“نيويورك تايمز”: الغرب احتفل ببازوم والشعب النيجري انتقده.. وفرص عودته تتضاءل
عربي تريند_ نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً أعدّه إيليان بيلتير وديكلان وولش وعمر حما سالي قالوا فيه إن رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم تحوّلَ إلى شخصية محترمة دولياً، لكنه لم يحظ بإجماع من مواطنيه الذين انتقدوه.
فقد عبّرَ بازوم عن خوف من الانقلابات العسكرية التي اجتاحت دول الجوار، وبعد أسابيع حضر جنوده وسجنوه في بيته.
عندما استولى الجنود المتمردون على السلطة في بوركينا فاسو، غرب أفريقيا، العام الماضي، لم يهتم رئيس النيجر، وقال، في حديث مع دبلوماسييْن غربييْن جَلَسَا في مكتبه، مع انتشار أخبار الانقلاب: “هذه سخافة”، وهذه سخرية أن يقوم الجنود المسؤولون عن أمن بوركينا فاسو بالاستيلاء على السلطة، وقلب الحكومة هناك، وباسم إعادة الأمن.
ويواجه بازوم نفس المصير، حيث أطاح به جنود، في الشهر الماضي، ووجّهوا له تهمة الفشل بحماية النيجر من الجماعات الإسلامية، ولا يزال رهينةً في بيته بعد ثلاثة أسابيع، حيث ينفد الطعام منه، وهو محروم من الماء والكهرباء.
إدريسا: كان بازوم في جزيرة تحيط بها التماسيح، وظلَّ ملاحقاً بشبح انقلاب محتمل.
ويحاول حلفاءُ بازوم الغربيون والأفارقة التفاوضَ بشأن الإفراج عنه. ويوم الجمعة، سيضع قادة جيوش غرب أفريقيا الرتوش النهائية على خطة التدخل العسكري في النيجر، لكن آمالهم بإعادته إلى السلطة تتضاءل بشكل سريع.
وتقول الصحيفة إنه تم الاحتفال ببازوم في العواصم الغربية لسجله الديمقراطي، وموقفه المتشدد من الإسلاميين المتطرفين.
لكن الانقلاب، وما بعده، كشف عن الأزمة التي يعاني منها في النيجر، فقد مَنَعَ بازوم الناشطين من التظاهر، ولم يستمع للمحافظين الذين رفضوا خططه لتعليم البنات، وأغضبَ الجنرالات الأقوياء الذين شعروا بأنه همشهم.
ويقول العالم السياسي النيجري رحمن إدريسا: “كان بازوم في جزيرة تحيط بها التماسيح”، و”ظلَّ ملاحقاً بشبح انقلاب محتمل”. وأصبحت النيجر الآن في يد الجنرال عبد الرحمن تياني، قائد وحدة انقلبت على رئيس كان من المفترض أن تحميه.
كان سقوطاً وحشياً لبازوم، 63 عاماً، الذي عمل مدرساً في الثانوية، وخدمَ كوزير للخارجية والداخلية، قبل انتخابه رئيساً، عام 2021. ولعب دوراً في تحويل النيجر إلى حليفة الغرب المفضلة، حتى في ظل تشكيك النقاد بشرعية انتصاره، والإحباط المتزايد من سياساته التي رأى الكثيرون أنها مصممة لإرضاء الغرب.
وتعتبر النيجر واحدة من أفقر دول العالم، وتحولت الصحراء الكبرى إلى مركز عالمي للمتشددين الإسلاميين، رغم عقد من الجهود العسكرية الغربية. وبالنسبة للشركاء الغربيين، مثل فرنسا والولايات المتحدة، فقد كان بازوم يمثل أملاً بالاستقرار، وخلَّفَهم انقلابُ الجيش ضده بلا حليف. وعندما حاصر الجنود مقر إقامته بالعاصمة نيامي، في 26 تموز/يوليو، فرّ مع زوجته وابنه إلى غرفة آمنة، واتصل مع حلفائه الغربيين، حيث أعلمهم بمأزقه، وقدّمَ لهم أيضاً تطمينات.
اعتقد بازوم أن الوحدات الموالية له في الجيش ستأتي لنجدته، وأنه سيعود إلى السلطة مع حلول الظلام من دون أي أذى، حسب قول مسؤول أمريكي سابق تحدث إليه في ذلك اليوم، ووصف الحوار الذي دار بينهما بشرط عدم الكشف عن هويته. ولم يصل سلاح الفرسان أبداً، وأرسلت الوحدات الموالية لبازوم إلى منطقة نائية من أجل التحضير ليوم الاستقلال، في 3 آب/ أغسطس، حسب المسؤول السابق، واستطاع الجنود المتمردون، بقيادة تياني، السيطرة سريعاً على الوضع. وتحصن الحرس داخل بيت بازوم مع أقفال جديدة، حسب واحد من أعضاء حكومته، طلب عدم الكشف عن هويته. ورفض بازوم الاستقالة، إلا أن النخبة العسكرية الحاكمة حلّت حكومته، وأعلنت عن أخرى.
وعندما هددت مجموعة غرب أفريقيا الاقتصادية بالتدخل العسكري، وإعادته بالقوة إلى السلطة، هَدَّدَ الجيش بقتله حالة حدوث هذا، كما هَدَّدَ قادةُ الانقلاب بأنه سيحاكم بتهمة الخيانة العظمى.
