حالة ترقب في قطاع غزة بعد كشف الاحتلال عن “مرحلة ثالثة” من الحرب.. ومخاوف من توسيع الهجوم البري إلى مراكز النزوح
عربي تريند_
يعيش سكان قطاع غزة حالة ترقب في هذه الأوقات، بعد الكشف الإسرائيلي عن بدء “المرحلة الثالثة” من الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، بسبب حالة الإبهام التي ترافقت معها، ويخشون أن تكون أكثر إيلاماً من المراحل السابقة، خاصة أن الثانية كانت أعنف من المرحلة الأولى، بعد أن وسّع خلالها جيش الاحتلال عملياته العسكرية البرية، لتشمل جنوب ووسط القطاع.
مخاوف من توسيع الهجوم البري
وبات الحديث الشائع بين سكان القطاع، وخاصة النازحين منهم، عن تفاصيل الخطة المبهمة، والتي لم يفهم منها سوى أن جيش الاحتلال سيواصل عملياته العسكرية في جنوب قطاع غزة، وتحديداً في مدينة خان يونس، التي ينفذ فيها منذ أكثر من شهر عملية توغل برية، تصاحبها هجمات جوية خطيرة، أوقعت آلاف الشهداء والمصابين.
وخلال الساعات الماضية، أثيرت تساؤلات عدة بين سكان مدينة رفح والنازحين فيها، حيث تحتضن العدد الأكبر من سكان القطاع حالياً، بسبب موجات النزوح القسري التي تصل إليها يومياً من مناطق وسط القطاع ومدينة خان يونس، إن كانت المرحلة القادمة ستشمل توغلات برية في المدينة، التي يطلب الاحتلال من سكان القطاع النزوح إليها، خاصة أن المرحلة الثانية من الحرب، شهدت توغلات برية وسط القطاع وفي مدينة خان يونس، اللتين تقعان جنوب وادي غزة، حيث المناطق التي طلب جيش الاحتلال من السكان المقيمين في مدينة غزة والشمال، في المرحلة الأولى النزوح إليها.
وأبدى سكان كثر ونازحون قابلتهم “القدس العربي” خشيتهم من هجوم بري على المدينة، باعتبار أن ذلك الهجوم سيوقع أعداداً كبيرة من الضحايا، بسبب تكدس أعداد النازحين، حيث بات عدد السكان حالياً يزيد عن 1.2 مليون نسمة، بعد أن كان عدد سكانها أقل من 300 ألف نسمة.
ويزداد بسبب الهجوم البري على وسط القطاع ومدينة خان يونس وبشكل يومي، عدد خيام النازحين في المدينة، الواقعة على مقربة من الحدود الفاصلة عن مصر.
وتنتشر خيام النازحين في الطرقات وفي الساحات العامة، وفي مناطق مفتوحة على شاطئ بحر المدينة، وهناك من يقيمون في العراء بعد أن تقطعت بهم السبل، في ظل النقص الحاد في الخيام وامتلاء مراكز الإيواء.
وقال محفوظ إبراهيم، وهو رجل في العقد الخامس: “لم يعد أمامنا أي مناطق أخرى”، ويضيف، في حديثه لـ “القدس العربي”: “من الشمال هناك خان يونس التي غادرتها من قبل، ومن الغرب البحر، ومن الشرق الحدود مع الاحتلال، ومن الجنوب الحدود مع مصر”.
وقد نزح هذا الرجل إلى مدينة خان يونس في بداية الحرب، واضطر لمغادرتها والنزوح من جديد في المرحلة الثانية إلى مدينة خان يونس، ويقيم حالياً في مدينة رفح، بعد توغل الاحتلال الأخير.
وقال أبو إسماعيل، وهو رجل يقطن في مدينة رفح، وتحديداً في حي تل السلطان، لـ “القدس العربي”، إن نشر خبر الانتقال للمرحلة الثالثة أثار المخاوف لدى الكثيرين من احتمال توسع نطاق الحرب، في ظل تصاعد الهجمات ضد مدينة خان يونس.
وأضاف: “لا أحد يعرف شو بدو يصير (ماذا سيحدث)، والكل خايف من عملية عسكرية ضد رفح”.
وأشار إلى أنهم يسمعون عمليات قصف إسرائيلي عنيف للعديد من مناطق مدينة خان يونس، لافتاً إلى أن جيش الاحتلال الذي يطلب من سكان خان يونس ومخيمات وسط القطاع النزوح إلى رفح، شنّ، خلال اليومين الماضيين، غارات دموية طالت العديد من المناطق في رفح.
