مأساة الغزيين تتفاقم مع بدء المنخفضات الجوية وهطول الأمطار.. الخيام تتطاير والأطفال يفتقدون الدفء والملابس
عربي تريند_ تتضاعف في هذه الأوقات مأساة سكان قطاع غزة، خاصة النازحين منهم في “مراكز الإيواء”، مع بدء موسم هطول الأمطار، الذي تصاحبه رياح شديدة السرعة والبرودة، بسبب الظروف التي خلقتها الحرب الدامية التي تشنها دولة الاحتلال.
فكثير من الظروف الحياتية تبدلت قسراً بسبب الحرب، وأبرزها نزوح 1.7 مليون نسمة قسراً، وغالبيتهم من مناطق مدينة غزة والشمال، من العدد الإجمالي لسكان القطاع، والمقدّر بأكثر من 2.3 مليون، إلى مناطق وسط وجنوب القطاع، والمعروفة حسب التصنيف الإسرائيلي بـ “مناطق جنوب وادي غزة”، ليقيموا إما في “مراكز الإيواء”، وهي بالأصل مدارس غير مخصصة لهذه المهمات، أو في باحات المشافي، أو في منازل أقارب وأصدقاء، أو أسفل بعض البنايات، وبعضهم اضطر للنزوح إلى محال تجارية أغلقت بسبب ظروف الحرب.
مأساة مراكز الإيواء
وقد نزح الغالبية بناءً على أمر عسكري إسرائيلي، وفق خطة إخلاء تلك المناطق كاملة، حيث لا تزال العملية قائمة حتى اللحظة، بوصول آلاف النازحين يومياً من تلك المناطق إلى “جنوب الوادي”، بعد أن أوقفت سلطات الاحتلال كل مظاهر الحياة هناك بالكامل، بمنعها وصول أي إمدادات من الطعام أو المياه أو الدواء، فيما نزح آخرون إليها من نفس المناطق، بسبب غارات جوية إسرائيلية دمرت منازلهم، أو أدّت إلى تضرّرها بشكل بليغ جَعَلَها لا تصلح للسكن.
وفي “مراكز الإيواء”، وكذلك في ساحات المشافي، كانت المأساة الأكبر، مع بدء موسم هطول الأمطار الغزيرة، ويعود ذلك لوجود خيام بلاستيكية، أقامها النازحون في ساحات تلك المناطق، لعدم ملاءمة تلك المناطق مع العدد الكبير من النازحين.
ويقول المشرفون على “مراكز الإيواء” إن المركز الواحد المخصص لإيواء أكثر بقليل من 300 شخص في أحسن الأحوال، بات يستوعب حالياً من ستة إلى ثمانية آلاف، بسبب استمرار عملية النزوح، ما اضطر كثيراً من العائلات لضيق المكان لإقامة خيام للمبيت في الساحات، وهو أمر انتهجه النازحون في المشافي، لعدم وجود أماكن لهم في أروقة وساحات المشافي الداخلية.
ومع بداية المنخفض الجوي الحالي، وهو الأكثر برودة وأمطاراً منذ بداية الموسم، وتخلّله اشتداد سرعة الرياح، تطايرت غالبية خيام النازحين، سواء الموجودة في “مراكز الإيواء” أو في ساحات المشافي، فيما غمرت المياه الخيام المتبقية، وجعلتها لا تصلح للسكن.
وبسب ظروف الحرب، تقيم عوائل عددها يفوق الـ 10 أفراد داخل خيمة واحدة، في أحسن الأحوال يكون طولها ثلاثة أمتار بعرض مترين، ما اضطر هذه العوائل للدخول إلى الغرف الفصلية المسقوفة، والتي بالأصل تعاني من ازدحام كبير جداً، إذ يقول النازحون إن تلك الغرف أيضاً كانت قبل المنخفض تؤوي الواحدة منها أكثر من سبع عوائل، وأحياناً أكثر من ذلك.
تطاير الخيام
ويقول ماهر غانم، أحد أرباب الأسر النازحة، والمقيم مع أسرته في “مركز إيواء”، في وسط قطاع غزة، إن الخيام البلاستيكية، أو تلك التي صنعها المقيمون هناك من بعض الأقمشة، انهارت بالكامل مع بداية هبوب الرياح، ما أجبر من كانوا يبيتون بداخلها للانتقال إلى الفصول، وهو ما جعل الجميع في الليلة الأولى لا يجد مكاناً للنوم، مشيراً إلى أن كثيرين غالبهم النعاس، وأمضوا وقتاً قصيراً من النوم وهم جالسين، فيما نام الأطفال الصغار في أحضان آبائهم وأمهاتهم.