وعلّق فاهيرامان رودريغو كوني، الباحث في معهد أبحاث الأمن بمالي، بأن “الانقلابيين أمسكوا بزمام السلطة وسيطروا على أجهزة الدولة”، و”ربما كان بازوم واعياً بأنه فقدَ السلطة”.
في البداية لم يتفق بازوم مع واشنطن، ففي أول رحلة له كوزير للخارجية، عام 2011، انتقد التدخل الغربي في ليبيا، حيث توقعَ أنه سيطلق العنان لموجة من عدم الاستقرار، وذلك حسب جي بيتر فام، المبعوث الأمريكي السابق لمنطقة الساحل، والذي استضافَ بازوم أثناء الزيارة. وحذر بازوم المسؤولين في إدارة باراك أوباما من أن الفعل العسكري في ليبيا “سيرمي كل اللاعبين، ومن مختلف الأنواع، في الهواء” وأن على الولايات المتحدة “مساعدة النيجر قبل أن تصل إليها العاصفة الرملية”، حسب فام، الذي أضاف: “كانت الإدارة دفاعية، ولم ترد الحديث عن الأضرار الجانبية”. وجاءت نبوءة بازوم من خلال توسُّع الجماعات الإسلامية المتشددة في منطقة الساحل، واستخدموا الأسلحة التي قام بعض اللاعبين بتهريبها من فوضى ليبيا. ونشرت فرنسا آلافاً من جنودها بمنطقة الساحل، وأنشأت واشنطن قاعدة للمسيّرات كجزء من عملية مكافحة للإرهاب.
وكوزير للداخلية أصبح الوجه العام للعلاقات في النيجر. وفي مقابلة مع نيويورك تايمز، عام 2018، قال: “كل ما أعرفه أنهم أمريكيون“، حيث كان يعلق على قاعدة المسيّرات الأمريكية في شمال- شرق البلاد.
وكرئيس، دافَعَ عن سياسات قرّبْته من القوى الغربية، فقد وَعد ببناء مئة مدرسة داخلية لتعليم الفتيات، وتخفيض معدلات الزواج المبكر، وكان هدفه تخفيض معدل الولادة للمرأة النيجرية.
وبدعم من القوى العسكرية الغربية، وبرامج المساعدات بالملايين من الدولارات، كثّفَ من الحملات ضد الجماعات الموالية لتنظيم “الدولة الإسلامية” و”القاعدة”. وتبنى كذلك الحوار مع المتطرفين وإقناعهم بتسليم أسلحتهم مقابل الدعم الاقتصادي والتدريب المهني.
ومع تقاربه مع الغرب، تقرّبَ بازوم من القوى الأجنبية الأخرى في القارة، فقد اشترى مسيّرات قتالية من تركيا، ودعمَ بناء خط أنبوب النفط الذي تُشرف عليه الصين، ويمكن أن يؤدي لازدهار اقتصاد النيجر.
وأثمرت جهودُه، على ما يبدو، فبحسب مشروع بيانات مكان النزاع والحدث، انخفضت الهجمات ضد المدنيين في النيجر، خلال الستة أشهر الأولى من هذا العام إلى 39%، مقارنة مع مالي وبوركينا فاسو، حيث استولى الجيش على السلطة في 2021 و 2022 وساء الوضع.
اعتقدَ بازوم أن الوحدات الموالية له في الجيش ستأتي لنجدته، وأنه سيعود إلى السلطة مع حلول الظلام من دون أي أذى.
لكن الدعم الحماسي لبازوم في الغرب لم ينعكس على الداخل، حيث اتهم نقاده بأن انتخابه كان مزوراً، مع أن المراقبين من الاتحاد الأفريقي أكدوا النتائج.
وحاول الخروج من ظل سلفه الرئيس محمدو يوسفو، وزار ضحايا الهجمات الإرهابية، وقام بمحاكمة عدد من المسؤولين بتهمة الفساد، وهو نهج أظهر العناية والشدة أكثر من يوسفو. لكنه لم ينجح باستخدام قدراته التعليمية لإقناع الرأي العام بخططه لتعليم البنات.
ويقول إدريسا، الباحث الآن في المركز الأفريقي في جامعة لايدن بهولندا: “فرضَ أساليبه بنهج أبوي، مخبراً النيجريين ما هو صالح لهم”.
ومع زيادة السخط على تقارب النيجر مع فرنسا، المستعمر السابق، لم يظهر بازوم تسامحاً مع المعارضة. وزاد التوتر داخل الجيش، حيث عبّر بعض الضباط عن السخط من قرارات بازوم بالإفراج عن متشددين إسلاميين قتلوا جنودهم. ودعا بعض الجنرالات لعلاقات مع مالي، التي أقام حكامُها العسكريون علاقات مع شركة فاغنر الروسية للمرتزقة، وهو ما لم يرده بازوم.
وكان ينوي عزل تياني، قائد الحرس الرئاسي، المكوّن من 700 جندي، في لقاء الحكومة، يوم 27 تموز/ يوليو، وذلك حسب مستشاريْن طلبا عدم الكشف عن هويتهما، لكن تياني تحرك أولاً، في 26 تموز/ يوليو، وأطاح بالرئيس.
واليوم هناك قلة تدعم بازوم علناً، فقد اعتقلت النخبة العسكرية الكثير من حلفائه، فيما فرّ آخرون إلى الخارج. وحَشدَ الجيش ملعب كرة قدم من المؤيدين الشباب، في وقت هاجم العامةُ سيارةً صرخت فيها امرأةٌ: “نريد بازوم”، حيث تم إنقاذها من الجماهير على يد جنود كانوا قريبين من الحادث.