فورين بوليسي: من “الناتو” إلى الصين وروسيا وآخرين.. لماذا تغازل القوى العالمية والإقليمية موريتانيا؟
عربي تريند_ نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تحليلا بعنوان “لماذا يغازل الجميع موريتانيا؟” للباحث صامويل راماني، الزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (مقره لندن) ومؤلف كتاب “روسيا في أفريقيا”، أكد فيه أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) والصين وروسيا والقوى الإقليمية يريدون علاقات أوثق مع دولة مستقرة في غرب أفريقيا تتمتع بإمدادات الطاقة الحيوية وموقع ذي قيمة استراتيجية.
ويبدأ الكاتب تحليله بالإشارة إلى أنه في 28 حزيران/ يونيو، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ، بنظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، في مدينة تشنغدو الصينية، في ثاني لقاء يجمعهما خلال ثمانية أشهر، في أعقاب لقائهما في قمة الصين والدول العربية في السعودية، أواخر العام الماضي.
التحركات الأخيرة تلخص “المنافسة الجيوستراتيجية” على موريتانيا، التي تدور بالأساس حول احتياطيات البلاد من الغاز الطبيعي وإمكانات الطاقة الخضراء
ووقعت الصين اتفاقية تعاون مع موريتانيا بعد الاجتماع، شملت قطاعات الزراعة وصيد الأسماك والطاقة الخضراء، كما منحت 21 مليون دولار لتخفيف عبء الديون عن نواكشوط.
وفي منتصف الشهر الماضي زارت وزيرة التنمية الألمانية سفينيا شولز، وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في العاصمة الموريتانية نواكشوط.
المنافسة الجيوستراتيجية
ويؤكد الباحث أن التحركات الأخيرة تلخص “المنافسة الجيوستراتيجية” على موريتانيا، التي تدور بالأساس حول احتياطيات البلاد من الغاز الطبيعي وإمكانات الطاقة الخضراء التي توفرها تضاريسها الصحراوية الشاسعة، فضلا عن موقعها الاستراتيجي على ساحل المحيط الأطلسي.
وتعتبر موريتانيا إحدى أكبر دول غرب أفريقيا وأقلها سكانا، وتتمتع باحتياطيات هائلة من الموارد كالأسماك والحديد، والنفط، والذهب، وغيرها.
ولفت الباحث إلى أن البنك الدولي قدر ثروة موريتانيا بما يتراوح بين 50 و60 مليار دولار أمريكي، وهو أقل بكثير من البلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى، حيث تشكل الموارد المتجددة نحو ثلثي الثروة الطبيعية، وتعادل مصايد الأسماك وحدها حوالي ربع الثروة الطبيعية.
ويرى أن تقرب الصين من موريتانيا يعكس مبادرات موازية من قبل قوى عظمى وقوى إقليمية أخرى في الشرق الأوسط، حيث تمتد هذه الجهود من مبادرات مكافحة الإرهاب إلى تطوير الهيدروجين الأخضر، ومن المرجح أن تتزايد إذا قررت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التدخل عسكريا في النيجر.
تقرب الصين من موريتانيا يعكس مبادرات موازية من قبل قوى عظمى وقوى إقليمية أخرى في الشرق الأوسط
ويقول الكاتب إن حملة مكافحة الإرهاب والتحول الديمقراطي في موريتانيا من بين قصص النجاح القليلة في منطقة الساحل على الرغم من تاريخها الحافل بالانقلابات واستمرار العبودية.
ويشير إلى أن قانون مكافحة الإرهاب الصادر منتصف 2010، سمح لوحدات متنقلة مدربة على القتال تسمى “مجموعات التدخل الخاصة” بمهاجمة الجماعات المسلحة، ما أدى إلى إضعاف تلك الجماعات على الحدود الشمالية للبلاد.
وبحسب التحليل فقد حول هذا الوضع الآمن نسبيا موريتانيا إلى ملاذ في منطقة الساحل المضطربة وجعلها في مرمى منافسات القوى الخارجية.
وعلى الرغم من انضمام موريتانيا إلى برنامج الشراكة للحوار المتوسطي التابع لحلف شمال الأطلسي في عام 1995، إلا أن سلسلة الانقلابات التي شهدتها أدت إلى تقييد التعاون مع الدول الغربية.
ويذكر أنه عقب انقلاب عام 2008 الذي أوصل محمد ولد عبد العزيز، سلف الغزواني، إلى السلطة، قطعت الولايات المتحدة وفرنسا جميع المساعدات غير الإنسانية عن موريتانيا.
