نيويورك تايمز: السناتور ميننديز كان مفتاح مصر للكونغرس الأمريكي وفي “جيبها”
عربي تريند_ نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا من إعداد فيفيان يي وكارون دميرجيان، قالتا فيه إن السناتور الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي روبرت دي ميننديز، كان يعني بالنسبة لمصر المفتاح لمليارات الدولارات من الدعم الأمريكي، وعندما كان الدعم الأمريكي يتأخر أو يعلق، وجدت مصر صديقا لها، حيث وُجّهت إليه اتهامات بتلقي رشى من القاهرة.
وجاء في التقرير أن الحكومة المصرية تشعر بالعصبية بعد سنوات من تلقيها أكبر دعم من المساعدات الخارجية الأمريكية، وتتساءل إلى متى سيستمر السخاء على المستوى هذا.
ولكن عندما قطعت الولايات المتحدة جزءا صغيرا من الدعم في 2017 بسبب سجل مصر القاتم في حقوق الإنسان، وجد المسؤولون المصريون الذين صُعقوا من القرار الأمريكية، في السناتور ميننديز حليفا لهم. وصدف أنه كان أهم سناتور ديمقراطي في لجنة الشؤون الخارجية، وهو موقع شعرت مصر أنها قادرة من خلاله على إيجاد موطئ قدم في واشنطن.
ميننديز كان يقدم خدمات للمسؤولين المصريين، وحصل مقابل هذه الخدمات مع زوجته نادين على مئات الآلاف من الدولارات والشيكات وسبائك الذهب
وفي الوقت الذي اتُهمت إدارة دونالد ترامب بالتساهل عندما يتعلق الأمر بمصر، يقول المدعون إن ميننديز كان يقدم خدمات للمسؤولين المصريين الذين تعرفوا عليه من خلال صديقته في ذلك الحين، حيث وقّع على عقود الأسلحة، وساعدهم سرا في الضغط على واشنطن للإفراج عن الأموال.
وحصل مقابل هذه الخدمات مع زوجته نادين ميننديز على مئات الآلاف من الدولارات والشيكات وسبائك الذهب. وكان ذلك ثمن اعتقد المصريون أنه يستحق الدفع.
وتعود المساعدة الأمريكية إلى نهاية السبعينات من القرن الماضي، حيث زوّدت واشنطن القاهرة بمبلغ 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية سنويا، وذلك كدعم منها لاتفاقيات كامب ديفيد، وهي أموال اعتبرتها مصر إشارة عن أهميتها الاستراتيجية ودفعتها من أجل تقوية ترسانتها العسكرية.
وتظل الولايات المتحدة بالنسبة لمصر، عرّابا لا يمكن الاستغناء عنه. ولهذا السبب، تحاول باستمرار إقناعها بأهميتها في محاربة الإرهاب وأمن إسرائيل ومكافحة الهجرة إلى أوروبا. وتحاول مصر التي تحاذي إسرائيل من الجانب الغربي، تقديم نفسها على أنها واحة استقرار في منطقة مضطربة، خاصة ليبيا والسودان.
وتعتبر قناة السويس من أرصدة مصر الاستراتيجية، وهي مهمة للتجارة العالمية إلى جانب منشآت الغاز الطبيعي المسال الذي يُرسَل إلى أوروبا. واستطاعت مصر بنجاح، لعب ورقة الولايات المتحدة ضد منافسيها في بحثها عن التجارة مع روسيا والصين. واشترت الإدارات الأمريكية المتعاقبة جدل مصر، ووافقت على كل البنود في المعونة الأمريكية وقيمتها 85 مليون دولار من حزمة 1.3 مليار دولار هذا العام.
ومصر ليست الدولة الديكتاتورية الوحيدة التي تتلقى الدعم الأمريكي. وكان دعمها مثار قلق من منظمات حقوق الإنسان وأعضاء في الكونغرس الذين طرحوا أسئلة عن سبب دعم واشنطن الأنظمة الديكتاتورية والحكومات الغارقة بالفساد.
وتضيف الصحيفة، أن النقاد طالبوا بعد توجيه اتهامات لميننديز بتعليق العقوبات، فهناك 300 مليون دولار متعلقة بحقوق الإنسان، ولم تفرج إدارة بايدن إلا عن 235 مليون دولار هذا العام.
ومنذ استيلاء الرئيس عبد الفتاح السيسي على السلطة في 2013، وإطاحته بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا، اعتقل عشرات الآلاف من الناشطين والمعارضين والسياسيين والباحثين والصحافيين الذين نُظر إليهم كتهديد، وحتى من شاركوا في منشورات على منصات التواصل الاجتماعي.
