مخططات إسرائيلية غير مسبوقة بخطورتها لتهويد الجليل والنقب
عربي تريند_ يؤكد مركز “مدى الكرمل” للدراسات الاجتماعية التطبيقية داخل أراضي 48، في “ورقة موقف” جديدة، أن حكومة نتنياهو السادسة تخطط لتهويد غير مسبوق من ناحية خطورته في كل من الجليل والنقب، داعياً للتصدي للمشاريع العنصرية.
هاجس تهويد الجليل وتعديل الميزان الديمـغـرافي ما زال يلاحق متخذي القرار في إسرائيل بعد 75 عامًا من إقامة الدولة.
وتتناول ورقة تقدير الموقف هذه اقتراح قرار حكومي إسرائيلي مطروح الآن تحت عنوان: “الصهيونية كقيمة موجهة لسياسات الحكومة”، قدمه وزير النقب والجليل إسحق فـيسرلاوف (من حزب “عظَمة يهودية”) وتُمنح بموجبه “القِيَم الصهيونية وزنًا حاسمًا، وقيمة إرشادية في جميع أعمال الوزارات الحكومية”، وَفقًا لروح قانون القومية الذي سُنّ عام 2018.
وحسب الاقتراح، ستكون قِيَمُ الصهيونية القِيَمَ الموجهة والحاسمة في تحديد سياسات الإدارة العامة والسياسات الداخلية والخارجية والتشريعات وإجراءات الحكومة، وجميع وَحْداتها ومؤسساتها، إلى جانب تقديم امتيازات لمن خدم في الجيش وقوات الأمن، أو أدى الخدمة الوطنية المدنية، مع إعطاء الأفضلية لمن خدم في الوحدات القتالية، ولا سيما تلك المتعلقة بمجالات الاستيطان.
وَفقًا للاقتراح، تُمنح قِيَم الصهيونية أفضلية ومكانة تفوقان القِيَمَ الأساسية الأخرى (كالديموقراطية والحق في المساواة، على سبيل المثال). ترى ورقة الموقف أن هذا الاقتراح يعكس الخطوط العريضة للحكومة، وأنه ترجمة لاتفاقيات التحالف ولمساعي الحكومة إلى ترجمة قانون القومية العنصري عبْر السياسات الحكومية، وتحويل قانون القومية من قانون تصريحي إلى قانون عملي ومؤثر، وبخاصة في مجال الاستيطان والتخطيط والإسكان، ليكون ذلك مدخلًا لتعزيز سياسات تهويد الجليل والنقب، والتمييز لصالح البلدات اليهودية وإعطائها امتيازات وميزانيات بواسطة القانون دون إتاحة إمكانية للاعتراض القضائي على ذلك.
ويوضح اقتراح القرار مرة أخرى، أن الحكومة الإسرائيلية تستطيع أن تسن قوانين وتتخذ قرارات وسياسات عنصرية تجاه المجتمع العربي دون أي وازع أو رادع، ودون اعتراضات تُذْكَر من داخل المجتمع الإسرائيلي أو من أحزاب المعارضة البرلمانية، بحيث لا يُعتبَر ذلك ضررًا “بالديموقراطية اليهودية”، والأهم أن السياسات تمر دون أي احتجاج جِدي لدى المجتمع العربي. من هنا، ثمة حاجة ماسة أن تقوم المؤسسات الجماعية- لجنة المتابعة واللجنة القطْرية والأحزاب العربية- ومؤسسات المجتمع المدني بالتعامل مع هذه السياسات على أنها خطر إستراتيجي على مكانة المجتمع العربي وحقوقه، وأن تَشْرع في وضع تصور للتصدي لهذه السياسات.
جوهر القانون: تسهيل تهويد الجليل والنقب
وطبقاً لـ “مدى الكرمل” فإن نوايا حكومة نتنياهو تعميق العنصرية والعدائية تجاه المجتمع العربي كانت واضحة منذ تشكيلها، وذلك في الخطوط العريضة واتفاقيات التحالف. ويقول إنه بعد تشكيل الحكومة، أُوكِلت وزارة تطوير (تهويد) الجليل والنقب لحزب “عظَمة يهودية”، الحزبِ الذي أوضح أن هدف الوزارة الأساسي هو تعزيز الوجود اليهودي في الجليل والنقب، أي الاستمرار في محاولات تهويد الجليل والنقب. وقد قامت الحكومة بعدة خطوات في هذا الاتجاه، في الأشهر الأخيرة، كان أبرزها اقتراح قرار حكومي يحمل الاسم: “الصهيونية كقيمة موجهة لسياسات الحكومة”.