علاقات مع الناتو
ومع تحسن الوضع الأمني في موريتانيا وتحول نظامها السياسي إلى شبه ديمقراطي، تعززت علاقاتها مع حلف شمال الأطلسي بشكل كبير.
من جانبه قام حلف “الناتو” بتدريب عسكريين موريتانيين وأنشأ أربعة مراكز لإدارة الأزمات في البلاد، ما ساعد في قدرته على مكافحة التهديدات الأمنية والصحة العامة.
قام حلف “الناتو” بتدريب عسكريين موريتانيين وأنشأ أربعة مراكز لإدارة الأزمات في البلاد، ما ساعد في مكافحة التهديدات الأمنية
وأشار إلى أنه مع مطلع العام 2021، أصبح الغزواني أول رئيس موريتاني يزور مقر الناتو، حيث استقبله الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، وخصه بترحيب حار، إذ أشاد ستولتنبرغ وقتها بموريتانيا ووصفها بأنها “قائدة في مجموعة دول الساحل الخمس” ضد الإرهاب وتعهد بتعميق التعاون الأمني على الحدود.
وأثارت دعوة موريتانيا لحضور قمة مدريد في حزيران/ يونيو 2022، باعتبارها شريكا من خارج الناتو، تكهنات بإمكانية إنشاء قاعدة لحلف الناتو على ساحلها الأطلسي الذي يتمتع بمكانة استراتيجية.
وأشار الكاتب إلى أن توسيع التعاون الأمني بين الناتو وموريتانيا يبدو مدفوعا أيضا برغبة الدول الأوروبية في كبح الهجرة غير الشرعية من منطقة الساحل، حيث تعد موريتانيا طريق عبور شهيرا للمهاجرين الأفارقة الذين يسعون إلى دخول أوروبا عبر جزر الكناري.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2022، أبرمت إسبانيا اتفاقا لتقديم المساعدة اللوجستية لجهود موريتانيا لوقف المهاجرين غير الشرعيين.
وأكد الباحث أن موريتانيا اكتسبت أهمية استراتيجية جديدة مع سعي الدول الأوروبية للبحث عن موردي الطاقة البديلة.
ومن المفترض أن تصبح موريتانيا مصدرا للغاز إلى أوروبا بحلول نهاية عام 2023 مع اكتمال المرحلة الأولى من مشروع تورتو أحميم الكبرى، بقيادة شركة “بريتيش بتروليوم” وشركة “كوزموس إنرجي”.
ويعتقد الكاتب أن موريتانيا يمكن أن تصبح مركزا للطاقة المتجددة في غرب أفريقيا، حيث تتوفر على 700 ألف كيلومتر مربع من الأراضي المتاحة لبناء الألواح الشمسية وتوربينات الرياح.
وفي آذار/ مارس 2023، وقعت الشركة الألمانية لتطوير المشروعات مذكرة تفاهم مع شركة “أنفينيتي” المصرية لتوفير الطاقة وشركة “مصدر” الإماراتية لمشروع هيدروجين أخضر بقيمة 34 مليار دولار في موريتانيا.
ويتوقع الباحث أن يؤدي هذا المشروع إلى إنتاج ما يصل إلى 8 ملايين طن متري من الهيدروجين الأخضر سنويا.
موسكو توسع علاقاتها مع نواكشوط
وبحسبه فإن موريتانيا يمكن أن تساعد في عرقلة سعي روسيا لاستخدام ورقة الطاقة ضد أوروبا ومنح الناتو موطئ قدم قريبا من عمليات مجموعة فاغنر في مالي، ولهذا وسع الكرملين تعاملاته مع نواكشوط.
موريتانيا يمكن أن تساعد في عرقلة سعي روسيا لاستخدام ورقة الطاقة ضد أوروبا ومنح الناتو موطئ قدم قريبا من عمليات مجموعة فاغنر في مالي، ولهذا وسع الكرملين تعاملاته مع نواكشوط
وعلى الرغم من أن العلاقات الدبلوماسية الروسية مع موريتانيا كان يقودها تقليديًا نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، إلا أن الوزير سيرغي لافروف، قام بزيارة تاريخية إلى نواكشوط في شباط/فبراير 2023.
وهدف لقاء لافروف مع الغزواني رسميا إلى تحسين ظروف عمل الصيادين الروس في المنطقة الاقتصادية الخالصة لموريتانيا، لكن لافروف عرض أيضا دعم موريتانيا في مكافحة الإرهاب في خليج غينيا.
