نائب فرنسي في البرلمان الأوروبي: من دون اعتراف بدولة فلسطينية لن تتوقف دورة الموت أبدًا
في مقال رأي نَشَرَه بصحيفة “لوموند” الفرنسية، اعتبر رافائيل غلوغسمان، النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي عن مجموعة التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين (S&D)، أن الإعلان عن “الفظائع” التي ارتكبتها “حماس” يجب أن يكون شرطاً أساسياً لأي نقاش، وقول أشياء بسيطة وأساسية كهذه بوضوح، وبدون “لكن”، لا يعني تجاهل السياق التاريخي والسياسي الذي وقعت فيه هذه الفظائع، ولا يعني التعتيم على المسؤوليات الهائلة التي تتحملها حكومة نتنياهو، كما أنه لا يصل إلى مستوى تجاهل المسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتق حكومة نتنياهو، ولا تجاهل الاستيطان في الضفة الغربية، أو التقليل من الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي والمستوطنون. إن قول هذا يعني إظهار الحد الأدنى غير القابل للضغط من الإنسانية، والذي بدونه لا يمكن إجراء أي نقاش سياسي حقيقي.
وأضاف النائب البرلماني الاشتراكي الفرنسي القول إن قول هذا- إذا استرشدنا بالبحث عن الدقة الذي يجب أن يسكننا في هذه اللحظات المأساوية بالذات حيث يسود الغضب المتصاعد الذي يهدد بأن يجعلنا ننسى أن الآخر وحقوقه ومعاناته موجودة– يجب أن يقودنا أيضًا إلى التأكيد أن أي عقاب جماعي للمدنيين الفلسطينيين أمر غير مقبول، والإعراب عن تعاطفنا مع آلاف القتلى المدنيين في غزة- وكثير منهم أطفال- وأن نرفض القصف العشوائي ووضع الشعب تحت الحصار، ونعترف بجدية بأنه لا يمكن لأي عالم أن يولد من تحول المدارس أو المساجد إلى رماد، ومن فراغ المنظور السياسي الذي حافظت عليه إسرائيل لسنوات.
غلوغسمان: الدروس المستفادة من الهجمات السابقة ضد المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم تشير إلى تفاهة الرد العسكري البحت
ويتابع رافائيل غلوغسمان: علينا أيضاً القول بأن إسرائيل والعالم كله تقريباً راهنوا على تعب الفلسطينيين ونسيانهم التدريجي، إيماناً منهم باستدامة الوضع الراهن غير الواقعي وغير العادل..
وينبغي أن يقال أيضاً إن الدروس المستفادة من الهجمات السابقة ضد المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم تشير إلى تفاهة الرد العسكري البحت.
تجنب العودة إلى العدم السياسي
واعتبر النائب في البرلمان الأوروبي أن هناك طريقتين، اليوم، تم رسمهما بوضوح: الأول، يتمثل في تكثيف العمليات العسكرية دون منظور سياسي، ودخول الجيش الإسرائيلي إلى غزة، والتقدم البطيء والقاتل في الأزقة المتعرجة وتراكم الأنقاض والقتلى، ثم الانسحاب– عندما تعتبر العملية كافية، أو عندما تصبح العاطفة العالمية في مواجهة الضحايا الفلسطينيين الكثر قوية للغاية– بحيث لا يمكن العودة بعد ذلك إلى العدم السياسي.
وأضاف رافائيل غلوغسمان أنه يراهن دون التعرض لخطر الوقوع في الخطأ على أن قادة “حماس”، الذين يعرفون عدوهم جيدًا، والذين يعرفونه بلا شك أفضل مما يعرفهم هو، على الرغم من كل تفوقه التكنولوجي، توقعوا هذا الرد من خلال قيامهم بهجوم السابع من كتوبر، وأنهم يأملون في أن ينتهي الأمر إلى هز دول الجوار التي اختارت التطبيع مع إسرائيل.