وأشار إلى أن الوضع أصبح صعباً مع بداية هطول المطر، أكثر مما كان عليه سابقاً، وقد تحدث هذا الرجل لـ “القدس العربي” أيضاً، عن شعور الجميع في المراكز بالبرد الشديد، بسبب قلة الملابس والأغطية الشتوية، ويوضح أن ضيق المكان دفَعَ بالمقيمين في المركز للجلوس بشكل ملتصق، ووضع ما توفر من بطانيات على أجسادهم على أمل الشعور بالدفء، لافتاً إلى أن الأطفال بكوا طوال الليل بسبب شعورهم بالبرد الشديد.
والمعروف أن العوائل النازحة من غزة والشمال، أو تلك التي دمرت منازلها في مناطق “مراكز الإيواء”، نزحت جميعاً، بما يغطي أجسادها من ملابس فقط.
والعوائل القادمة من غزة والشمال، التي تضطر لقطع مسافة طويلة مشياً على الأقدام، في المقطع الذي تضع فيه قوات الاحتلال دباباتها على جانبي طريق صلاح الدين، لا تستطيع حمل أي متاع، كما أن من بينها عوائل دمرت منازلها، فاحترقت ملابسها أو مزقت من شدة الانفجارات، كما حال العوائل النازحة من المناطق القريبة من “مراكز الإيواء”.
أطفل يواجهون البرد بملابس صيفية
وقابلت “القدس العربي” أطفالاً أمام أحد “مراكز الإيواء” في شرق مخيم النصيرات، وقد ارتدوا ملابس خفيفة جداً، وحين سألت والدتهم عن السبب، أشارت إلى أن خروجها من المنزل والنزوح الإجباري، كان أمراً مفاجئاً، حيث تعرض الحي الذي تقطنه شرق مدينة غزة للقصف، في منتصف شهر أكتوبر، ووقتها كان أطفالها بلباس صيفي، يلائم درجات الحرارة في ذلك الوقت.
وتقول تلك السيدة إنها لم تكن تتوقع أن تطول مدة الحرب بهذا الشكل، وإنها اعتقدت كغيرها أنها ستعود لمنزلها بعد أسبوع، غير أنها تفاجأت بالواقع.
وتوضح أيضاً أن المساعدات التي تقدم لهم، والتي اشتملت على بعض الأطعمة والقليل من البطانيات، لا تشمل أي ملابس شتوية، وأنها بالكاد تدبّرت أمرها لعدم امتلاك أسرتها النقود. اقتنت بعضاً من الملابس لا تكفي كل أطفالها من عوائل قريبة، ومن سوق البالة، الذي يبيع ملابس مستخدمة بأسعار قليلة.
وتؤكد أن الوضع في “مركز الإيواء” بات صعباً للغاية، وقالت بلهجتها العامية: “شو بدنا نعمل، وشو بدو يصير فينا كمان، الأولاد بدهم يتدفوا”.
وفي مراكز الإيواء لا يوجد أي أجهزة للتدفئة، كما لا يوجد أي نوع من وسائل تجهيز الطعام، ما يضطر السكان لإشعال النار عند أسوار تلك المراكز الخارجية، لتجهيز الطعام المطبوخ وخبز بعض الأرغفة، لإطعام أطفالهم، على أمل الشعور بشيء من الدفء.
وهذه الأطعمة التي تطهى خارج المراكز، يقوم النازحون بشرائها من الأسواق، إذ تكتفي “الأونروا” بتوزيع معلبات وأجبان على النازحين فقط.
وقابلت “القدس العربي” أسرة وصلت لتوّها من شمال مدينة غزة، وتبحث عن مكان للإقامة في “مركز الإيواء”، وتضم أربعة رجال وثلاث نساء وعدداً من الأطفال، غير أن رب الأسرة، وهو رجل في منتصف العقد السادس، قال بعد أن شاهد الاكتظاظ الكبير في المركز، إنه سيبحث عن ساحة عامة للإقامة فيها، أو في ظل أحد البنايات، حيث يرى أن الإقامة في هذه الأماكن لا يختلف كثيراً عن “مراكز الإيواء” الممتلئة فوق طاقتها.
وبما يدلّل على المأساة الجديدة، كانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، التي تدير “مراكز الإيواء”، تتحدث قبل هطول المطر عن أوضاع حياتية صعبة يعيشها النازحون هناك.
وتقول “الأونروا” إن مراكزها تؤوي ما يقرب من 884,000 نازح، يقيمون في 154 منشأة تابعة لها، في كافة محافظات قطاع غزة الخمس، بما في ذلك في الشمال، من بينهم حوالي 724,000 نازح في 97 منشأة في مناطق الوسط وخان يونس ورفح.