ولفت الكاتب إلى إمكانية أن تؤدي الروابط الأمنية الوثيقة بين روسيا وموريتانيا إلى تعزيز وجود مجموعة فاغنر في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية.
وبحسبه يؤكد اقتراح لافروف بتدريب الأطباء الموريتانيين استعداده لتجاوز سجل تصويت موريتانيا المؤيد لأوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتعزيز القوة الناعمة لروسيا، وفق المجلة.
من جهة أخرى يرى الباحث أن استثمارات الصين في موريتانيا تعتبر أكثر تكاملا مع المصالح الأوروبية، ففي كانون الأول/ ديسمبر 2016، منحت الحكومة الموريتانية عقدا بقيمة 325 مليون دولار لشركة “بولي تكنولوجيز” الصينية لتطوير ميناء ندياغو.
وأشار إلى أن مشروع ندياغو يتوقع أن يكون مركزا لصادرات الطاقة إلى أوروبا ويربط موريتانيا بالسنغال، وهي دولة مستهدفة رئيسية لمشروعات الغاز الألمانية في أفريقيا.
موريتانيا تسعى لتكون بمثابة جسر بين المجالس العسكرية في النيجر ومالي وبوركينافاسو وجيرانهم
وبحسب الكاتب فمع ذلك، يشعر صناع السياسات الغربيون بالقلق إزاء مزاعم الفساد التي انتشرت حول مشروع ميناء ندياغو منذ بدايته، فضلاً عن انتهاكات شركة “بولي تكنولوجيز” للعقوبات الأمريكية ضد برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.
وأكد أن سياسة موريتانيا الخارجية متعددة الاتجاهات تمتد إلى الشرق الأوسط حيث أدى الدور الحاسم الذي لعبه الملك السعودي السابق، فيصل بن عبد العزيز آل سعود، في انتقال العديد من العلماء المسلمين الموريتانيين على مدى عقود إلى مكة، ما مكن من إنشاء أسس متينة للتعاون بين موريتانيا والسعودية.
ودعمت نواكشوط بناء على ذلك التدخل العسكري للسعودية عام 2015 ضد الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن بنحو 500 جندي، كما قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع قطر بعد الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر عام 2017.
وقال الكاتب إن السعودية ردت الجميل بإطلاق مشاريع استثمارية، مثل قرض بقيمة 100 مليون دولار لتزويد مدينة كيفة بالمياه الصالحة للشرب من نهر السنغال، وإبرام اتفاقية تدريب عسكري مع موريتانيا مطلع 2017.
من جانبها تعهدت الإمارات بالاستثمار بقيمة ملياري دولار، خلال زيارة الغزواني إلى أبو ظبي في شباط/فبراير 2020، وهذا يعادل 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لموريتانيا وهي عنصر أساسي في مبادرة الغزواني للرعاية الاجتماعية والبنية التحتية، بعنوان “الأولويات”.
في المقابل، يقول الكاتب إن اتفاق العلا في يناير 2021، الذي أنهى الحصار المفروض على قطر، سمح لموريتانيا بتعميق روابطها مع الدوحة، حيث استحوذت شركة قطر للطاقة على 40 بالمئة في منطقة التنقيب البحرية C10 في موريتانيا، والتي تحتوي على احتياطيات نفطية كبيرة خلال نيسان/أبريل الماضي.
من جانب آخر، لفت الكاتب إلى أن تركيا وموريتانيا افتتحتا “بيت التجارة” لتعزيز العلاقات التجارية في أيار/مايو الماضي، بناء على زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شباط فبراير 2018 إلى نواكشوط وعقود من المساعدة التنموية لموريتانيا.
وأشار الباحث إلى أن سجل موريتانيا الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان والعلاقات المدنية العسكرية المتوترة، جعلا استقرارها على المدى الطويل، مسألة غير مؤكدة، إلا أنها أصبحت وجهة جذابة لاستثمار القوى الخارجية في هذه المنطقة المضطربة خاصة بعد انقلاب النيجر.
ويختم الكاتب بالقول إن موريتانيا تسعى لتكون بمثابة جسر بين المجالس العسكرية في النيجر ومالي وبوركينافاسو وجيرانهم، وهذا واضح في دعمها لإعادة مالي إلى مجموعة الساحل الخمس ودورها الرئيسي في خط نقل الطاقة عبر الساحل بقيمة 900 مليون دولار والذي سيمر عبر بوركينا فاسو.