استخدم ميننديز سلطاته لمنع صفقات أسلحة للسعودية وتركيا بسبب حقوق الإنسان. ولكنه لم يستخدمها ضد مصر، برغم تصريحاته الشاجبة لسجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان
إلى جانب هذا، كمّم النظام المؤسسات الإعلامية وقمع الاحتجاجات. ومن الناحية العملية، يشير النقاد إلى أن مصر تنفق أموال المساعدة على شراء المعدات العسكرية التي لا تتعلق باحتياجاتها الأمنية، وتتركز عادة على قتال عصابات متفرقة من الإسلاميين الجهاديين في شمال سيناء، ولهذا يذهب معظم هذا الدعم لشراء المقاتلات الحربية والسفن العسكرية الكبيرة.
ورغم تلقيها ثاني أكبر معونة أمريكية بعد إسرائيل، إلا أن علاقة القاهرة مع واشنطن غير متساوية، حيث يقول الضباط الأمريكيون الذين يعملون مع المصريين، إن موقف هؤلاء حذر في أحسن الحالات. وكشف وثائق مسربة من البنتاغون عن تفكير مصر بإرسال أسلحة لروسيا ومساعدتها في حربها بأوكرانيا. ويقول المدعون إن أعضاء في الكونغرس يطالبون بفرض قيود على المعونة العسكرية أو تجميد جزء منها حتى تحسن مصر سجلها في مجال حقوق الإنسان.
وفي الظاهر، كان ميننديز واحدا من الداعين للتغيير، وكان من بين 17 عضوا في مجلس الشيوخ وقّعوا على رسالة في 2018، ضغطوا فيها على ترامب لإثارة موضوع “تآكل الحريات السياسية وحقوق الإنسان” في مصر أثناء زيارة السيسي لواشنطن. وكان لمصر أسبابها للقلق من اعتراضاته، فهو كأهمّ عضو ديمقراطي في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، لديه القدرة، مع ثلاثة أعضاء في الكونغرس على منع واشنطن من تمرير صفقات الأسلحة.
واستخدم ميننديز سلطاته لمنع صفقات أسلحة للسعودية وتركيا بسبب حقوق الإنسان. ولكن لائحة الاتهامات تكشف عن عدم استخدام ميننديز هذه السلطات ضد مصر، برغم تصريحاته الشاجبة، ودعمه تشريعات ضدها بسبب سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان.
ومع أن هناك عددا من الديمقراطيين والجمهوريين الذين رفضوا الموافقة على منع صفقات الأسلحة لمصر، إلا أن ميننديز كان في “جيب” مصر. ولم تعلق الحكومة المصرية على الاتهامات.
وتشمل الاتهامات على عدة أمثلة، فقد أخبر ميننديز زوجته بأنه سيوافق على صفقات أسلحة، والتي مررت ذلك لصديقها وائل حنا، رجل الأعمال الأمريكي- المصري في نيوجيرسي، والذي يدير شركة للحم الحلال، وكان بدوره يمرر المعلومات للحكومة المصرية.
ويقول المدعون إن حنا كافأ ميننديز بالمال والذهب ورشى أخرى، وساهمت الصفقات هذه في ثرائه، وكان رجل الأعمال طريقا للقاهرة كي توصل المال إلى ميننديز حسبما ورد في الاتهامات. وفي أيار/ مايو 2019، منحت مصر شركة حنا “أي سي إي جي حلال سيرتفايد” صفقة بعدة ملايين من الدولارات للحم الحلال الذي تصدره الولايات المتحدة إلى مصر.
بعد لقائه بمسؤول أمني مصري، تلقى ميننديز 22 سبيكة ذهب بوزن أونصة واحدة لكل قطعة. وعثر المحققون الفدراليون عليها لاحقا في منزله
وكشف موقع “مدى مصر” أن شركة حنا عملت بالترادف مع شركة مرتبطة بالمخابرات المصرية. ووجد تقرير للحكومة الأمريكية أن احتكار شركة حنا للحم الحلال أدى لارتفاع أسعار كبد البقر في مصر بنسبة 32.1%. وكشفت لائحة الاتهام عن لقاء ميننديز في واشنطن مع شخص وصفته بمسؤول بارز في المخابرات المصرية في حزيران/ يونيو 2021، قبل يوم من مناقشة أعضاء مجلس الشيوخ موضوع حقوق الإنسان في مصر.
وأرسل السناتور لزوجته مقالا حدد الأسئلة المتوقعة التي ستُطرح، حيث أرسلته بدورها للمسؤول المصري. وأضافت: “بهذه الطريقة، يمكنك تحضير ردّك”.
وتكشف تقارير صحافية في ذلك الوقت، أن مدير المخابرات المصرية عباس كامل، والذي يعتبر ثاني أقوى رجل في مصر، كان في زيارة لواشنطن ذلك الأسبوع، وكان سيلتقي مع أعضاء الكونغرس.
وبعد يومين من لقاء ميننديز بالمسؤول الأمني المصري، ذهب حنا لشراء 22 سبيكة ذهب بوزن أونصة واحدة لكل قطعة. وعثر المحققون الفدراليون عليها لاحقا في منزل ميننديز.