الصفقة المفقودة.. تزايد الضغوط الإسرائيلية لإتمامها قبل فوات الأوان
في اليوم الرابع والأربعين للحرب على غزة، وبعد تقارير متتالية ومتناقضة، تبدو صورة اتفاق تبادل الأسرى والهدنة بين حكومة الاحتلال و”حماس” ضبابية، مثلما هو الحال في الصورة العملياتية على الأرض، لكن الواضح أن إسرائيل تشهد انقساماً ونقاشاً متفاقماً حول سؤال أي صفقة الأفضل، متى، وكيف، وغيرها من الأسئلة.
وحسب تقارير وتسريبات إسرائيلية، هناك انقسام داخل المجلس الوزاري المصغّر حول الصفقة، بين من يقول (غانتس وايزنكوت ودرعي) إنه ينبغي أخذ ما أمكن، والآن، ومَن يقول إنه ينبغي وضع خطوط حمر وشروط، منها زيادة عدد المحتجزين في الدفعة الأولى، لتشمل كل النساء والأطفال الإسرائيليين المحتجزين (نتنياهو، غالانت وهليفي ومندوبو المؤسسة الأمنية). وتجلى التباين بين نتنياهو وغالانت من جهة، وغانتس من جهة أخرى، عندما قال الأخير إنه يرى بالإفراج عن المخطوفين هدفاً لا يقل عن تدمير “حماس”، بل قال إنه يفضّل استعادة هؤلاء على مواصلة الحرب من أجل كسر “حماس”.
نتنياهو: بدون تلبية المطالب الأمريكية سنفقد الشرعية الدولية للحرب، لن نتمكّن من تحقيق أهدافها
في المؤتمر الصحفي بمشاركة غانتس وغالانت ونتنياهو (كافتهم يواصلون ارتداء القمصان السوداء في رسالة تقرّب من الجمهور، وربما بثّ شعور بالقوة)، قال الأخير إن الحرب لها ثلاثة أهداف؛ الأول تدمير “حماس” ونزع قدراتها العسكرية والسلطوية، والثاني استعادة المخطوفين، والهدف الثالث تغيير واقع الحال داخل قطاع غزة بحيث لا تشكّل تهديداً بعد على سكان مستوطنات غلاف غزة.
من جهته، قال نتنياهو، في المؤتمر الصحفي ليلة أمس: “إننا نريد استعادة المخطوفين، ونبذل أقصى المساعي للإفراج عن أكبر عدد ممكن منهم، حتى وإن كان ذلك على مراحل. ومع ذلك، قال نتنياهو، أمس، إنه حتى هذه اللحظة لا توجد صفقة، لافتاً لوجود شائعات وتقارير مغلوطة كثيرة جداً، وتابعَ، مخاطباً عائلات المحتجزين: “أعدكم أنه عندما يكون عندنا ما نقوله سنبلغكم”.
البيت الأبيض ينفي
وكان “البيت الأبيض” قد نفى، اليوم، ما نشرته صحيفة “واشنطن بوست” حول صفقة بين إسرائيل وبين “حماس”، وهي تشمل إطلاق سراح على الأقل 50 من المحتجزين الإسرائيليين في غزة، يتم الإفراج عنهم بمجموعات صغيرة في كل واحد من خمسة أيام هدنة تشملها الصفقة. وحسب الصحيفة الأمريكية تمت كتابة نص الاتفاق المزعوم في ست صفحات تحتوي تفاصيله، وهي تنقل عن مصادر محجوبة الهوية قولها إن الاتفاق ليس نهائياً بعد، لكنه سيخرج لحيّز التنفيذ خلال يومين، إذا لم تحصل معوقات في اللحظة الأخيرة.
وبعد النفي الأمريكي الرسمي عدّلت الصحيفة عنوانها بالإشارة لقرب صفقة تبادل تشمل أيضاً الإفراج عن مجموعة نساء وأطفال فلسطينيين داخل الأسر الإسرائيلي. كما توضح “واشنطن بوست” أن “جَمْعَ المعلومات الاستخباراتية” الإسرائيلية سيستمر خلال مدة الهدنة، لمراقبة ما يجري على الأرض، لكن “حماس” عارضت ذلك.
وسارعَ البيت الأبيض للتوضيح، أو النفي عملياً لما أوردته صحيفة “واشنطن بوست”، مؤكداً أنه لم يُنْجَز بعد اتفاق، كما جاء على لسان الناطقة بلسان مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان ووستون، التي قالت إن الولايات المتحدة تواصل العمل الصعب من أجل تحقيقه.
