الغارديان: كل العالم يصرخ مطالباً بوقف إطلاق النار في غزة.. فلماذا لا يحدث!
نشرت صحيفة “الغارديان” مقال رأي لسايمون تيسدال تساءل فيه عن السبب الذي يمنع وقف إطلاق النار في غزة، ويرى أن المصالح الشخصية لقادة العالم هي التي تقف أمام تحقيق هذا.
وقال: “يرفع أهل غزة أصواتهم مطالبين بوقف إطلاق النار، وكل يوم يجلب لهم مزيداً من الدم ومزيداً من الدمار، الجوع، المرض والدموع، لكي نحدّد أكثر: هناك حوالي 28,000 فلسطيني. والعدد الإجمالي حوالي 100,000 فلسطيني قتل، جرح أو في عداد المفقودين. ومن بين المفقودين عددٌ كبير من الأطفال المشوّهين اليتامى، وبصدمة ترافقهم مدى حياتهم. وحول العالم يطالب الملايين من الناس بوقف إطلاق النار. وهم يناشدون القادة السياسيين بعمل المزيد ووقف القتل الآن. وفي المساجد والكنائس والكنس، والناس من كل الأديان يصلّون حتى يتوقف الذبح”.
الأمم المتحدة التي لم يعد لوكالاتها أيٌّ من الأوصاف لكي تصف فيها رعب غزة، أو باتت تناشد بيأس. وهذه الحرب غير إنسانية وغير أخلاقية وظالمة. وهي عار علينا جميعاً، ويجب وقفها حالاً. ولكن ما الذي يمنعها؟ لماذا بحق السماء لا يوجد هناك وقف إطلاق النار؟
وقال إن إسرائيل فقدت 1,200 في هجمات “حماس” وعدداً كبيراً من الجنود الذين أرسلوا للانتقام لهم ورهائن لدى “حماس”.
وكل الحكومات العربية والأوروبية وروسيا والصين وإيران تريد وقف إطلاق النار، هدنة أو “توقفاً إنسانياً، أو على الأقل، هذا ما يقولونه. ووَعَدَ الحوثيون في اليمن والميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا بأنهم سيوقفون هجماتهم حال حدث وقف إطلاق النار في غزة. ووقف إطلاق النار سيخفّف من مخاطر كارثة حرب واسعة في المنطقة”.
ويرى تيسدال أن “الموقف الدولي واضحٌ، وهناك إجماع دولي، تم التعبير عنه، وبشكل مستمر، في الأمم المتحدة التي لم يعد لوكالاتها أيٌّ من الأوصاف لكي تصف فيها رعب غزة، أو باتت تناشد بيأس. وهذه الحرب غير إنسانية وغير أخلاقية وظالمة. وهي مدمرة اقتصادياً وسياسياً. وهي عار علينا جميعاً، ويجب وقفها حالاً. ولكن ما الذي يمنعها؟ ولماذا بحق السماء لا يوجد هناك وقف إطلاق النار؟”.
ويقول إن كل يوم مثل لعبة الدوارة في حديقة الألعاب، فالمسؤولون المشاركون في المفاوضات بشكل غير مباشر والعرب الذين يتوسطون في المحادثات يعبّرون عن تقدّم حذر، ثم تتلاشى الآمال، ويعاد إحياؤها من جديد.
وبالنسبة للفلسطينيين العالقين في غزة، وعائلات الرهائن، فهذا أمر مؤلم. وقد تجدّد الأمل بعد المقترحات التي قدمتها “حماس” في نهاية الأسبوع. ويعتقد تيسدال أنه حتى لو تم التوصل إلى اتفاقية في النهاية، فما هي واقعية تنفيذه واستمراره، علاوة على جلبه السلام، فالمشكلة، بعيدة وقصيرة المدى هي الأجندات المتناقضة بين الأطراف المشاركة في الحرب. ولا صفقة تحدث في غياب الثقة الأساسية.
