إيكونوميست: مواقف متباينة في العالم العربي من حرب غزة.. دعم شعبي وقلق على المستوى الرسمي
عربي تريند_ نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا حول رد الشارع العربي على الحرب الدائرة في غزة، وقالت إن الغارة الجوية على المستشفى الأهلي العربي في غزة (المعمداني) والتي قتل فيها المئات، أشعلت المشاعر في العالم العربي من الأردن إلى الضفة الغربية وحتى تونس.
وفي فورة الغضب على هذه المشاهد التي نقلتها شبكات التلفزة العربية خاصة الجزيرة، لم يعد هناك اهتمام لما قدمته إسرائيل من ادعاءات للتهرب من المجزرة، والتي تبناها الرئيس الأمريكي جو بايدن.
لكن الكارثة أشعلت غضبا في الضفة الغربية وعمّان وحتى العاصمة التونسية. وتقول المجلة إنه من الصعب التعميم حول “العالم العربي” الذي يعيش فيه 450 مليون نسمة، ويمتد على مساحة ملايين الكيلومترات، لكن من الصواب القول إن معظم العرب لا يزالون يتعاطفون مع القضية الفلسطينية. فتهجير الفلسطينيين لا يزال حدثا سياسيا زلزاليا في الشرق الأوسط، ويحشد الغضب الشعبي والاحتجاج أكثر من أي شيء آخر.
والحرب بين إسرائيل وحماس في يومها الـ12، ليست مختلفة، ويتم تغطيتها على مدار الساعة في أخبار التلفزة، وتناقش بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي. ومقارنة مع الحرب التي استمرت خمسين يوما في 2014، فهناك اختلاف قليل. أحدها جيوسياسي ويتعلق بالتطبيع العربي مع إسرائيل، حيث أقامت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب علاقات مع إسرائيل عُرفت باتفاقيات أبراهام، إلى جانب مصر والأردن. في وقت كانت هناك مبادرة أمريكية لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
وقد غيّرت الطريقة التي يقوم فيها الإعلام العربي بتغطية الحرب، مواقف الناس. فقناة الجزيرة، أعطت أصوات حماس مساحة، مقارنة مع القنوات السعودية والإماراتية التي تمشي بحذر ولا يُسمح لها بأن تقابل أصواتا داعمة لحماس أو قادتها، في وقت تعطي المتحدثين بالعربية من اليهود الإسرائيليين فرصة وتستضيفهم بشكل مستمر. كما أن هناك نقاشا حول المصطلحات، فهي لم تعد تستخدم مصطلح “جيش الإحتلال” واستبدلته بالجيش الإسرائيلي.
أما الفرق الثاني، فهو أن الحرب تحمل هذه المرة مخاوف من التوسع الإقليمي، مقارنة مع حرب 2014 التي انحصرت في الأرض المقدسة، وعقّدت النقاش، على الأقل بالنسبة للدول القريبة من إسرائيل. ففي حالة مصر، حثت الولايات المتحدة ودول عربية على فتح معبر رفح الحدودي، وهو المعبر الوحيد المتوفر لغزة إلى العالم الخارجي، لكن قطاعا واسعا من المصريين مصمم على ضرورة مقاومة بلدهم الضغوط المفروضة عليها.
وقال المعلق المؤيد للحكومة إبراهيم عيسى: “لماذا تريد فرض الحرب علي؟”، وهي رسالة موجهة لحماس، مضيفا: “تريدون منا المخاطرة بمئة مليون مصري من أجلكم؟”، وأطلق معلقون نفس التصريحات.
ونفس الخطاب حاضر في لبنان، الذي يعيش سنته الرابعة من أسوأ أزمة اقتصادية، وهناك مخاوف من أن يفتح حزب الله جبهة مع جديدة مع إسرائيل، بشكل يجر البلد إلى حرب مدمرة أخرى كما في 2006. وكتبت الصحافية ديما صادق: “لا تأخذونا للجحيم”، حيث تدعم الفلسطينيين ولكنها ناقدة لحزب الله.
ويمكن الحديث عن تحول آخر، وهو أن العالم العربي مستقطب اليوم، فالكثير من السوريين يشعرون بالرعب من مشاهد الحصار في غزة والتي تذكرهم بأساليب بشار الأسد. لكنهم، كما تزعم المجلة لا يرغبون بالتصفيق لحماس التي تدعمها إيران، البلد الذي فعل الكثير لتدمير بلدهم (لم تذكر المجلة أن حماس غادرت سوريا بعد الانتفاضة ووقوفها مع الشعب السوري).
وتقول المجلة أيضا، إن السوريين غاضبون من المعلقين العرب الذين يشجبون الجرائم الإسرائيلية، لكنهم صفقوا لبشار الأسد. وتضيف أن الأمر نفسه ينطبق في لبنان، فمهما كانت آراء اللبنانيين من إسرائيل، فهم يأملون أن يخرج حزب الله وداعمته إيران من الحرب ضعيفين.
ويكشف الانفصام بين الرأي العام والقصر، عن الطريقة الباردة التي جرى الترحيب بها بوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في جولته الدبلوماسية المكوكية، فقد تركه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ينتظر وحاشيته لساعات من أجل مقابلة ليلة السبت، ولم يستقبله إلا صباح الأحد.
ومعروف عن بن سلمان أنه يسهر في الليل ويترك زواره ينتظرون، لكن تعامله مع مسؤول أمريكي كبير بهذه الطريقة كان رسالة.
وعندما هبط بلينكن في القاهرة، قدم له الرئيس عبد الفتاح السيسي محاضرة تحسّر فيها على محنة الفلسطينيين. ولم يحصل جو بايدن على الترحيب البارد، فقد تراجع السيسي عن لقائه بعد مجزرة المستشفى المعمداني، ثم ألغى الأردن قمة رباعية، فقادة العرب لا مزاج لهم للاستماع إلى ما كان بايدن يخطط لقوله.
وخلف المواقف، هناك عدم ارتياح عميق، فمنذ السابع من تشرين الأول، قارن المعلقون بين حرب غزة وحرب الغفران، وهي المرة الأخيرة التي عانت فيها إسرائيل من فشل كارثي، مع أن هناك خلافا أعمق مع تلك اللحظة. ففي 1973، شنت الدول العربية حربا اعتبرتها إسرائيل وجودية، حيث ناقش المؤرخون هذا الرأي منذ ذلك الوقت، ولكنها بدت كذلك لدرجة أن وزير الدفاع موشي ديان فكّر باستخدام السلاح النووي.
وبعد نصف قرن، جُرّت إسرائيل للحرب من قبل جماعة متشددة، بحسب وصف المجلة، وسط مخاطر من توسع الحرب في المنطقة.
وبالنسبة للدول العربية، فهم متفرجون قلقون. وكان رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي واضحا عندما قال: “هذه القرارات ليست بيدي” في إشارة إلى قرار الحرب.
ويخشى قادة مصر والأردن من تداعيات هذه الحرب المزلزلة على النظامين الهشّين. أما دول الخليج، فهي خائفة من إغضاب إيران، خشية من أن تضرب جماعاتها الوكيلة الرياض.
وقد لا تكون هذه الحرب لحظة تهدد وجود إسرائيل، لكن بعض القادة العرب يخشون من أن تهدد وجودهم.