الحملة البرية تبعد الصفقة لا تقربها
في التزامن، تواصل عائلات المحتجزين الإسرائيليين تصعيد احتجاجاتها والضغط على الحكومة، بعدما استجابوا للسلطات الرسمية والتزموا الصمت، ولكنهم باتوا اليوم يرفضون المزاعم بأن توغّل الحملة البرية تخدم الهدفين إسقاط “حماس” والإفراج عن المحتجزين. وفي يوم واحد، أمس، تظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين في تل أبيب وفي القدس مطالبين بـاستعادة المحتجزين الآن، ودون تأجيل. وقبل ذلك وصلت مسيرة جماهيرية صامتة من تل أبيب للقدس بعد ثلاثة أيام لذات الهدف.
وقالة مراسلة موقع “واينت” إن المسيرة الصامتة، التي رفعت فيها صور المحتجزين، كانت حزينة جداً وموجعة، وكأنها موكب جنائزي لا ينتهي، وقد بكى الكثير من المشاركين في المسيرة.
وامتنع أعضاء “الكابنيت” الإسرائيلي عن تلبية دعوة عائلات المحتجزين للمشاركة في المسيرة، عدا الوزيرين بيني غانتس وغادي ايزنكوت. ومن المتوقع أن يلتقي نتنياهو وغالانت مع مندوبي العائلات، اليوم، أو غداً الإثنين.
وعبّرت سيدة إسرائيلية تدعى أورين غانتس، ابنتها محتجزة في غزة، عن غضب العائلات من تهرّب “الكابنيت” من الاجتماع مع ذوي المحتجزين، ومن عدم إطلاعهم على تطور المداولات حول الصفقة المفقودة.
في حديث للإذاعة العبرية العامة، أكدت غانتس إن العائلات باتت تشكّك في الروية الإسرائيلية الرسمية، وتدرك أن هناك تناقضاً بين التوغّل البري والهدف المعلن باستعادتهم، محذرّة من أن استمرار القصف سيبعد احتمالات إنجاز صفقة، بعكس مزاعم الحكومة، وإنه يعرض حياتهم للخطر. وحول ما دار في الاجتماع بين مندوبي العائلات وبني غانتس، أمس، قالت: “قال غانتس لنا صراحة إنهم يفعلون ما بوسعهم، وإن الجيش لن يترك القطاع إلا بعودة آخر المخطوفين، وهذا أشاع بنا بعض الأمل، فنحن مسكونون بالخوف من بقاء أعزائنا داخل القطاع بعد انتهاء الحرب، ونريد أن نسمع ذلك من نتنياهو أيضاً غداً”.
انقسام إسرائيلي داخلي
وعلى غرار الكابنيت، يبدو الشارع الإسرائيلي منقسماً حيال الصفقة المفقودة، بين من يؤيد استعادة المحتجزين الآن، حتى لو كان الثمن باهظاً، بما في ذلك تفريغ السجون الإسرائيلية من الأسرى، بحال عرضت صفقة “الكل مقابل الكل”، معلّلين ذلك بالقول إن إهمال هؤلاء يعني أن الدولة فشلت مرتين، يوم لم توفّر الحماية لهم، في السابع من أكتوبر، وفي المرة الثانية يوم تركتهم ومصيرهم داخل القطاع، محذّرين من إسقاطات ذلك على الثقة بالدولة وبقدراتها ومستقبل البقاء فيها، علاوة على الحاجة الإنسانية بوقف جحيم المحتجزين وعائلاتهم.
في المقابل، هناك أوساط إسرائيلية تشاركها جهات إعلامية عبرية، تسعى بطرق شتى لتقزيم قضية المحتجزين، أو جعلها تحتل مرتبة متدنيّة في سلّم الأولويات القومي، وهي ترى أن الهدف الأول ينبغي أن يبقى تدمير “حماس”، وتحذّر من أن الهدنة من شأنها منح المقاومة الفلسطينية وجبة أوكسجين، وفرصة لترتيب أوراقها والتقاط أنفاسها، مثلما تخشى أن تتحول الهدنة لوقف كامل للنار بضغط دولي خارجي.
غانتس قال إنه يرى بالإفراج عن المخطوفين هدفاً لا يقلّ عن تدمير “حماس”، بل يفضّل استعادتهم على مواصلة الحرب من أجل كسر “حماس”
قطرة وقود
وتدعو صحيفة “هآرتس” للعمل للإفراج عن المحتجزين الآن ودون تأجيل، ومن خلال صفقة، منوهة لعدم وجود فرصة لاستعادتهم عنوة وبعملية عسكرية.