وقابلت “القدس العربي” سيدة في العقد السادس تدعى أم خليل، وكانت برفقة عدد من نساء عائلتها وأحفادها يجلسن عند ركن في أحد الشوارع الواقعة غرب مدينة رفح، وبجوارها بعض الحقائب والأمتعة، وقالت هذه السيدة إنها وعائلتها وصلت من مخيم المغازي وسط القطاع بصعوبة بالغة، نازحة من الحرب والهجوم البري، لافتة إلى أنهم أمضوا ليلتهم الأولى في ساحة منزل قريب، وأن أبناءها وزوجها ذهبا، منذ شروق الشمس، للبحث عن مكان يقيمون فيه خياماً لهم، وأشارت إلى أن زوجها ذهب إلى مركز وزارة التنمية الاجتماعية، وبعض الجمعيات الخدماتية، بحثاً عن خيام، فيما ذهب أبناؤها للبحث عن مكان لإقامة العائلة.
وأشارت إلى أنها بالكاد وعائلتها حملوا بعض الأمتعة، وقالت إنهم ألبسوا أطفال العائلة ملابس إضافية، لتخفيف حمل الأمتعة، خلال النزوح، لكنها اشتكت من عدم حمل أوانٍ للطهي وتجهيز الطعام، ومن عدم حمل المعلبات التي كانت تملكها الأسرة في منزلها وسط القطاع.
وقالت: “الأسعار مرتفعة جداً، وما في مصاري (نقود)، والناس اللي قبلنا (من سبقهم في النزوح) يشتكون من عدم تسليم المعونات”.
هذه السيدة قالت أيضاً إن زوجها سمع من نشرة الأخبار عن بدء مرحلة ثالثة من الحرب، وأنه أبدى خوفه من توسعه العمليات والقصف والاستهدافات.
شهادات من أرض المعركة
وفي أسواق مدينة رفح، تحدث مواطنون وباعة متجولون عن هذه الخطة، وبشكل مازح قال أحد الباعة وهو ينادي لتسويق بضاعته، وهي علب من الأجبان والبقوليات المعلبة: “اِلحق (سارع) اشترِ قبل التوغل”.
وزادت مخاوف السكان تلك الغارات الجوية الدامية التي كثّفها جيش الاحتلال، خلال الساعات الـ 48 الماضية، والتي طالت أحياء كثيرة في مدينة خان يونس وفي وسط القطاع، وبعضها ضرب مدينة رفح.
وسجل سقوط عشرات الشهداء في مناطق وسط القطاع، التي تشهد توغلات برية، ومن بينهم شهداء سقطوا في مدينة دير البلح، مركز المنطقة الوسطى، والتي طلب جيش الاحتلال من سكان مخيمات النصيرات والبريج والمغازي، قبل عدة أيام، للانتقال إلى المدينة.
كذلك قال شهود عيان إنه بعد الحديث عن المرحلة الثالثة من الحرب، جرى، فجر الإثنين، توسيع رقعة التوغل البري لجيش الاحتلال في مدينة خان يونس.
وأشاروا إلى أن آليات عسكرية إسرائيلية وسّعت توغلها البري في منطقة جورة اللوت وأطراف منطقة قيزان النجار جنوبي مدينة خان يونس.
وفي مخيمات وسط القطاع يزداد الوضع سوءاً، وقال شهود عيان لـ “القدس العربي”، إن أحداً لا يعرف أخبار من بقوا من السكان في مخيم البريج، فيما يشهد مخيم المغازي ومخيم النصيرات عمليات قصف جوي ومدفعي عنيف جداً.
وقال أحد السكان الذين خاطر بحياته وغادر مدينة رفح إلى مخيم النصيرات، لجلب بعض الأمتعة لأسرته من هناك، إنه لم يقابل في طريقة سوى أفراد لم يتجاوزوا عدد أصابع اليد، وإنهم كانوا في طريقهم لمنازلهم لجلب احتياجات لأسرهم، وأشار إلى أنه شاهد في طريق سيره استهدافات جديدة طالت الكثير من المنازل.
وحسب هذا الرجل، تتواجد الآليات العسكرية والدبابات على أطراف المخيم، وتطلق النار على كل من يمر أمامها، فيما تقوم طائرات مسيرة باستهداف المارة بالصواريخ والرصاص.
وقال أيضاً إن هناك حديثاً في المخيم عن وجود شهداء في بعض الشوارع القريبة من التوغل، لا يستطيع أحد الوصول إليهم، ووصف المخيم بأنه بات “مدينة أشباح”.
ووفق المعلومات الواردة من مخيم النصيرات وسط القطاع، فإن هناك بعض العائلات حوصرت في منازلها في منطقة شارع العشرين، فيما اشتعلت النيران في منازل أخرى جراء القصف الإسرائيلي، حيث تطلق طائرات “كواد كابتر” النار على كل من يتحرك في الشوارع في المخيم.
إلى ذلك، فقد تحدث مواطنون عن رحلة نزوح محفوفة بالمخاطر خلال مغادرتهم مخيم المغازي الذي حاصرته الدبابات الإسرائيلية من عدة اتجاهات.