أما المسار الثاني، فهو طريق الحرب ضد ”الإرهاب”، والكفاح من أجل السلام، حيث يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يساعد في رسمه. يفترض هذا المسار أن يأخذ قادة التكتل الأوروبي على محمل الجد “الإرهاب” الذي يضرب إسرائيل في قلبها، والسلام الذي جعلته الحكومة الإسرائيلية مستحيلاً حتى الآن، وأن يفهموا إلى أي مدى يرتبط الأمران. لا يمكن أن يكون هناك سلام مع “الإرهابيين” الذين يريدون الحرب فقط، ولكن لن يتمكن أحد من هزيمة “الإرهاب” بشكل مستدام دون احتمال السلام والحرية للشعب الفلسطيني، يشدد رافائيل غلوغسمان.
ومضى النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي إلى القول إن التعامل مع التهديد الذي تفرضه “حماس” على محمل الجد يتطلب تفعيل كل الأدوات المتاحة لإضعاف وتجفيف هذه المنظمة التي تم تصنيفها كمنظمة إرهابية في أوروبا منذ عام2003 ، وبدلاً من إضافة المزيد من المعاناة إلى المدنيين الفلسطينيين، يتعيّن على زعماء أوروبا أن يناقشوا الضغوط التي ينبغي فرضها على المصرفيين ورعاة “الإرهابيين”.
نحو دولة فلسطينية حرة وقابلة للحياة
واعتبر رافائيل غلوغسمان أنه بدون أموال وأسلحة النظام الإيراني لم تكن “حماس” قادرة على شن عملية مثل تلك التي جرت في السابع من أكتوبر. وهذا النظام هو اليوم مهندس “الإرهاب” في المنطقة، ومنظمة “الحرس الثوري” هي جناحه المسلح في إيران وسوريا ولبنان وفلسطين. وأوضح الكاتب أنه طلب من البرلمان الأوروبي، منذ أشهر، إدراج “الحرس الثوري” على قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية. لكن الدول الأعضاء تعرقل، ولا شيء يتقدم للأمام.
غلوغسمان: إسرائيل والعالم كله تقريباً راهنوا على تعب الفلسطينيين ونسيانهم التدريجي
وشدد رافائيل غلوغسمان على أنه يتعين على الأوروبيين إدراك الحقيقة البسيطة أنه بدون خارطة طريق ذات مصداقية نحو الاعتراف بدولة فلسطينية حرة وقابلة للحياة، وبدون التخلي عن الاستعمار والاستيطان، الذي يجعل من الأمر مسألة مستحيلة بحكم الأمر الواقع، لن تتوقف دورة الموت أبدًا. ويجب أن يكون هذا المنظور جزءاً لا يتجزأ من الحرب ضد الإرهاب، على حد قول الكاتب.
ورأى النائب في البرلمان الأوروبي أن الحكومات الأوروبية لا تستطيع أن تطلب من إسرائيل ألا تفعل شيئاً: فما هي الدولة التي يمكن أن تسمح بذبح مواطنيها دون أن تبدي أي رد فعل؟ يتساءل رافائيل غلوغسمان، معتبراً أنه يمكن للحكومات الأوروبية أن تقترح عقد سلام “لمكافحة الإرهاب”: إطلاق سراح جميع الرهائن، ووقف إطلاق النار، واستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية للتوصل إلى حل سياسي، وتفكيك “حماس”، مع تجريد القطاع من السلاح ووضع غزة تحت المراقبة الدولية.
غير أن هذا المسار يبدو غير واقعي اليوم، ولكن ما يسمى بالخيار “الواقعي” حتى الآن -الوضع الراهن وعدم اهتمام العالم به- لم يعد ممكناً. أما المسار الآخر، والأكثر ترجيحاً، فهو القفزة الجماعية إلى الهاوية، يقول رافائيل غلوغسمان.