في المقابل، تعارض جهات إسرائيلية، منها وسائل إعلام أبرزها القناة 14 العبرية، مثل هذه الصفقة، خاصة إذا لم تشمل كل النساء والأطفال، وإذا ما شملت كمية كبيرة من الوقود وأياماً طويلة من الهدنة. وعلى هذه الخلفية كانت مسألة إدخال كمية قليلة جداً من الوقود قد أثارت ضجة واسعة، وعارضها عدد من الوزراء، أمثال سموتريتش وبن غفير، ما دفع نتنياهو لمحاولات متكررة، أمس، لتبرير ذلك، رغم تصريحات سابقة أكدت رفض إدخال قطرة وقود، بقوله إن مجلس الحرب استجاب بذلك لطلب المؤسسة الأمنية التي تريد تلبية طلب أمريكي كي لا تحدث كارثة إنسانية، وانتشار أوبئة، نتيجة تعطّل أجهزة تحلية المياه، وتصريف المياه العادمة في جنوب القطاع.
وعن ذلك قال نتنياهو، أمس: “بدون تلبية المطالب الأمريكية، التي أوصت بها مؤسستنا الأمنية، سنفقد الشرعية الدولية للحرب، وبدونها لن نتمكّن من تحقيق أهدافها”، مكرراً الأهداف الثلاثة للحرب.
الأسئلة التي تتهرب منها الحكومة
بيد أنه، وبعد 44 يوماً من الحرب على غزة، تتزايد الأسئلة الإسرائيلية حول مستقبلها وجدواها واحتمالاتها، وقال المعلق السياسي البارز في صحيفة “يديعوت أحرونوت” شيمعون شيفر، اليوم، إنه بعد 44 يوماً، حان الوقت لأن يجيب صنّاع القرار على أسئلة يتهربون منها. متسائلاً: ما هي أهداف الحرب؟ متى نعلم أن حكم سنوار قد حسم؟ ماذا سيحدث بعد الحرب، وكيف ننجح بعدم الغرق في مستنقع غزة؟
وتابع: “بكلمات أخرى؛ متى نعلم أننا محميّون مجدداً؟ هل لدينا من يفكر خارج الصندوق، وضد اتجاه الريح؟ فقد سبق أن قال تشرتشل، خلال حرب العالمية الثانية، إن الطيور تحلق عالياً عندما تطير بعكس الريح. عندنا يعدون عدد القتلى في غزة، ويحددون المناطق التي تم تسويتها بالأرض، لكن للأسف لا نرى الأفق”.
ويضم شيفر صوته للجهات المتزايد عددها وحجمها، وتدعو لاستعادة المحتجزين فوراً ودون تأجيل، بقوله، في مقاله اليوم بعنوان “لا خيار إلا الموافقة”: “علينا بصفقة الكل مقابل الكل، رغم الثمن الباهظ، واحتمال إطلاق سراح أسرى فلسطينيين سيعاودون محاولة المساس بنا مستقبلاً”. كما يقول شيفر إن معضلة صنّاع القرار الإسرائيليين: إعطاء كل شيء مقابل استعادة المخطوفين، أو العض على النواجذ ومواصلة المعركة، وأنا، كما قلت من قبل، أعتقد أنه على الكابنيت أن يعطي كل شيء مقابل الإفراج عن المخطوفين، في الأساس لأن المسؤولية عن وقوعهم بالأسر ملقاة على كاهل الدولة بشكل مطلق، ولا غفران على ذلك، وبعد نهاية الحرب لا بدّ من إسقاط نتنياهو وحكومته، وبدون هذا لن تكون عملية استشفاء وترميم”.
وتبعه مقدم برامج إخبارية بارز في إذاعة الجيش، روني تسرور، الذي قال، اليوم، إنه من واجب إسرائيل بكل المقاييس استعادة المحتجزين، محذراً من تجربة متكررة لملاح الجو الإسرائيلي رون أراد، المفقود منذ سقطت طائرته في لبنان، عام 1983.
يشار إلى أن زميلهما المعلق البارز ناحوم برنياع قد قال، في الأسبوع الماضي، إنه قد كُشف أن نتنياهو ألغى اتفاقاً مع “حماس” بوساطة قطرية أمريكية بعدما خاف من تبعاتها على مستقبل الحرب وعلى مستقبل حكومته. ويبدو أن مهاجمة المستشفيات قد بحثت عن تحقيق عدة غايات (شيطنة “حماس”، بالزعم أنها عسكرت المستشفى، والنيل من رمز سلطوي، وغيره) منها يظهر اليوم الرغبة بالحصول على المحتجزين، أو معلومات استخباراتية خاصة بهم، توفر فرصة لمحاولة استعادتهم بدون صفقة، كما حاولت إسرائيل في الماضي عدة مرات، تخللتها عمليات قتل لمحتجزين إسرائيليين أيضاً.