أوساط إسرائيلية واسعة تريد “الصفقة” وتعتبرها تعزيزاً للأمن والمناعة القومية
عربي تريند_ بصرف النظر عن عوامل تأخير تطبيق “الصفقة”، وعلاقة إسرائيل بذلك، تسود حالة ترقب وتوتر شديدة فيها، وشبه إجماع على ضرورة إتمامها بسرعة، نتيجة حسابات واعتبارات متنوعة. بيد أن عائلات المحتجزين عبّرت عن إحباطها من الإعاقة، وشكَت من سماعها عن ذلك عبْر الإعلام فقط.
وكان رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي قد قال، بعد ساعة من انتهاء مؤتمر صحفي، بمشاركة نتنياهو، غالانت وغانتس، إن الصفقة لن تخرج لحيز التنفيذ صباح الخميس، وكذلك الهدنة. وبلغة حذرة، وتحاشياً لصب الزيت على حالة التوتر والترقب المحتقن داخل إسرائيل، خاصة لدى عائلات المحتجزين، قال هنغبي أيضاً إن الاتصالات للإفراج عن مخطوفينا مستمرة، وتتقدم كل الوقت. لافتاً إلى أن بداية الإفراج عن المحتجزين تبدأ، وفق “الاتفاق الأصلي” بين الأطراف، ليس قبل يوم الجمعة.
وقالت الناطقة باسم البيت الأبيض: “إنهم يعملون على تفاصيل لوجستية نهائية”، معربة عن أملها بأن تنطلق الصفقة غداً، الجمعة.
من جهتها، لم تتطرّق “حماس” رسمياً بعد لهذا التأخير، بعدما كان متوقعاً أن تبدأ بالإفراج عن الدفعة الأولى من المحتجزين قبل ظهر اليوم، الخميس. فيما زعم مصدر إسرائيلي أن هذا التأخير، البالغ 24 ساعة، نابعٌ من عدم توقيع الاتفاق من قبل قطر و”حماس” بعد، وفق ما قاله مصدر سياسي إسرائيلي للإذاعة العبرية. وحسب الإذاعة العبرية الرسمية ذاتها، فإنه، قبيل المؤتمر الصحفي المذكور بساعات، وصلَ مسؤول الأسرى والمفقودين في الجيش نيتسان ألون، ودافيد برنياع، رئيس الموساد، للدوحة، وبدآ يتحدثان عن فجوات لم يتم إغلاقها. ومن جهتها أبلغتهما قطر، قبيل منتصف الليلة الفائتة، أن “حماس” لا توقع على الاتفاق، وأن الأخيرة تقول إن هناك حاجة لتوضيحات إضافية.
غالانت: قولوا لهنية ومشعل، وبقية قادة “حماس”، إنهم يعيشون على زمن مستعار، وإننا سنلاحقهم من أقصى المعمورة إلى أقصاها
وتنقل الإذاعة العبرية عن المصدر المذكور قوله إن “حماس” صمّمت على تغيير بعض بنود الاتفاق.
وبالتزامن كانت التصريحات، أمس، حول بدء تطبيق الصفقة، الساعة العاشرة اليوم، الخميس، قد صدرت قبل سفر برنياع وألون للدوحة، وإغلاقهما الصفقة بشكل نهائي.
ويضيف المصدر: “لم نتطرق للتصريحات المذكورة لأننا ببساطة نعلم أن الاتفاق لم يغلق بعد”.
ورغم التصريحات حول استمرار الحرب على غزة، ليلة أمس، تؤكد الإذاعة العبرية العامة وجود حالة تفاؤل في إسرائيل بأن يتم توقيع الاتفاق. ونقلت الإذاعة عن مصدر سياسي آخر قوله إن قطر أبلغت إسرائيل، حوالي الساعة الحادية عشرة ليلة أمس (بعد انتهاء المؤتمر الصحفي)، أن “حماس” لم توقع بعد الاتفاق، ويبدو أن هذه مسألة داخل “حماس”، وفي ذات الوقت قالت إن قطر ستعلن هذا النهار عن موعد انطلاق الصفقة. وقال إن مسؤولاً كبيراً في “حماس” فقط الذي أشار للساعة العاشرة اليوم الخميس كموعد لانطلاق الصفقة، وإن إسرائيل لم تعلن في أي مرحلة عن انطلاقها، وإنها لم تستلم بعد قائمة بأسماء المنوي الإفراج عنهم من غزة. وحالياً لا توجد هدنة، والقتال داخل القطاع مستمر.