عملت كل الحكومات على تشجيع إنشاء البلدات اليهودية في النقب على أراضٍ عربية، بطريقة تصعب الاعترافَ بالقرى العربية، وأحيانًا تكون هذه المخططات ذريعة لتهجير العرب.
إسقاطات سلبية
ويحمل اقتراح القانون هذا العديدَ من الإسقاطات السلبية على المجتمع العربي، إذ سيمكن الحكومة من تنفيذ سياسات عنصرية، ومن الاستمرار بتفضيل المجتمع اليهودي بواسطة قوانين دون إتاحة إمكانية لتقديم اعتراض قضائي عليها. بَيْدَ أن الخطر الأبرز والأوضح في هذا الاقتراح سيكون في مجال التخطيط والإسكان والتطوير، إذ ترغب الحكومة في زيادة جرعات تهويد الجولان والجليل والنقب، وزيادة عدد السكان اليهود في هذه المناطق، وتطوير البلدات اليهودية على حساب البلدات العربية، دون أي رادع أو معيقات، ولا سيما في الجليل لكون المجتمع العربي الفلسطيني يشكل قرابة 54% من عدد السكان هناك، وَفقًا لمعطيات دائرة الإحصاء المركزية الخاصة بالعام 2022.
وينوه “مدى الكرمل”، في ورقته، إلى أن وزير النقب والجليل إسحق ﭬـيسرلاوف (من حزب “عظَمة يهودية”) وضح هذه الأهداف قُبَيْل تقديم الاقتراح، إذ قال إن الحكومة “ستواصل رفع الراية الصهيونية من أجل الاستيطان والأمن، وسيسمح لنا القرار بإعطاء الأولوية للجنود والجنود المسرحين، لإثبات ارتباط الشعب اليهودي بوطنه، وتقوية النقب والجليل ويهودا والسامرة”.
ووَفقًا لموقع القناة 7 اليميني، فإن الهدف الرئيسي من الاقتراح هو العمل بغية تهويد النقب والجليل، ومن ضمن ذلك إعطاء أولوية وهِبات ومساعَدات للجنود في شراء أراضٍ أو مَنازل في تلك المناطق. اقتراح القانون هذا ينضاف إلى عدة خطوات وقرارات اتخذتها الحكومة الحالية بغية تهويد الجليل والنقب ومنح أفضلية في التخطيط للمجتمع اليهودي وَفقًا لبنود قانون القومية، بعد أن فشلت السياسات الحكومية على مدار العقود في توطين أغلبية يهودية واضحة وثابتة في الجليل، على نحوِ ما وضح وزير “الشتات”، عَميحاي شيكلي، الذي عرض مؤخرًا معطَيات تفيد أن ثمة انخفاضًا قد طرأ في عدد الأطفال اليهود في منطقة المجلس الإقليمي “مسـجاف”، الواقع في الجليل، وفي منطقة الجليل بعامة، خلال العشرين سنة الماضية، بنسبة تزيد عن 50%، مشيرًا بوضوح إلى زيادة كبيرة ومتتابعة في البلدات العربية مقابل انخفاض متواصل في المستوطنات اليهودية، وهو ما وصفه بأنه خطر حقيقي وداهِم على فقدان سيادة دولة إسرائيل في مناطق الجليل. يتضح من تصريحات الوزير أن هاجس تهويد الجليل وتعديل الميزان الديمـغـرافي ما زال يلاحق متخذي القرار في إسرائيل بعد 75 عامًا من إقامة الدولة.
ويوضح “مدى الكرمل” أن هذا الهاجس يوضح اقتراحات القوانين العديدة والسياسات التي قدمتها الحكومة في الأشهر الأخيرة. جمعية حقوق المواطن رصدت هذه القوانين، ووضحت أنها تمس بحقوق المجتمع العربي في جانب التخطيط والأرض والمسكن. ويتابع: “لنأخذ -على سبيل المثال- اقتراح تعديل قانون سلطة الأراضي الذي يسعى إلى تخصيص أرض مجانية للجنود المسرحين في النقب والجليل. وهو اقتراح قدمه كل من عضوَي الكنيست نيسيم فاتوري وإيلي دلال، وأُقِر في قراءة تمهيدية في الكنيست في 22/2/2023.
