “يديعوت أحرونوت” اليوم، يقول إن إسرائيل تقف مقابل خيارات سيئة وعليها اختيار الأقل سوءا، وهذا الخيار السيئ رغم كونه مشبعا بالمشاكل، يبقى أفضل من شعارات كالنصر المطلق، ومن أوهام حول شركاء عرب أو أجانب لتغيير واقع الفلسطينيين ووعيهم من الأساس. ويكتفي بالتلميح لضرورة البحث عن حل سياسي كبير بقوله: “لا تسوية أو مساومة حول مصالح حيوية وطنية، لكن مطلوب منا الجاهزية لمسيرة تاريخية طويلة ومرهقة”.
ورغم أن حساباته داخلية أو شخصية، يتكاتب الوزير اليميني المتشدد بلا حقيبة غدعون ساعر، مع الانتقادات الموجهة لإسرائيل وفشلها في تحقيق أهداف الحرب، بقوله: “نحن حتى الآن نلهو بالكرة في ملعب غزة ولم نسددّ هدفا بعد… نحن نتورط بالمراوحة في المكان، ومجلس الحرب هو المسؤول عن ذلك”.
نوايا نتنياهو
في إطار المواقف المختلفة حيال الصفقة المقترحة، قالت مصادر مقرّبة من نتنياهو، إن مقترحات حماس فارغة وعليها تليين مواقفها من أجل التقدّم. وفي غضون ذلك، تتواصل الشكوك حول نوايا نتنياهو، حيث تنقل صحيفتا “هآرتس” و”يديعوت أحرونوت”عن مصادر إسرائيلية قولها إن الأخير غير متحمس للصفقة بل يسعى للتهرّب منها أو عرقلتها ويحاول كسب الوقت.
وربما هذا يفسّرعدم ردّ نتنياهو على مكالمات هاتفية للوزيرين غالانت وآيزنكوت اللذين حاولا أمس الاتصال به لإقناعه بإرسال الوفد التفاوضي إلى الدوحة اليوم الأحد، بدلا من غد الإثنين ولكن دون جدوى.
ولاحقا قال مكتب نتنياهو إنه طالما تم تحديد موعد لاجتماع مجلس الحرب اليوم فلا حاجة للتداول الهاتفي أمس. وللتدليل على نوايا نتنياهو بعرقلة الصفقة، تشير مصادر إسرائيلية محجوبة الهوية اليوم، إلى قراره بعدم الاكتفاء باجتماع المجلس المصغّر، بل عقد اجتماع لاحق للمجلس الوزاري الموسّع، وفيه عدد كبير من الوزراء المعارضين لكل صفقة.
وخلف هذه الترجيحات بأن نتنياهو غير معني بالصفقة، لا تكمن حسابات سياسية داخلية تتعلق ببقائه في الحكم فحسب، بل هي محاولة لبحث متواصل عن انتصار مفقود أو عن صورة انتصار على الأقل. ويبدو أن نتنياهو يخشى زعزعة ائتلافه وظهوره بصورة المهزوم عندما يخرج من سجون إسرائيل مئات الأسرى الفلسطينيين وهم يرفعون شارة النصر، وهذا ما يلمح له مصدر إسرائيلي تحدث لـ”هآرتس” اليوم.
لذا فإن تهديد نتنياهو باجتياح رفح ليس مناورة للضغط على حماس، بل هي رغبة حقيقية لديه. وهذا يفسّر تزايد القلق المعلن من هذا السيناريو من قبل الولايات المتحدة وألمانيا التي يصل مستشارها إلى تل أبيب اليوم قادما من عمّان.