أمور لوجستية
في المقابل، نقلت صحيفة “هآرتس” عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إن التأخير نابعٌ من وجود حاجة لوقت إضافي لاستكمال تفاصيل مكان ومسار كل واحد من المنوي الإفراج عنهم، علاوة على أمور لوجستية تتعلق بنقلهم، وإن التأخير تقني، وليس نتيجة “تفجير مفاوضات، وإن إسرائيل قررت تأجيل تطبيق الصفقة سوية مع مصر وقطر، من أجل تقليص أضرار في إطارها. وقال أيضاً، حسب الصحيفة العبرية، إن حقيقة عدم تلقي إسرائيل بعد قائمة المنوي الإفراج عنهم بالدفعة الأولى ليست مشكلة جدية، لكنها مقلقة إذا لم تحلّ حتى مساء اليوم، الخميس”. فيما قال مصدر آخر للصحيفة ذاتها إنه حسب تقديرات محلية، فإن التأخير ينبع من عدم تحويل “حماس” حتى الآن قائمة بالأسماء، وهي لم توقع الاتفاق بعد مقابل قطر”.
تهديدات جديدة باغتيال قادة “حماس”
ولجانب تقارير إسرائيلية تتحدث عن أسباب تقنية خلف التأخير، نقلت الإذاعة العبرية عن مصدر سياسي إسرائيلي قوله إن هناك مخاوف في إسرائيل بأن رئيس “حماس” داخل القطاع يحيى سنوار يريد المماطلة في إتمام الصفقة، خاصة بعد تهديدات نتنياهو وغالانت بملاحقة قيادة “حماس” بالبث الحي والمباشر، وبلغة استعلائية تقطر عنجهية.
وكان وزير الأمن في حكومة الاحتلال يوآف غالانت قد سُئل عن مكالمة تم رصدها بين خالد مشعل وإسماعيل هنية، أمس، يؤكدان فيها بقاء سيطرة “حماس” في القطاع بعد الحرب، فقال مهدداً: “قولوا لهنية ومشعل، وبقية قادة “حماس”، إنهم يعيشون على زمن مستعار، وإننا سنلاحقهم من أقصى المعمورة إلى أقصاها”.
وبعد دقائق، ودون أن يُسأل حول ذلك، قال نتنياهو من تلقاء نفسه، خلال المؤتمر الصحفي، مفاخراً، إنه أصدر تعليماته للموساد بملاحقة قيادة “حماس”، وبدا وكأنه يتنافس مع غالانت على كسب نقاط.
في المؤتمر الصحفي، الذي بدا فيه نتنياهو وغالانت وغانتس في حالة توتر وانفعال وتعب، وأحياناً إرباك، عادوا وكرّروا التأكيد على أن هدف الحرب القضاء على “حماس”. وبذلك رغبت الثلاثية هذه إيصال رسالة لعدة جهات داخلية وخارجية، تخاطب أوساطاً إسرائيلية واسعة، تشمل وزراء اليمين المتطرف، تخشى وقف الحرب وتحول الهدنة لوقف دائم للنار دون تحقيق الحرب هدفها. ويبدو أن نتنياهو يرسل بذلك رسالة تهديد لـ “حماس” تأتي ضمن تصريحات وأقوال عالية متعجرفة تعويضاً عن فشل في تحقيق مكاسب عسكرية في حرب دخلت يومها الثامن والأربعين، رغم الدمار والنار وارتكاب مذابح بحق المدنيين. ومن غير المستبعد أن تكون تهديدات هذه الثلاثية بمواصلة الحرب رسالة للدول الغربية، بأن إسرائيل ماضية بقوة وتصميم نحو مواصلة الحرب، ورفضها المضمر بالضغوط عليها لإدامة الهدنة، كما تجلى في هوس نتنياهو بالتأكيد المتكرر على ذلك بقوله: “هذا الأمر محفور في قلبي”.
وتتزايد التساؤلات لدى جهات إسرائيلية غير رسمية عن مثل هذه التصريحات والتهديدات: ألم يكن الموساد يتعقب قادة “حماس” من قبل، وحتى الآن؟ ولماذا يبادر نتنياهو لقول ذلك مفاخراً، قبيل إتمام الصفقة، وبلهجة متغطرسة؟
ووجّهَ الجنرال في الاحتياط أمنون سوفرين، مسؤول الاستخبارات السابق في الموساد، انتقادات شبه مباشرة لتصريحات نتنياهو، بقوله لإذاعة الجيش، اليوم، إن الكثير من التصريحات الرسمية الإسرائيلية يخلو من الحكمة. وتساءل؛ ما المنطق بتهديد قادة “حماس” بالاغتيال، وهم الآن في قطر.
