“فورين بوليسي”: تحالف إسرائيلي سعودي سيؤدي إلى عدوان إيراني أكبر يكون كارثياً على المنطقة
عربي تريند_ نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالاً للزميل في معهد “أمريكان إنتربرايز” كينيث إم بولاك، حول الإستراتيجية الإيرانية الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط، قال فيه إن القيادة الإيرانية، ومنذ ثورة 1979، عملت بتصميم للهيمنة على الشرق الأوسط وطرد الولايات المتحدة وإسرائيل.
واعتمدت، طوال الوقت، على العصا للقيام بذلك، أي محاولة تخريب الدول العربية بالابتزاز، أو التمرد، بينما شنت حملة إرهابية لا هوادة فيها ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.
“فورين بوليسي”: حلفاء الولايات المتحدة مرعوبون من أنها لن تسارع لحمايتهم بعد الآن من التخريب الإيراني، أو حتى العدوان المباشر.
ويقول بولاك إن هذه الأهداف لم تتغير، لكن الإيرانيين قد غيّروا إستراتيجيتهم الكبرى بطريقة أساسية. مع أنه لا يمكننا التأكد من هذا، لأن عملية صنع القرار الإيراني غالباً ما تكون غامضة.
ويمكن القول، مع ذلك، إن إيران اكتشفت أن الجزرة يمكن تكون جيدة في السياسة الخارجية أيضاً. وفي كل مكان تنظر إليه تقريباً، تُقدّم طهران، الآن، حوافز إيجابية للتعاون، وتقلّص، في الغالب، من تكتيكاتها القوية. السؤال الذي يواجه الولايات المتحدة الآن هو كيفية تعديل سياستها في المقابل.
ويقدم الكاتب أمثلة عن التحول من العصا إلى الجزرة في السياسة الخارجية الإيرانية، كالوساطة الصينية بين إيران والسعودية، وهي الوساطة التي تمنح في ظاهرها الرياض أكثر مما تحصل عليه طهران. ونتيجة لذلك، استأنفت الدولتان العلاقات الدبلوماسية، بعد انقطاع دام عقداً من الزمن. بل إنهم يتحدثون عن التعاون لمنع السودان من الانزلاق أكثر في الحرب الأهلية.
وأعاد الإيرانيون العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات، وتتطلع طهران إلى التعاون مع أبو ظبي في قضايا النقل الجوي والبنية التحتية أيضاً.
وذهبت الإمارات إلى حد الانسحاب من التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة في الخليج العربي، ووافقت على الانضمام إلى تحالف منافس مع إيران.
حتى أن الإيرانيين بدأوا مناقشات هادئة مع البحرين، التي لم تغفر حكومتها لإيران محاولات مختلفة لتحريض شيعة البلاد على الثورة.
ووقّعت إيران أيضاً اتفاق تنمية جديداً مع عمان، وتطبيع العلاقات مع مصر.
وبالمثل، استأنف الإيرانيون المحادثات مع تركيا (وروسيا ونظام الأسد في سوريا) حول إيجاد حل لمشاكلهم المشتركة في العراق وسوريا. لديهم ترتيب جديد لمقايضة النفط مقابل الغاز مع العراق، حيث يسيطر حلفاؤهم على الحكومة حتى أكثر من الماضي.
والأكثر إثارة للدهشة هو أن إيران اقترحت منتدى إقليمياً من دون الولايات المتحدة أو إسرائيل، والتي تحظى ببعض الزخم بطريقة لم تكن لتتخيلها قبل عقد من الزمن. وأنهى وزير الخارجية الإيراني لتوّه جولة في الخليج في أربع دول نالت الاستحسان للإيرانيين، كما لم يحصل من قبل.
“فورين بوليسي”: لم ينس حلفاء الولايات المتحدة كيف سَخرَ ترامب من فكرة الدفاع عن السعودية والإمارات من هجوم إيراني مباشر، في عام 2019، ما أدى إلى قلب 75 عاماً من السياسة الأمريكية.
كل هذا لا يعني أن الأمور على ما يرام بين الإيرانيين والعرب. فلا يمكن لإيران تجنب الخلافات مع الكويت حول حقل غاز مشترك، ومع الإمارات حول الجزر الثلاث التي استولى عليها الشاه قبل سقوطه، ومع السعوديين بشأن استمرار تزويد الحوثيين بالأسلحة في اليمن. إلا أن التطورات الأخيرة على مسار الخارجية الإيرانية تعتبر هجوماً ساحراً وحقيقياً بالمعايير الإيرانية.
