إسرائيل ترد على ردّ حماس بحذر.. وترجيحات بعودة بلينكن خالي الوفاض مجددا
فيما تبرز وسائل الإعلام العبرية “تعنّت” حماس وتمسّكها بمطلب وقف الحرب والانسحاب الكامل من قطاع غزة، فإن إسرائيل الرسمية أبدت حذرا في التعامل مع الموضوع، وما زالت تلتزم الصمت، مكتفية ببيان موجز صادر عن ديوان رئاسة الوزراء، جاء فيه أن رئيس الحكومة نتنياهو أوكل إلى “الموساد” معاينة ردّ حماس وصياغة موقف من ذلك.
لكن قبل ذلك، سبق وأن صدر ردّ غير رسمي على لسان “مصدر سياسي رفيع في القدس”(عادة هذه إشارة لرئيس الوزراء) جاء فيه أن “إسرائيل لن تقبل أي شرط لوقف الحرب”، ولكن سرعان ما تمّ محوه واستُبدل بالردّ الرسمي المذكور آنفاً.
في هذا المضمار، نقلت الإذاعة العبرية اليوم عن مصادر إسرائيلية مجهولة الهوية، قولها إن بعض النقاط الواردة في ردّ حماس تشكّل منطلقا وأساسا لمفاوضات، إلى جانب نقاط لا يمكن القبول بها، وإن إسرائيل سترد بعد أيام من تدارس ذلك عبر الموساد إلى قطر.
مصادر إسرائيلية تقول إن بعض النقاط الواردة في ردّ حماس تشكّل منطلقا وأساسا لمفاوضات، إلى جانب نقاط لا يمكن القبول بها
وتعتبر الإذاعة العبرية أن هذا يعني أن هناك فرصة للمفاوضات، وأن إسرائيل لا تستقبل ردّ حماس بالأحضان، لكنها لا ترفضه، وأن هناك تقدما على شكل جاهزية لمفاوضات، مرجّحة أيضا أن الطرفين معنيان بمفاوضات مع مواقف متصلبة.
وتتفاوت الروايات في العالم حول ردّ حماس، فمقابل التشكيك الإسرائيلي به، أبدت جهات دولية نوعا من التفاؤل كما تجلى في المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ورئيس الحكومة القطرية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة ليلة أمس، وبعده جاء نقد الرئيس بايدن لرد حماس مخففّا، بقوله إنه “ردّ مبالغ فيه قليلا”.
وكانت حماس في بيانها وتصريحات بعض قادتها أوضحت أنها متمسّكة بوقف الحرب والعدوان وإعادة إعمار قطاع غزة، وهذا مغاير عما نقلته شبكة “سي إن إن” عن مصدر مطلع، قال إن حماس تراجعت عن شرطيها الهامين: انسحاب إسرائيلي من القطاع ووقف الحرب.
وتعاملت أوساط إسرائيلية غير رسمية بنوع من التشكيك في تقرير “سي إن إن” على غرار تشكيكها بردّ حماس واحتمال إبداء ليونة في موقفها.
السابع من فبراير
ولذا اختارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن تبرز مأساة المحتجزين بمناسبة مرور أربعة شهور على الحرب على غزة، تزامنا مع السابع من فبراير. وتكتفي بالتطرق لردّ حماس في عنوان صغير في أسفل صفحتها الأولى، وفيه تقول إن “حماس مصممة على وقف تام للنار” منوهة أن إسرائيل تقول إن “هذا غير ممكن”.
وفي لهجة لا تخلو من السخرية، اختارت صحيفة “معاريف” القول في عنوانها اليوم إن “فترة الانتظار انتهت”، وذلك في إشارة تاريخية تحيل فيها لفترة الانتظار عشية حرب 1967 عقب تصاعد التوتر، وإغلاق مصر مضائق تيران في البحر الأحمر.
