فورين بوليسي: لهذا يزداد التعاطف الأمريكي مع الفلسطينيين ويتراجع دعمهم لإسرائيل
عربي تريند_نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للكاتبة الفلسطينية الأمريكية ياسمين الشيخ قالت فيه إن الشباب الأمريكي بات يميل أكثر لدعم القضية الفلسطينية. وذكرت بما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو في عام 2001 لمجموعة من مستوطني عوفرا في الضفة الغربية: “أمريكا هي الشيء الذي تتحرك فيه بسهولة وتتحرك بالاتجاه الصحيح”.
وبعد عقدين يبدو أن نتنياهو محق، فأمريكا تتحرك بالاتجاه الصحيح ولكن ليس ما يريده، فاستطلاعات الرأي الأمريكية خلال السنوات الماضية أظهرت دعما متزايدا وتعاطفا مع الفلسطينيين وتراجعا لدعم إسرائيل. وجزء من هذا هو إسرائيل التي كانت قضية يجمع عليها الحزبان في الكونغرس ولكنها أصبحت مرتبطة باليمين، وبعد سنوات من الوله بين الحزب الجمهوري وحزب الليكود الإسرائيلي المتطرف والذي توج بقرار دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المتنازع عليها.
أظهرت استطلاعات الرأي الأمريكية خلال السنوات الماضية دعما متزايدا وتعاطفا مع الفلسطينيين وتراجعا لدعم إسرائيل
وبالمقابل هناك صعود التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي مثل النائبة رشيدة طليب وبراميلا جايابال، اللتين عبرتا عن استعداد لنقد إسرائيل بشكل علني.
إلا أن الدوافع القديمة لا تزال موجودة، كما هو واضح من ردة الفعل التي تبعت تصريحات جايابال بشأن عنصرية إسرائيل. ولكن المزيد من الأمريكيين وأكثر من أي وقت مضى يشتركون بتقييم جايابال عن إسرائيل. ففي استطلاع لمركز غالوب نشرت نتائجه في آذار/مارس ودراسة من جامعة ميريلاند، كشف عن تعاطف الديمقراطيين مع الفلسطينيين وأكثر من الإسرائيليين، وأن أكثر من خمس الديمقراطيين اليهود ينظرون إلى إسرائيل بأنها “دولة فصل عنصري على شكل الأبارتيد”.
ووجد معهد الناخبين اليهود أن نسبة 35% من اليهود الأمريكيين يتفقون مع الرأي القائل إن “معاملة إسرائيل للفلسطينيين لا تختلف عن العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية”.
حكومات نتنياهو المتتالية وعلى مدى العقود الثلاثة لعبت دورا مهما في خيبة أمل الأمريكيين
ويتفق كتاب الأعمدة والمحللون أن حكومات نتنياهو المتتالية وعلى مدى العقود الثلاثة لعبت دورا مهما في خيبة أمل الأمريكيين. ومنذ عام 1996 عمل نتنياهو كرئيس للوزراء لمدة زادت عن 15 عاما وفي ثلاث دورات غير متتابعة. وأطول فترة له امتدت ما بين 2009- 2021، حيث تصادم علنا مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ودعم خليفته المتطرف دونالد ترامب.
واليوم يقود بيبي أكثر التحالفات السياسية تطرفا في تاريخ إسرائيل. لكن من الخطأ ربط التحول في موقف الرأي العام لعلاقة نتنياهو المضطربة مع أوباما أو علاقة الغرام مع ترامب. ففي الوقت الذي ساعد فيه وجود نتنياهو في الساحة العامة على بناء حالة استقطاب من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني وبناء على الخطوط الحزبية، إلا أن البيانات تقترح أن التراجع الثابت لدعم إسرائيل لا يمكن ربطه بشخص واحد.