والملاحظ أن لفتات السلام والمحبة للجيران لم تمتد إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، فلا يزال الإيرانيون يواصلون معهما سياسة العصا، قدر ما يستطيعون.
فمع الولايات المتحدة، تواصل البحرية الإيرانية مضايقة السفن الأمريكية في الخليج. وقد هاجمت إيران، أو احتجزت، ناقلات النفط المرتبطة بالولايات المتحدة أو إسرائيل خمس مرات على الأقل، في الأشهر الستة الماضية.
وكثّفَ الإيرانيون دعمهم لمختلف الجماعات الفلسطينية، كما كثَّفَ حلفاؤهم ووكلاؤهم من بين الميليشيات الشيعية في العراق من مضايقاتهم للقوات الأمريكية هناك. ومع حلفائهم السوريين والروس، يفعل الإيرانيون الشيء نفسه في سوريا. حتى إطلاق سراح السجناء الأخير بين الولايات المتحدة وإيران يبدو أنه يتعلق بحاجة إيران الماسة إلى المال، أكثر من أي مصلحة في انفراج حقيقي. وإذا عدنا إلى أغنية “بوفالوا سبرينغفيلد” القديمة، فهناك شيء ما يحدث، لكنه ليس واضحاً.
فمن المحتمل أن فك ارتباط الولايات المتحدة المستمر التزاماتها بالشرق الأوسط، من باراك أوباما ودونالد ترامب، والآن، بدرجة أقل، ولكن لا يزال مستمراً في الاتجاه، جو بايدن، قد خلقَ فرصة لطهران.
وهنا، فإن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة مرعوبون، من أنها لن تسارع لحمايتهم بعد الآن من التخريب الإيراني، أو حتى العدوان المباشر.
ويعتقد بولاك أن أداء بايدن كان أفضل في هذا المجال، لكن لم ينس أيٌّ منهم كيف سخرَ ترامب من فكرة الدفاع عن السعودية والإمارات من هجوم إيراني مباشر، في عام 2019، ما أدى إلى قلب 40 (أو حتى 75) عاماً من السياسة الأمريكية، وربما حتى دون فهم أنه كان يفعل ذلك.
ونتيجة لذلك، على مدى السنوات العديدة الماضية، شعر حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بالحاجة إلى تقليل اعتمادهم على الولايات المتحدة، والبحث عن أصدقاء جدد وداعمين محتملين. كان هذا مصدر موجة من المغازلة في الشرق الأوسط مع الصين وروسيا والهند وبعض الدول الأوروبية.
وعليه، فربما كان هدف السياسات الخارجية الإيرانية الجديدة الاستفادة من هذا الوضع. بعد 40 عاماً من التخريب والعدوان، من دون كلل أو ملل، تعرف الدول العربية جيداً ما تستطيع إيران القيام به، خاصة إذا لم تكن الولايات المتحدة موجودة لعرقلة ذلك. وتضيف إيران إلى هذا التهديد الحقيقي حافزاً لعلاقات أفضل إذا تخلى العالم العربي عن تبعية الولايات المتحدة، وقبول السيادة الإيرانية بدلاً من ذلك.
“فورين بوليسي”: إيران تخشى أكثر ما تخشاه مصالحة بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب، والمزيد من التقارب بينهم وإسرائيل.
نظراً لأن الأمريكيين يبدون اهتماماً أقل من أي وقت مضى بالشرق الأوسط، فإن روسيا مقيدة في أوكرانيا، ولا تزال الصين تفتقر إلى القوة العسكرية لتولي زمام الأمور، حيث يبدو الآن أن الرجل القوي الإقليمي، اللطيف والأكثر لطفاً، جذاباً للدول العربية الخائفة. هذا هو السبب في أن هجوم السحر الإيراني الجديد أثبت فعاليته، على الأقل إلى حد محدود حتى الآن.
لكل هذا، فإن عدوانية طهران المستمرة تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل مكملة لإستراتيجيتها العربية. وربما اعتقدت إيران أن استمرار الهجمات على أفراد ومصالح واشنطن في المنطقة سيساعد في تسريع رحيل الولايات المتحدة.