كذلك تعمل الحكومة على تحضير مشروع لتعديل قانون التخطيط والبناء بغية زيادة عدد ممثلي الحكومة في لجان التخطيط؛ وقد قدم عضو الكنيست يعقوﭪ آشر (“يهدوت هتوراة”) اقتراح قانون يهدف إلى ضمان التمثيل المناسب للحريديين في لجان التخطيط. ومؤخرًا، في 7/6/2023، أقر الكنيست بالقراءة التمهيدية تعديلًا في قانون لجان القبول للبلدات. يسمح هذا التعديل بتشكيل لجان قبول في بلدات تسكنها 1,000 أسْرة أو أقل، بدلًا من 400 كما نصَّ القانون قبل التعديل. هذا يعني أنه سيُجرى فحص للمتقدمين للسكن في معظم التجمعات المجتمعية والريفية في البلاد (وجميعها يهودية)، وهو ما سيزيد التمييز الممارَس تجاه أبناء المجتمع العربي وسيصعب سكنهم في غالبية هذه البلدات”.
أي انتقاص من حقوق المجتمع العربي لا يعني للمجتمع الإسرائيلي، ولا لحركات الاحتجاج، أنه انتقاص من الديمقراطية، بل هو خارج حدود حركات الاحتجاج.
مستوطنات جديدة
ويقول إنه فضلًا عن هذا، تعمل الحكومة على إنشاء مستوطنات يهودية جديدة في النقب، شأنها في هذا كشأن الحكومات السابقة؛ إذ في العقود الأخيرة عملت كل الحكومات على تشجيع إنشاء البلدات اليهودية في النقب على أراضٍ عربية، بعضها مخطط له أن يُبنى بجانب قرى بدوية تنتظر أن يُعترَف بها منذ عقود، أو أن يبنى في أماكن وجود هذه القرى، وذلك بطريقة تصعب الاعترافَ بالقرى العربية في المنطقة، وأحيانًا تكون هذه المخططات ذريعة لتهجير السكان العرب.
لافتاً إلى أن هذه القوانين كافة -حسب توصيف صحيفة “هآرتس”- هي جزء من أَجِنْدة واسعة مبنية على لغة القِيَم “الصهيونية” المغسولة، لكن جوهرها هو التفوق اليهودي بروح قانون القومية، وترمي في نهاية المطاف إلى تهويد الحيز وإقصاء العرب، كما توضح جمعية حقوق المواطن. تقول الجمعية إنه
إذا أقرت الحكومة قانون القِيَم الصهيونية سيتحول التمييز الممارَس ضد المجتمع العربي إلى قيمة توجيهية يجب على المؤسسات الحكومية تطبيقها، وسيُطلب إلى موظفي الدولة تعزيز سياسات وبرامج تمنح الأولوية للمواطنين اليهود، وتميز ضد المواطنين العرب.
ذاك يعني منْحَ الضوء الأخضر لممارَسة التمييز ضد المجتمع العربي، وإصدارَ توجيهات مفصلة في هذا الصدد، وتفضيلَ المواطنين اليهود في جميع مجالات الحياة.
ويؤكد “مدى الكرمل” أنه بالإضافة إلى ما ينطوي عليه هذا القانون من تعزيز لسياسات التهويد، والتمييز في مجالات التخطيط والبناء والإسكان تجاه المجتمع العربي، لهذا القانون دلالات عديدة -كما ترى ورقة الموقف هذه- على العمل السياسي والبرلماني العربي، أبرزها ما نَسُوقه في ما يلي:
-الحكومة جادة في ترجمة اتفاقيات التحالف والخطوط العريضة العنصرية تجاه المجتمع العربي، وبخاصة في مجال التخطيط والتطوير والبناء، وترجمة سياسات العنصرية على نحوٍ أوسع.
-يوضح الاقتراح نوايا ومجهود الحكومة لتهويد الجليل والنقب، بعد إخفاق المشاريع السابقة في تغيير الميزان الديمـغـرافي في تلك المناطق.