ونظم غالوب تحديدا استطلاعا في شهر شباط/فبراير وكشف أن هناك عملية تحول تقدر بـ 11 نقطة في الحس العام وفي الأشهر الـ12 الماضية فقط. وهذا واضح لأن عودة نتنياهو إلى الحكم في كانون الأول/ديسمبر العام الماضي يكشف عن فشل حكومة التغيير التي قادها نفتالي بينيت ويائير لبيد بالتداول، في تغيير المفاهيم العامة للناخبين الديمقراطيين الأمريكيين من إسرائيل.
وإلى جانب الاستقطاب المتزايد بناء على الخطوط الحزبية والواضح من الاستطلاعات المتعددة منذ 2021، هناك انقسام جيلي. ففي الوقت الذي تظهر فيه استطلاعات مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية وجيل إكس تعاطفا مع إسرائيل، إلا أن جيل ما بعد الألفية أظهر ميلا لدعم الفلسطينيين. ووجد استطلاع غالوب أن “جيل الألفية منقسم بالتساوي الآن”، وبنسبة 42% متعاطف مع الفلسطينيين ونسبة 40% مع الإسرائيليين.
في الوقت الذي تظهر فيه استطلاعات مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية وجيل إكس تعاطفا مع إسرائيل، إلا أن جيل ما بعد الألفية أظهر ميلا لدعم الفلسطينيين
وتأتي الإحصائيات هذه في وقت باتت فيه إسرائيل مندمجة بالمنطقة وأكثر من الماضي، إذ اختفى مفهوم أنها محاطة بالأعداء، مع تطبيع دول مثل الإمارات العربية والسودان والبحرين علاقاتها مع إسرائيل، أو ما عرف باتفاقيات إبراهيم.
وبالمقابل، تراجع أمل الفلسطينيين بإنهاء الاحتلال أكثر مما كانوا في عهد الانتفاضة الأولى، أثناء الثمانينات من القرن الماضي.
ومع عمليات الضم القادمة، فلم يعد هناك أي مجال لتجاهل فجوة القوة بين الطرفين.
وحتى الدعم لإسرائيل بين الإنجيليين المسيحيين يتراجع. وتراجع الدعم بين الجيل الشاب من الإنجيليين في الفترة ما بين 2018- 2021 من 69% إلى 33%. فالمسيحيون الشباب هم متنوعون عرقيا بشكل عام. وهم على وعي أكبر بشخصيات مثل ترامب الذي يختلف الكثيرون حول صفاته الأخلاقية. ولهذا فقد ابتعدوا عن آبائهم في المواقف المتعلقة بالهجرة والتغيرات المناخية، والمواقف من إسرائيل ليست استثناء.
ولعب الإهتمام الدولي بمقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة، على يد القوات الإسرائيلية العام الماضي وكذا النزاع بين دولة إسرائيل والفلسطينيين بحي الشيخ جراح بالقدس دورا كبيرا في تغيير المفاهيم. وفي الولايات المتحدة، فنصف الديمقراطيين ممن هم تحت سن الـ 34 عاما لا يتفقون مع طريقة معالجة بايدن للحرب الإسرائيلية على غزة في 2021. ولم يتوقف أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين وعلى رأسهم السيناتور كريس فان هولين عن المطالبة بأسئلة في أعقاب قرار إسرائيل عدم محاكمة الجنود المتورطين بقتل أبو عاقلة. وفي حالة التمييز المنظم والتشريد الذي تدعمه الدولة ضد الفلسطينيين، فقد وجد الناشطون السود الأمريكيون فرصة للمقارنة بين حركة حياة السود مهمة وقضية التحرير الفلسطينية.
ويعكس هذا النهج المتقاطع وعيا متزايدا بالحياة تحت الاحتلال، وبخاصة بعد مقتل إياد حلاق الذي يعاني من مرض التوحد على يد الشرطة الإسرائيلية وحدث في يوم الأسبوع الذي مات فيه جورج فلويد خنقا على يد شرطي أمريكي.