أما بالنسبة لإسرائيل، فإن تسخين الصراع هناك يساعد إيران على وضع الدول العربية في معضلة أكثر حدة: يمكنك إما الانضمام إلينا والحصول على السلام والتجارة، أو الانضمام إلى إسرائيل والخوض في الحرب. خاصة مع وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة مصممة على العمل ضد الفلسطينيين بطرق بغيضة، حتى بالنسبة للعرب الأقل اكتراثاً، فإن بعض الابتعاد عن إسرائيل له فوائده بالنسبة للعديد من الأنظمة العربية. وبالتالي، فإن النهج المزدوج المتمثل في تدليل الدول العربية مع تضخيم الهجمات على الولايات المتحدة وإسرائيل ربما يهدف إلى دقّ إسفين بين الدول العربية وأعداء إيران الرئيسيين.
ما هو أساسي في هذا التناقض الظاهري، هو أن إيران تخشى أكثر ما تخشاه مصالحة بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب، والمزيد من التقارب بينهم وإسرائيل.
في الواقع، يشير هذا النهج الاستراتيجي الجديد إلى أن إيران قد أدركت أخيراً أن تنمّرها يقود خصومها معاً، ومن هنا جاء التركيز الجديد على التقسيم من أجل الانتصار.
فقد كان الدافع الرئيسي لاتفاقيات أبراهام، والتطبيع بين الدول العربية وإسرائيل الرغبة ببناء جبهة تقوم على الخوف المشترك من إيران وحلفائها وأتباعها.
ومن هنا نرى معنى جهود إدارة بايدن في دفع التطبيع بين السعودية- الإسرائيلية والتحالف النهائي، رسمياً أو بشكل غير رسمي، لأنه سيشكل خطراً على إيران، وربما يكون مفيداً جداً للولايات المتحدة.
إن الجمع بين أقوى جيش إقليمي وأقوى اقتصاد عربي سيشكل عقبة رهيبة أمام المزيد من العدوان الإيراني. لهذا السبب يعمل الإيرانيون بجد لمغازلة السعوديين والدول العربية الأخرى، لإبعادهم عن الإسرائيليين والولايات المتحدة.
ويثمّن الكاتب إدارةَ بايدن، لاعترافها بجوانب مثل هذا الاختراق السعودي- الإسرائيلي، والعمل الجاد لمحاولة تحقيقه. لكن هناك خطراً كامناً أيضاً. في حين أن التحالف الإسرائيلي- السعودي سيكون دائماً تهديداً لإيران، وما كان مفيداً للولايات المتحدة يعتمد بشكل كبير على مدى مشاركة الولايات المتحدة في هذا التحالف. لا يحظى الإيرانيون بنفس الاحترام للقدرات العسكرية السعودية (أو حتى الإسرائيلية) كما هو الحال مع القوة العسكرية الأمريكية، وبالتالي لم تردعها أبداً كما تفعل القدرات الأمريكية.
جزئياً لأنهم يدركون ذلك، وجزئياً لأنهم، ببساطة، لا يمتلكون نفس النطاق من قدرات جمع المعلومات الاستخباراتية مثل الولايات المتحدة، غالباً ما يبالغ كلٌّ من الإسرائيليين والدول العربية في رد فعلهم تجاه التحركات الإيرانية المشبوهة بطرق كان من الممكن أن تنفجر، لو لم تتدخل واشنطن لتهدئة مخاوفهم وردع خصمهم.
“فورين بوليسي”: إن الجمع بين أقوى جيش إقليمي وأقوى اقتصاد عربي سيشكل عقبة رهيبة أمام المزيد من العدوان الإيراني. لهذا السبب يعمل الإيرانيون بجد لمغازلة السعوديين والدول العربية.
ما يشير إليه كلُّ هذا هو أنه في غياب دور فاعل للولايات المتحدة في المنطقة، وفي مثل هذا التحالف، يمكن لتحالف إسرائيلي- سعودي جديد أن يثير عدواناً إيرانياً أكبر، ويؤدي إلى تصعيده، ما يؤدي إلى صراع أوسع سيكون كارثياً على المنطقة. وربما للولايات المتحدة والعالم، إذا أثّر على تدفقات الطاقة من الشرق الأوسط.
لهذا السبب يجب أن يُنظر إلى التحالف الإسرائيلي- السعودي على أنه جزء من التزام الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، وليس بديلاً عنه.
ويبدو أن إيران تعلّمت حيلة جديدة.
يبقى أن نرى ما إذا كانت الولايات المتحدة تستطيع ذلك أيضاً.