-يوضح الاقتراح، مرة أخرى، عدم قدرة العمل السياسي العربي البرلماني أو الجماهيري والأهلي -بل حتى الحقوقي في هذه الحالة- على منع سياسات عنصرية معادية للمجتمع العربي.
-عدم مقدرة الأحزاب والمؤسسات الجمعية (لجنة المتابعة، اللجنة القطْرية لرؤساء السلطات المحلية العربية..) على تجنيد المجتمع العربي للنضال ضد هذه السياسات، على العكس مما حصل حين سُن قانون القومية.
-بخلاف خطة تقييد القضاء المتعثرة حتى الآن، عندما يكون عنوان التغييرات والضرر والعنصرية هو المجتمع العربي، في مستطاع الحكومة إجراء تغييرات عميقة بيُسْر ودون احتجاجات، ولا تتحول إلى شرخ بين الائتلاف والمعارَضة، وتبقى هذه السياسات خارج حدود الاحتجاج القائم في المجتمع الإسرائيلي.
ويخلص “مدى الكرمل” للقول إن الهدف من اقتراح قرار “الصهيونية كقيمة موجهة لسياسات الحكومة” هو توجيه جميع المسؤولين وأذرع الحكومة إلى مَنْح القِيَم الصهيونية أولويةً ومغزًى عند وضع السياسة وتنفيذها، وهو ما يعني حصولَ مزيد من التمييز والعنصرية والإقصاء تجاه المجتمع العربي. ترجمة اقتراح القانون على أرض الواقع تعني تطبيق قانون القومية عَبْر سياسات عينية تمنح أفضلية للمجتمع اليهودي ولقِيَم الصهيونية، بمعناها الواسع، في مجالات الثقافة، والأرض والتخطيط والتطوير، ودعم الجنود، وفي الأساس في مجال التخطيط والبناء والاستيطان، وَفْقًا للبند 7 في قانون أساس “القومية” الذي يعطي الاستيطان والتطوير اليهودي مكانة خاصة.
سيوفر القرار للحكومة والوزارات الذرائعَ القانونية لإعطاء أفضلية للمجتمع اليهودي، دون أن تكون ثمة إمكانية للطعن أو الاعتراض على هذه السياسات أمام المحاكم. هذا سيُضْعِف إمكانيات العمل والنضال السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، في مجالات عديدة، وسيقلص إمكانيات العمل البرلماني ونضال السلطات المحلية أو العمل القضائي ومؤسسات المجتمع المدني. كما يؤكد أن اقتراح القانون لم يَلقَ معارضة جديدة في الشارع الإسرائيلي، ولا من قِبل أحزاب المعارضة، بل إن بعض أعضاء المعارضة دعموا اقتراحات قوانين مشتقة من هذا الاقتراح، كقانون لجان القبول، على سبيل المثال، وهو ما يعني أنه يحظى بإجماع في المجتمع الإسرائيلي، وأن أي انتقاص من حقوق المجتمع العربي لا يعني للمجتمع الإسرائيلي، ولا لحركات الاحتجاج، أنه انتقاص من الديمقراطية، بل هو خارج حدود حركات الاحتجاج.
قِيَم تهويد الجليل والنقب وإعطاء أفضلية للمجتمع اليهودي مشتركة لجميع مركبات المنظومة السياسية والحزبية في إسرائيل.
المجتمع الإسرائيلي مشغول بالتعديلات القضائية، بينما تمرر الحكومة قوانين خطيرة تجاه المجتمع العربي والاحتلال دون أي احتجاج أو اهتمام إعلامي وشعبي جِدي.
وشدّد المركز على أن سَن هذه القوانين والتغييرات في سياسات جوهرية تجاه المجتمع العربي وتجاه القضية الفلسطينية يجب أن يشكل ناقوس خطر للأحزاب العربية والقيادات الجماعية، وللجنة المتابعة واللجنة القطْرية ومؤسسات المجتمع المدني، وذاك يتطلب الشروعَ في وضع تصور للتصدي لهذه السياسات، وعدم التركيز فقط في الاحتجاج ضد خطة التعديلات القضائية، على الرغم من أهميتها وخطورتها على المجتمع العربي.