وهكذا اختارت صحيفة “هآرتس” العبرية القول في عنوانها الرئيس اليوم الأربعاء، إن حماس تشترط الصفقة بوقف الحرب. وفي إطار الترجيحات والقراءات، يرجّح محللها العسكري عاموس هارئيل أن يرفض نتنياهو الصفقة المقترحة بشدة كونه يعاديها لاعتبارات سياسية، وهذا ما يقوله محللون إسرائيليون كثر، يرون أن بقاء نتنياهو في الحكم والحفاظ على ائتلافه يقتضي رفض الصفقة. وهذا سيناريو وارد جدا حتى وإن كان الرّد سيأتي عندئذ على شكل “نعم ولكن” وذلك حتى لا تتهم إسرائيل بالرفض وتتحاشى ضغوطا خارجية وداخلية.
هناك دافع أيديولوجي لدى نتنياهو لرفض الصفقة وهو كيّ وعي الفلسطينيين، وترميم وعي الإسرائيليين بعد السابع من أكتوبر
“ضرب الحبيب زبيب”
بيد أن ما يغيبه هؤلاء المحللون الإسرائيليون هو دافع آخر، أيديولوجي، لدى نتنياهو، وهو كيّ وعي الفلسطينيين، وترميم وعي الإسرائيليين بعد السابع من أكتوبر، ووأد فكرة تسوية الصراع بـ”الدولتين”. وربما هذا ما يعنيه أيضا حينما يكرّر قوله: “نصر مطلق”.
وسبق أن قال مراقبون إسرائيليون في الأسبوع المنصرم، إن نتنياهو يتمنى أن ترفض “حماس” الصفقة وتعفيه من الضغوط الداخلية والخارجية لإتمام صفقة لا يريدها. على خلفية ذلك، هل يتمكّن وزير الخارجية الأمريكي في زيارته لإسرائيل للمرة السادسة، من زحزحة نتنياهو وحكومته عن موقفهم الرافض؟
يبدو أن الإدارة الأمريكية أضعف من ممارسة الضغط الفعال في هذه المرحلة على حكومة الاحتلال أو أنها تفضل التعامل مع الحليف الإسرائيلي برفق ليبقى “ضرب الحبيب زبيب”. وربما ينطبق على معاملة بايدن لنتنياهو ما قالته نانسي عجرم: “أخاصمك آه.. أسيبك لا ” كما جاء في أحد عناوين “القدس العربي” أمس.
في المقابل، من غير المستبعد أن حماس وضمن “المنافسة الدماغية” تعي حقيقة موقف نتنياهو، ولذا تحاشت اتهامها برفض اتفاق الإطار المقترح، وربما تراهن على رفضه من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته، خاصة أن ذلك قد يثير احتجاجات واسعة في إسرائيل عندئذ، علاوة على ضغوط خارجية، لا سيما أن هذا يتزامن مع تقارير عن موت عدد كبير من المحتجزين الإسرائيليين في غزة.
كبش فداء
في تقرير جديد، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، إن 85 فقط من 136 محتجزا إسرائيليا في غزة هم على قيد الحياة اليوم، نتيجة موت نحو 50 منهم منذ احتجازهم. وسبقتها صحيفة “نيويورك تايمز” التي قالت ذلك أيضا بالتلميح. ع
لى خلفية ذلك، يقول محرّر الشؤون السياسية- الحزبية في صحيفة “هآرتس” يوسي فرطر اليوم الأربعاء، إن حكومة نتنياهو قد أهملت المحتجزين مرتين، وهي تضحّي بهم وتعتبرهم “كبش فداء”. وفي ذلك، يتطابق فرطر مع زميله عاموس هارئيل.
كما هو الحال مع “هآرتس”، تبدي وسائل إعلام إسرائيلية تعاطفا واضحا متزايدا مع عائلات المحتجزين أكثر مما كان في الماضي بكثير، كما ينعكس في صحيفة “يديعوت أحرونوت” التي خصصّت صفحتها الأولى اليوم لهم، ونشرت صورة كبيرة لأقارب المحتجزين يحملون صورهم تحت عنوان :”لسنا عائلات ثكلى بل عائلات مكشوفة هشّة”.
