معهد أبحاث في جامعة تل أبيب: تأييد الإسرائيليين الواسع للحرب على غزة في خطر
قال تقرير جديد صادر عن “معهد أبحاث الأمن القومي”، التابع لجامعة تل أبيب، إن الحرب الإسرائيلية على غزة تحظى بدعم الإسرائيليين بشكلٍ واسع، ولا سيما في الأسابيع الأربعة الأولى للتوغل البري، وسط حالة إجماع على أهداف الحرب التي وضعها المستوى السياسي، لكنه يحذّر من أن هذا التأييد بات في خطر.
ويقول المعهد، في تقرير بعنوان “حول التأييد الشعبي الواسع للحرب ومحدّداته”، إن مصدر هذا الإجماع حتى الآن هو الشعور بالتهديد العميق والحقيقي، على اعتبار أنها حرب لـ “الدفاع عن النفس” ضد عدو إرهابي”.
وينوّه التقرير إلى أن هذا التأييد ذو قيمة كبيرة بالنسبة للمجهود الحربي ضد حركة “حماس”، لكنه يتساءل إلى أي مدى سيستمر هذا الدعم مع مرور الوقت، وهو ما يتطلبه المجهود الحربي؟ وما هي العوامل التي قد تؤدي إلى تقويضه، أو تغيير طابعه ومستواه؟
الحرب ضد “حماس” قد تمتد لفترة طويلة، وتوفر الدعم والتأييد المجتمعي مرتبط بكمية الإنجازات العسكرية وطبيعتها
حسب هذا التقرير، الذي تولى ترجمته للعربية المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، فإن الإجابات التي يسوقها التقرير هي كالتالي:
طبيعة الحرب ومدتها:
يُشير التقرير إلى أن الحرب ضد “حماس” قد تمتد لفترة طويلة، لأشهر، أو أكثر، وإن كانت بدرجات شدةٍ متفاوتة، بالتالي، فإن توفر الدعم والتأييد المجتمعي للحرب ضروري لإنجاحها، وهذا مرتبط بكمية الإنجازات العسكرية وطبيعتها التي يتم تحقيقها خلال الحرب. غير ذلك، من الممكن أن يتسبّب غياب الإنجازات والأضرار التي يتعرض لها الجيش وحجم الخسائر في صفوفه، إلى جانب آثار الصدمة الجماعية التي حدثت صبيحة السابع من أكتوبر المنصرم، إلى الإضرار بهذا الدعم والتأييد.
الأسرى والمحتجزون:
بحسب التقرير، هذه القضية مؤلمة ومعقدة بالنسبة لإسرائيل، فهي تجد نفسها في وضع غير مسبوق من حيث وجود نساء وأطفال في أسر “حماس”، وهذه قضية تزيد من تعقيد الوضع أمام صنّاع القرار، وما لم يتم حلها مع مرور الوقت بشكلٍ كامل، فمن المتوقع أن تتسبب بضرر جسيم لقدرة الإسرائيليين على الصمود، ما سيُلحق الضرر بالدعم المجتمعي للمجهود الحربي.
الإسرائيليون الذين تم إخلاؤهم من الجبهتين الشمالية والجنوبية:
يُشير التقرير إلى أن هؤلاء الذين تم إجلاؤهم من مستوطنات غلاف قطاع غزة، أو من الجبهة الشمالية، وبعضهم لا يُسمح لهم بالعودة في الوقت الحالي، قد ينفد صبرهم ويخرجون للتعبير عن معاناتهم في حال طالت الحرب وما يرافقها من اتهامات، كل ذلك قد يؤدي إلى زعزعة المناعة القومية، وبالتالي تآكل الدعم والتأييد المجتمعي للحرب.
التحدي المدني على الجبهة الشمالية:
بحسب التقرير، فإن مع إخلاء قرى وبلدات على الجبهة الشمالية، في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، ومع تصاعد المواجهة مع “حزب الله”، تحول هذا الملف إلى عبء على إسرائيل، من حيث انعدام القدرة على إعادة الحياة إلى طبيعتها بالنسبة لهؤلاء خلال الحرب. ويقول “المعهد” إن أي تغيير في هذا الوضع يتطلب حرباً واسعة، وربما شاملة، مع “حزب الله”، وهذا الأمر سيكون صعباً جداً بالنسبة للجبهة الداخلية الإسرائيلية، وعلى البنية التحتية، والاقتصاد برمته. كما يقول إن مثل هذه الحرب، في حال اندلعت مع استمرار الحرب على قطاع غزة، ستكون صعبة للغاية على الجبهة الداخلية إلى درجة تقويض الدعم المجتمعي الحالي، وتُثير تدريجياً شكوكاً حول استمرار هذا الدعم والتأييد في ظل البحث إسرائيلياً عن سبل للخروج من هذه المعضلة على الجبهتين (الشمالية والجنوبية).
إخلاء قرى وبلدات على الجبهة الشمالية ملف تحوّل إلى عبء على إسرائيل، من حيث انعدام القدرة على إعادة الحياة إلى طبيعتها
توسيع المواجهة- متعددة الجبهات:
يُشير التقرير إلى أنه صحيح حتى الآن أن الجبهات المختلفة لم تبدِ استجابة لدعوات حركة “حماس” في البداية إلى الانخراط في مواجهة “وحدة الساحات”، وخاصة في الجبهة الشمالية، حيث لا يرغب “حزب الله”، حتى كتابة هذا التقرير، في فتح مواجهة شاملة بإرادته، ولحساباته الخاصة مع الجيش الإسرائيلي، لكن من ناحية ثانية ما زالت الاحتمالات قائمة باشتعال الوضع الأمني في الضفة الغربية، ويعود ذلك إلى “الاحتكاك العنيف” المتصاعد بين اليهود من اليمين المتطرف والفلسطينيين. من ناحية ثالثة؛ ما زال الوضع في إسرائيل هادئاً بين العرب واليهود، لكن أي إدارة غير مسؤولة، أو غير حذرة لهذه القضية الحساسة، قد تتسبب في مواجهة غير مرغوبة، من شأنها التأثير على “مناعة” الجبهة الداخلية واستمرار الدعم والتأييد للحرب.