وجد الناشطون السود الأمريكيون فرصة للمقارنة بين حركة حياة السود مهمة وقضية التحرير الفلسطينية
فهذه الموازاة الصارخة بين الوحشية والاستعباد، أدت لحوار داخلي بين اليهود حول كيفية التعامل مع الحريات المدنية الأمريكية وفي إسرائيل- فلسطين، حيث يحاول الكثيرون المقارنة والربط بينهما. وعلى خلاف فلويد، فقد تمت تبرئة الشرطي الذي قتل الحلاق، مما جدد المطالب بالمحاسبة. ونظرا للدور الذي باتت تلعبه منصات التواصل الاجتماعي، وجد ناشطون في حركة العدالة الإجتماعية أنفسهم وجها لوجه أمام الإحتلال للقدس الشرقية والضفة الغربية وغزة وكيف ينتج ظروفا قد تصل إلى ظلم الفلسطينيين.
كما أن صعود الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي قوّى المنظور الفلسطيني في سياسة الولايات المتحدة. ففي عام 2018 دخلت الكونغرس ولأول مرة امرأتان مسلمتان، واحدة منهما هي رشيدة طليب، الفلسطينية الأمريكية التي تعيش جدتها تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي. وساعدت طليب التي تدافع عن حق تقرير المصير للفلسطينيين على ظهور ميل داخل الحزب الديمقراطي بعيدا عن نهج الإجماع بين الحزبين الذي يتبناه بايدن وبقية الحزب الديمقراطي. وتقول المحللة السياسية أبي سيلبرشتاين إن طليب ليست وحدها التي تدعم وبقوة حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. ففي السنوات الماضية كان إحياء يوم النكبة أمرا محرما في الكابيتال هيل، لكن يوم النكبة الذي نظمته طليب هذا العام، رعاه السيناتور اليهودي بيرني ساندرز في قاعة الاستماع بمجلس الشيوخ، وحضرته النائبة السوداء كوري بوش.
وباتت المنظمات التقدمية داخل المجتمع اليهودي الأمريكي، مثل “جويش فويس” و”جي ستريت” وكذا المنظمات اليسارية مثل “الديمقراطيون الاشتراكيون لأمريكا” تعبر عن مواقف أكثر حدة من إسرائيل، وبالتالي زيادة الضغوط على حالة الإجماع داخل الحزب الديمقراطي وتدفع بعضا من المعتدلين الديمقراطيين مثل بيتي ماكولام وأندريه كارسون نحو نهج استباقي.
وربما أصبح الوضع أكثر انقساما في حكومة فيها كارهون للمثليين وفاشيون وأعضاء متطرفون يتبعون أيديولوجية القومي المتطرف مائير كهانا، إذ تسير إسرائيل نحو تبني التفوق اليهودي وبشكل علني وكذا برنامج معاد للديمقراطية يمكن أن ينفر حلفاءها التقليديين. ومع استمرار الاحتلال والضم الفعلي تحت رعاية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، فإن النقد لدور إسرائيل في النزاع سيزداد حدة ومدى. وبخاصة في ظل التدهور في العلاقات بين الحكومة المتطرفة ويهود الشتات، وليس من المرجح التراجع عن هذه الأعمال بدون ضغط من واشنطن والمجتمع الدولي.
أصبح السرد الفلسطيني عن الرغبة بإنهاء الاحتلال وترتيبات حق تقرير المصير أو المساواة مقنعة للتقدميين
وقاد المستوطنون في الأشهر الأخيرة مذابح في بلدة حوارة وترمسعيا في الضفة الغربية والتي صدمت أكثر وعي الأمريكيين، اليهود والعرب. ويرى الرأي العام الأمريكي أن الوضع القائم لعام 2023 يشبه شيئا مثل الدولة الواحدة غير المتساوية وغير العادلة وأكثر من الحرب المعقدة بين الشعبين. واليوم، أصبح السرد الفلسطيني عن الرغبة بإنهاء الاحتلال وترتيبات حق تقرير المصير أو المساواة مقنعة للتقدميين. وغدا، وبدون أن يحدث تغير درامي في مسار النزاع، فإن هذه السردية ستصبح مقنعة للكثير من الناس، وربما تحرك الأمريكيون نحو الطريق الصحيح.