وتابع: “بصرف النظر عن موقفنا من قطر، لكنها الآن تقوم بدور الوساطة المهمة لكل الأطراف، فأي منفعة في تهديد قادة “حماس” وهم على أراضيها، وقبيل بدء تطبيق الصفقة؟ هذا يذكر بالسلوك الشعبوي للوزير بن غفير، الذي بادرَ لتشريع قانون إعدام أسرى “حماس” فيما أسرانا في غزة، وهناك أيضاً يمكنهم الرد بالمثل؟”.
المناعة القومية
وشدد سوفرين على حيوية مواصلة المساعي لتنفيذ الصفقة، التي اعتبرها حيوية لإسرائيل.
وهذا ما يؤكد عليه عدد كبير من المراقبين والمسؤولين الإسرائيليين الحاليين والسابقين، ومنهم الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد، رئيس سابق للجناح الأمني السياسي في وزارة الأمن، الذي يقول إنها صفقة جيدة لـ الأمن”.
سيما شاين: إسرائيل موجودة في الحضيض، وبدون مسيرة سياسية لن يقودها أي انتصار عسكري لما تحتاجه
في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، يؤكد غلعاد أن القرار بصفقة تعيد نساء وأطفالاً هي صفقة مركّبة، لكنها مباركة كونها تنطوي على دلالة عظيمة بالنسبة للأمن القومي وللمناعة القومية. ويعلّل موقفه هذا بالقول: “هذا كي يعلم كل إسرائيلي أن إسرائيل ستفعل كل شيء لاستعادته وتخليصه من الأسر. هناك من يعارض الصفقة، بدعوى أنها ستمس بالعملية العسكرية وهي في ذروتها ضد “حماس”. بلغة مؤدبة أقول لهؤلاء هم مخطئون تماماً، بل يمسون بتقاليد يهودية تفيد بضرورة التكافل بين اليهود. ما يتعلق بالأسرى والمفقودين القانون واضح: ما لا تقوم بإتمامه اليوم ربما لا يكون متاحاً غداً”.
وبذلك كان غلعاد يرد على حزب “القوة اليهودية”، برئاسة الوزير بن غفير، الرافض للصفقة، ويعتبرها خطراً على القوات العسكرية داخل القطاع. وهذا اليوم، الخميس، دعا للبقاء هناك باستمرار، وإلا لا يمكن الدفاع عن المستوطنات الحدودية”. ويعبّر غلعاد بذلك عن موقف أوساط واسعة في إسرائيل تخشى من تكرار سيناريو ملّاح الجو الإسرائيلي رون أراد، المفقود في لبنان، منذ 1983.
إسرائيل في الدرك الأسفل
ورغم سلوك القطيع والتغريد ضمن سرب صهيوني واحد، تتزايد الأصوات في إسرائيل، وإن كان بوتيرة بطيئة تؤكد على ضرورة البحث عن حلول سياسية لمسألة غزة وللقضية الفلسطينية.
ويبرز، اليوم، الخميس، تأكيد سيما شاين (شغلت في السابق عدة مناصب: نائبة لرئيس مجلس الأمن القومي، ومسؤولة في الموساد، وفي الاستخبارات العسكرية) على أن “إسرائيل موجودة في الحضيض، بدون مسيرة سياسية لن يقودها أي انتصار عسكري لما تحتاجه هي”.
وتضيف شاين، في مقال نشرته صحيفة “هآرتس”: “إسرائيل في الدرك الأسفل والأخطر، منذ قامت عام 1948. رغم بطولة الجنود والمدنيين والمكاسب في شمال غزة الحالية واللاحقة، فإن الشعور المشترك للإسرائيليين هو انكسار القلب، إهانة، وقلة معرفة باتجاهات التطورات مستقبلاً.. نحن ننتصر، هو شعار قتالي جميل، لكنه ليس صيغة لمستقبل سياسي”.
بالتزامن، هناك مخاوف كبيرة من أن تعمل “حماس” على المماطلة واللعب على أعصاب الإسرائيليين المشدودة، وهذا ما يفسر محاولات الثلاثية الإسرائيلية المذكورة، وغيرها، تحضيرهم لمثل هذه الحالة، والحفاظ على معنوياتهم الهشة، في هذه الساعات الحساسة، وذلك بعدة وسائل، منها التنبّه المسبق لاحتمال التأجيل في اللحظة الأخيرة، وأكثر من مرة.