وبطريقة غير حكيمة يربط جو بايدن صفقة غزة بخطّته المفرطة في طموحها والرامية للتوصل إلى تسوية في الشرق الأوسط. وفي المقام الأول
يريد البيت الأبيض “وقفاً مستداماً للأعمال العدوانية”، لكنه يواصل معارضته لوقف عام لإطلاق النار، لأن هذا يترك “حماس” غير مهزومة وفي السلطة، وهو نفس ما يقوله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وتشمل “الصفقة الكبرى” لبايدن على قبول إسرائيل لـ “الأفق السياسي” الغامض للفلسطينيين الراغبين بدولة مستقلة. ومع ذلك، فالتطبيع بين إسرائيل والسعودية، هي الجائزة الكبرى، وليس حق تقرير المصير للفلسطينيين. وطالما رفض بايدن الوقوف في وجه نتنياهو، سيظل نفوذ الولايات المتحدة محدوداً. ولو فاز ترامب في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر فسيصبح الدعم الأمريكي لإسرائيل غير مشروط، كما يعرف جيداً صديق ترامب، نتنياهو.
ويعلق تيسدال بأن خطة بايدن تعكس حاجته الانتخابية لتحقيق انتصار كبير في السياسة الخارجية، ولا تهتم بما هو مطلوب فعلياً، أي وقف إطلاق النار وبشكل دائم.
وفي إسرائيل، هناك رئيس وزراء لا يحظى بشعبية، ويرفض مطلقاً دعوة “حماس” لوقف دائم للنار، لأن هذا يحبط دعواته المستمرة لمحو عدوه وتحقيق “النصر الشامل”. كما أن هدفه الحفاظ على الأمن في غزة وبشكل دائم لن يكون عملياً، وهو يمقت فكرة الدولة الفلسطينية.
تاريخ الفلسطينيين هو تاريخ من الصراخ والغضب والألم، ووضع الضمادات لن ينجح. وصفقات في الغرف الخلفية، والتنازلات الرديئة تنهار
ولم يستطع نتنياهو تحرير الرهائن عبر الضغط العسكري، والذي قال إنه سيكون كفيلاً بإنهاء المهمة. ولم تهزم “حماس” بعد أربعة أشهر من الحرب. ومات الكثير من الجنود الإسرائيليين في الحرب. وهذا على رأس فشله في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ويجب أن يكون كافياً لإنهاء نتنياهو. فوقف إطلاق النار لعدة أسابيع والضغوط لجعله دائماً سيكون مناسبة لانهيار حكومة اليمين المتطرف التي يتزعمها نتنياهو. وسيصرّ الأخير، ولأسباب سياسية أنانية، على وقف محدود للنار وتبادل محدود للرهائن. وهو ليس وحيداً في موقفه، فـ “حماس” منقسمة بين الداخل المنهك الراغب بوقف إطلاق النار، و”حماس” الخارج التي تريد صفقة جيدة تشمل “السجناء الأمنيين” ودعماً مالياً لإعادة الإعمار.
ويتهم الكاتب قادة “حماس” في الخارج، وخاصة إسماعيل هنية، بعدم الاهتمام بمعاناة الغزيين. وسواء كان يعرف بهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر أم لا، أو أن يحيى السنوار هو الذي أمر به، قضية غير مهمة. فقد حاول هنية الحصول على أقصى ميزة سياسية، ولم يتغير هدفه، وهو تدمير الكيان الصهيوني.
لكن المحور، الذي يطلق عليه البعض “محور الشر”، الذي يشمل إيران وروسيا والصين، يستطيع عمل المزيد لوقف إطلاق النار، لكنهم وبالمشاركة مع الأوروبيين يريدون المزيد. فملالي إيران يستمتعون بتفاهات إسرائيل، ويشجبون علناً بؤس الغزيين، لكنهم يرون فيها وسيلة لتحقيق أجندتهم الجيوسياسية.
والسؤال: لماذا لا يوجد وقف إطلاق النار؟ الجواب الأبسط هو القادة السياسيون الذين لا تهمهم إلا مصالحهم الخاصة، الخائفون والعاجزون.
في يوم ما، نأمل، سيتوقف صوت البنادق في غزة، لأن الحرب انتهت، لكن إلى متى سيطول الوضع، وهو سؤال آخر.
ويختم الكاتب: “تاريخ الفلسطينيين هو تاريخ من الصراخ والغضب والألم، ووضع الضمادات لن ينجح. وصفقات في الغرف الخلفية والتنازلات الرديئة تنهار. وبدون دعم دولي موثوق لخطة سلام وجدول زمني ثابت لإنشاء دولة فلسطينية، فلن يتوقف الصراخ”.