الاقتصاد القومي والشخصي:
إن استمرار الحرب، أو توسعها لتضم جبهة إضافية (الجبهة الشمالية)، سيرافقها ارتفاع كبير في الأسعار، سوف تترتب عليه خسائر للاقتصاد العام، والشخصي. من ناحية ثانية؛ استمرار الحرب يعني استمرار تعبئة جنود الاحتياط، ما يؤدي إلى استمرار الغياب عن سوق العمل. من ناحية ثالثة؛ عدم عودة الحياة إلى طبيعتها، بما في ذلك المدارس والجامعات، والصعوبات التي تواجهها عمليات التصدير والاستيراد، وكل ذلك تترتب عليه خسائر اقتصادية، ما قد يؤدي إلى تآكل الدعم المجتمعي للمجهود الحربي.
الإهمال في أداء الوزارات الحكومية:
يُشير التقرير إلى أن هناك أداء سيئاً ويتسم بالإهمال والفشل لبعض الوزارات والمكاتب الحكومية في مقابل استمرار التجند الطوعي المدني، وعلى الرغم من أن بعضها يسعى بشكلٍ بطيء إلى تحسين جودة الخدمات، فإنها ما زالت بعيدة عن توقعات واحتياجات الجمهور الإسرائيلي في هذه الفترة الصعبة. هذه الظاهرة، قد تتسبب بإثارة حالة كبيرة من الإحباط لدى الكثيرين، وهو ما ينعكس بالضرورة على تماسك الجبهة الداخلية واستمرار الدعم المجتمعي.
السياسة الإسرائيلية:
يؤكد التقرير على أن شعار “معاً ننتصر”، الذي رفعه الساسة في إسرائيل مع اندلاع الحرب، قد يبدو شعاراً فارغاً في مواجهة سيناريو تصاعد وتعمق الاستقطاب العميق أصلاً بين الإسرائيليين لكن بقوة أكبر، حيث إن الانقسامات ما زالت موجودة رغم أنها تحت السطح في الوقت الحالي، ناهيك عن الخلافات الأساسية حول الرأي من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ومكانة السلطة الفلسطينية ودورها في إعادة الإعمار بعد الحرب وغير ذلك من القضايا الخلافية. ويرى “المعهد” أن كل هذه القضايا تولد حالة من القلق وعدم اليقين والإحباط لدى الجمهور الإسرائيلي في ظل غياب إنجازات عسكرية حقيقية سريعة، ما قد يُراكم ويعمق من التصدعات العميقة تحت السطح، وهذا يُشكل خطراً حقيقياً ويهدد التضامن الحالي والضروري في زمن الحرب.
الوضع الدولي:
يُشير التقرير إلى الدعم الدولي الكبير جداً من الدول الغربية، وتحديداً من الولايات المتحدة الأمريكية والجاليات اليهودية في جميع أنحاء العالم، رغم التصدعات الناجمة عن حجم الدمار في قطاع غزة والإعلام المناهض لإسرائيل، لكن يجب أن يتم الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الوضع قد يتغير للأسوأ في حال طال أمد الحرب وتصاعد حجم الدمار في القطاع، ولذلك من المرجح أن تتصاعد الضغوطات الدولية على إسرائيل لوقف الحرب أو كبحها قبل أن تتصاعد الضغوط الداخلية، وذلك بسبب الخلافات العميقة على خلفية الوضع ما بعد الحرب.
تراجع الدعم الدولي، وخاصة الأمريكي، قد ينعكس سلباً على الجبهة الداخلية في إسرائيل
لذلك يؤكد التقرير أن تراجع الدعم الدولي، وخاصة الأمريكي، قد ينعكس سلباً على الجبهة الداخلية في إسرائيل، ما سينعكس سلباً على حجم الدعم والتأييد فيها.
ختاماً، يُشير التقرير إلى أن تراكم هذه العوامل، كلها أو بعضها، يعني أن الزمن هو عامل مركزي وحاسم في هذه الحرب، وأن هذا العامل لا يعمل بالضرورة لصالح إسرائيل و”مجهودها الحربي”. ويقول المعهد الإسرائيلي إن الحرب الطويلة، لا سيما في حال امتدت لتشمل جبهات أخرى، تُشكل تحدياً كبيراً ومعيقاً لقدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود، وقد تخلق “ساعة رملية” من شأنها تقويض الدعم والتأييد الحاليين والإضرار بحالة التجند الواسعة للإسرائيليين في دعم الحرب. كما أن احتمالية اندلاع أية اضطرابات داخلية لن تؤثر على الوضع المجتمعي العام فحسب، بل أيضاً على الشعور السائد داخل الجيش. لذلك، يُقدم التقرير توصيات للمستوى السياسي بضرورة التركيز على الجبهة الداخلية، والوقوف عند كل المعضلات والمعيقات سابقة الذكر والتعامل معها بجدية بعيداً عن الارتجال والارتباك، لأن الدور الذي قام به المجتمع المدني في إسرائيل لسد الفراغ الحكومي على مدار الحرب لا يبدو كافياً بل يتطلب، إلى جانب التركيز على الحرب والجيش، تنظيماً حكومياً إلى جانب المجتمع المدني لتقديم حلول عاجلة على المدى القصير، وأساسية على المديين المتوسط والبعيد.