ووفق “الأونروا” فإن عدد النازحين لا يزال في ازدياد، وتؤكد أن ملاجئها في المناطق الوسطى والجنوبية مكتظة للغاية، وغير قادرة على استيعاب الوافدين الجدد.
وقالت، في بيان لها: “تستوعب المنشآت عدداً أكبر بكثير من قدرتها. وهي ليست مصممة لاستضافة هذا العدد الكبير من الناس، وليس لديها مرافق كافية لتوفير ظروف معيشية آمنة وكريمة”.
غذاء غير كاف
وتوضح أن الأشخاص الموجودين داخل الملاجئ ليس لديهم ما يكفي من غذاء ومستلزمات البقاء الأساسية، وتشير أيضاً إلى أن الاكتظاظ المفرط يؤدي لانتشار كبير للأمراض، بما في ذلك أمراض الجهاز التنفسي الحادة والإسهال، مثلما يثير قضايا بيئية وصحية، ويحدّ من قدراتها على ضمان تقديم الخدمات.
ومن شأن هذه الأوضاع الحياتية أن تساهم في انتشار الأمراض بشكل خطير، وأن تضاعف من الأوضاع الصحية الخطرة التي يعاني منها أصحاب الأمراض المزمنة.
ولذلك كانت المتحدثة باسم الصحة العالمية قد عبّرت عن قلق المنظمة على حياة النازحين في قطاع غزة، وقالت: “إذا لم تقتل القنابل الناس في غزة، فإن الأمراض ستفعل ذلك”.
هذا وقد تطاير الكثير من الخيام التي أقامها النازحون في ساحة مشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، واضطر هؤلاء المواطنون، وبينهم أطفال، للانتقال إلى داخل أروقة المشفى المكتظ بالنازحين والمرضى والمصابين، فيما اضطر من لم يجد له مكاناً، للاحتماء من المطر أسفل مباني المشفى، وبقي يواجه برودة الجو والرياح.
ولا يختلف الوضع كثيراً عند باقي سكان قطاع غزة، حتى من لم يتركوا منازلهم، فظروف الحرب الجديدة، أجبرتهم في فصل الشتاء البارد، على الاستمرار بذات الطريقة التي كانوا يعيشونها في فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة.
فتح النوافذ في الشتاء إجباري
وهؤلاء السكان مقسمون لقسمين، الأول، وهم كثر، تحطمت نوافذ منازلهم الزجاجية بسبب غارات إسرائيلية قريبة، فلم تعد تقيهم من البرد، أو من تسرّب مياه الأمطار، والقسم الثاني يضطر مجبراً لفتح النوافذ كما الباقين، لخشيتهم من وقوع غارات إسرائيلية قريبة، حيث يساهم فتح النوافذ أحياناً على عدم تحطّم الزجاج.
ويخشى هؤلاء من إصابتهم بجروح غائرة أو فقدانهم الحياة، بسبب شظايا الزجاج المتطاير، أو من انهيار النوافذ فوق رؤوسهم، حال لم كانت مغلقة بالكامل.
ويؤكد هؤلاء السكان أنهم مجبرون على هذا النهج الحياتي الجديد، وأبدوا قلقهم مع اشتداد برودة الجو في قادم الأيام، خاصة أنهم أمضوا الليلة الأولى من المنخفض وهو يشعرون ببرد شديد.
ويقول علاء حمد إن الشعور بالبرد ليلاً يكون أكثر من ساعات النهار، التي يكون فيها حركة أكثر، ويستطيع أن يشعل أحياناً النار بغرض الطهي والخبز واستغلالها في عملية التدفئة، فيما يكون هذا الأمر غير متاح له ليلاً، خشية من وقوع حريق وأفراد أسرته نيام، تسبّبه الرياح القوية التي تدخل منزله من النوافذ المفتوحة.
وتتضاعف المأساة التي يعيشها سكان قطاع غزة، فيما لا يزال المجتمع الدولي يسجل فشلاً ذريعاً في إجبار إسرائيل على وقف حربها الدامية ضد السكان، والتي راح ضحيتها حتى اللحظة أكثر من 12 ألف فلسطيني، النسبة الأكبر منهم من الأطفال والنساء.
وقد أكدت وزارة الخارجية الفلسطينية أن فشل مجلس الأمن الدولي في وقف الحرب على قطاع غزة “يشجع الجانب الإسرائيلي على مواصلة وتصعيد ارتكاب الجرائم بحق المدنيين، بل ويصبح أكثر جرأة في استكمال حلقات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي”.