وأكدوا أن هناك جيراناً لهم لم يتمكّنوا من النزوح، وأن الوضع هناك أصبح صعباً، بعد أن أغلقت الأسواق وانعدمت الحركة في الشوارع.
وقد أكدت مصادر طبية أن 73 شهيداً و99 مصاباً وصلوا، حتى فجر الإثنين، إلى مشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح، جراء هجمات الاحتلال.
المرحلة الثالثة
وكانت تقارير عبرية أشارت إلى أن جيش الاحتلال بدأ رسمياً في الانتقال لـ “المرحلة الثالثة” في القتال في قطاع غزة، والتي تشمل غارات الفرق.
وذكرت أن الجيش لا يستبعد إمكانية عودتهم في المستقبل إلى تشكيلات قتالية على مستوى الفرق، كما اعتادوا أن يفعلوا في “المرحلة ب”.
وأشارت إلى أنه في جنوب قطاع غزة، ستواصل الفرقة 98 القتال العنيف ضد خان يونس، فيما لم يتم اتخاذ قرار حتى الآن بشأن الهجوم البري على مدينة رفح.
وفي السياق، كان المتحدث باسم جيش الاحتلال قال إن قواته ستواصل شن الهجمات ضد وسط وجنوب القطاع، وزعم: “كل ما نفعله هو زيادة الضغط العسكري لإعادة المختطفين إلى بيوتهم”.
وذكرت أن الجيش يقدّر أنه على الرغم من التقدم في القتال في قطاع غزة، فإن “حماس” لا تزال قادرة على إطلاق الصواريخ من شمال ووسط قطاع غزة، وهي تستعد لذلك.
والجدير ذكره أن الفرقة 99 العسكرية في جيش الاحتلال هي المسؤولة عن تقسيم القطاع إلى قسمين، وهي المسؤولة عن عودة المواطنين الفلسطينيين من جنوب القطاع إلى شماله، وهي مرحلة لم يجر العمل بها حتى الوقت، رغم طلبات قدمتها الإدارة الأمريكية، وآخرها على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الذي طلب قبل وصوله إلى دولة الاحتلال، السماح للمواطنين الفلسطينيين الراغبين بالعودة إلى منازلهم في شمال قطاع غزة “في أسرع وقت ممكن”، وشدد على أنه يجب ألا يتم الضغط عليهم لمغادرة غزة.
وتلا ذلك أن ذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية أن المؤسسة الأمنية في إسرائيل تدرك أن وزير الخارجية الأمريكي، سيضغط على المستوى السياسي للسماح لسكان شمال قطاع غزة المتواجدين في مراكز الإيواء في الجنوب بالعودة إلى منازلهم.
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة قولها “إن الجانب الأمريكي يخشى خلق أزمة إنسانية في جنوب قطاع غزة، ولذلك سيطلب من المستوى السياسي في إسرائيل ضرورة السماح بعودة النازحين إلى شمال قطاع غزة”.
نقص في المواد التموينية
ولا تزال كميات المواد الغذائية المتوفرة في مدينة رفح، وفي باقي مناطق القطاع، تقلّ بكثير عن حاجة السكان، بسبب إجراءات الاحتلال التي تحجم دخول هذه المواد، في إطار سياسة الضغط على السكان.
ويشتكي النازحون المقيمون في مراكز الإيواء من عدم تسلم أي معونات غذائية منذ أربعة أيام، فيما يشتكي المقيمون في الخيام المنصوبة في الساحات العامة، من عدم الحصول على أي معونات منذ وصولهم. فيما قال آخرون، وصلوا قبل شهر، إنهم لم يتسلموا سوى طرد غذائي واحد يشتمل على بعض المعلبات والمعكرونة والسكر، لافتين إلى أن هذه الكميات نفدت منذ فترة، ولم تكن تكفي أسرتهم سوى أقل من أسبوع.
وفي دلالة على ذلك، قال المستشار الإعلامي، والمتحدث باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، عدنان أبو حسنة، إن “العائلة التي تتكوّن من ستة أفراد تحصل على علبة فول وزجاجتي مياه كل ثلاثة أيام”.
وأضاف: “نرى الجوع ينتشر في كل شارع، والناس تبحث عن رغيف خبز”، مشيراً إلى أن المساعدات الإنسانية التي تصل إلى قطاع غزة “لا تكفي لتلبية 5% من احتياجات السكان”.
جدير ذكره أن عدد الشهداء الذين سقطوا منذ بداية الحرب على غزة يقترب من الـ 23 ألف شهيد، غالبيتهم من الأطفال والنساء، فيما يقترب عدد المصابين من الـ 56 ألف، فيما هناك آلاف المواطنين المفقودين تحت ركام القصف.