يبدو أن الإدارة الأمريكية أضعف من ممارسة الضغط الفعال في هذه المرحلة على حكومة الاحتلال أو أنها تفضل التعامل مع الحليف الإسرائيلي برفق ليبقى “ضرب الحبيب زبيب”
تجويع الغزيين
حاليا وقبيل وصول ردّ حماس، صعّدت عائلات المحتجزين تظاهراتها ضد إدخال مساعدات إنسانية لقطاع غزة، بدعوى أنها تصل حماس، وهذا ما يؤيده عدد من المراقبين الإسرائيليين أبرزهم مستشار الأمن القومي الأسبق الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، الذي كرّر دعوته في حديث للإذاعة العبرية اليوم بضرورة تجويع الغزيين بحصار مطبق، غير مكترث بالقانون الدولي، وضغوط محكمة العدل الدولية.
ويشدّد آيلاند على فشل الضغط العسكري في تليين موقف حماس، معتبرا أن الحصار المطبق أكثر فاعلية، إلى جانب العمل السريع لبناء سلطة بديلة لحماس تتولى تصريف شؤون القطاع، وهذان عاملان يؤثران على مواقف حماس أكثر وفق مزاعمه.
من جهة أخرى، يرى زميله الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف، أن حماس أبدت بعض الليونة في ردّها، مرجحا أن ذلك جاء بسبب تصميم إسرائيل وحلول رمضان قريبا، حيث إن يحيى السنوار يريد التخفيف عن الغزيين.
وفي حديث للقناة 12 العبرية، اعتبر زيف أن إسرائيل ستدخل المفاوضات بوضع غير جيد لأنها لا تملك بيدها مكاسب رغم تقدّمها وتوغلها في خان يونس، ولأنها بدون رافعات ضغط كافية مثل “اليوم التالي”، وبالبند الأخير يتوافق مع آيلاند.
ردا على سؤال حول الثمن الباهظ الكامن بإطلاق أسرى فلسطينيين خطيرين سيهددون أمن إسرائيل مستقبلا كما حصل مع السنوار وهو أسير سابق، قال زيف:”هذا زعم نصفه ديماغوجي ونصفه سياسي، فالمخربون الجدد لا يقلون خطرا عن الأسرى القدامى، بل إن بعضهم أكثر خطورة وهم داخل السجن” وقف مزاعمه، وتابع: “هذا ليس ادعاء مقنعا كفاية مقابل عبء الواجب الأخلاقي باستعادة كل المخطوفين”.
تشكيك الإسرائيليين
غير أن ازدياد الشكوك بحسابات نتنياهو وأولويات حكومته، مرشّح للتعاظم في حال رفضت إسرائيل اتفاق الإطار المقترح رغم إبداء حماس بعض الليونة في موقفها، مما يفتح الباب على ما يبدو لمغادرة غانتس وآيزنكوت وحزبهما الائتلاف الحاكم، ويأذن بموجة احتجاجات أشد وأكثر فعالية في الشارع الإسرائيلي ضد استمرار الحرب دون استعادة المحتجزين.
وسؤال مستقبل الحرب منوط ليس فقط بضغوط داخلية (عائلات المحتجزين وأزمة النازحين في الشمال والجنوب والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، واستمرار المراوحة في المكان، والنزيف داخل القطاع، وخسائر في صفوف الجنود الغزاة) أو أمريكية فحسب، بل يرتبط بمصر أيضا. فاستمرارها فعليا في رفض احتلال إسرائيل لمدينة رفح ومحور فيلادلفيا الحدودي سيضّيق هامش المناورة لجيش الاحتلال، ويمنح المقاومة الفلسطينية وجبة أكسجين وقوة مناورة أكثر في مفاوضات محتملة.
اجتماع هذه العوامل من شأنه إحداث تغيير داخلي في الشارع الإسرائيلي الذي بات أكثر تشككا بمواقف وتصريحات ساسته، كما يتجلى في رسم كاريكاتير “هآرتس” اليوم على سبيل المثال، وفيه يبدو السنوار جالسا داخل نفق على مقعد، ويضع ساقاً على الساق الأخرى، ويعاين مسودة اتفاق وهو يحتسي القهوة بهدوء غير آبه بدبابات إسرائيلية تبدو من حوله.