نيويورك تايمز: فقدان للسيطرة في شمال الضفة الغربية ونتنياهو يرد بتوسيع الاستيطان
عربي تريند_ قالت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لمراسلتها في القدس إيزابيل كيرشنر إن شمال الضفة الغربية كان بالنسبة للسلطات الإسرائيلية والفلسطينية والدولية، ذات مرة نوعا من البرنامج التجريبي لفك الارتباط الإسرائيلي عن الأراضي المحتلة، وحتى من قبل البعض كنموذج أولي محتمل لدولة فلسطينية مستقبلية.
إلا أن التصعيد الحاد للعنف في المنطقة في الأيام الأخيرة الذي شارك فيه مسلحون فلسطينيون وقوات الأمن الإسرائيلية ومستوطنون يهود متطرفون يؤكد فشل تلك الرؤية.
وأضافت أن شمال الضفة الغربية يشهد مزيجا متفجرا من صعود “مليشيات فلسطينية مسلحة” تنفذ عمليات إطلاق نار ضد إسرائيليين، واقتحامات شبه يومية من قبل الجيش الإسرائيلي لاعتقال النشطاء، والتي غالبا ما تكون مميتة وأعمالا انتقامية من قبل المستوطنين اليهود المتطرفين الذين هاجموا القرى الفلسطينية وأشعلوا النار في الممتلكات.
ويزيد من التوترات، الحكومة الائتلافية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والتي تضم أحزابا يمينية وقومية متطرفة ترفض أي محادثات مع القيادة الفلسطينية وتضغط على رد عسكري أكثر عدوانية على الهجمات. كما تضغط الحكومة من أجل توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، والتي تعتبرها معظم الدول عقبة أمام حل النزاع وانتهاكا للقانون الدولي.
وتقول إن هذا المزيج المتقلب أدى إلى واحد من أكثر الأعوام دموية للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ أكثر من عقد. ومن بين 140 قتيلا فلسطينيا في الأراضي المحتلة هذا العام، هناك حوالي 86 منهم قتلوا شمال الضفة الغربية، معظمهم في منطقتي جنين ونابلس. وقتل معظمهم في اشتباكات مسلحة خلال غارات عسكرية مع أن بعضهم كانوا من المارة الأبرياء.
وأشارت لما كتبه يوحانان تزوفيف، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، يوم الخميس: “على مدى الأشهر القليلة الماضية، اتخذ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مظهرا جديدا. وتزايدت الهجمات في الضفة الغربية ومحاولات تصعيد الوضع”.
وبدأت أعمال العنف هذا الأسبوع بغارة إسرائيلية مميتة يوم الاثنين على مدينة جنين شمال الضفة الغربية، أدت إلى معركة بالأسلحة النارية استمرت ساعات قتل فيها سبعة فلسطينيين، من بينهم فتاة تبلغ من العمر 15 عاما، وفقا لمسؤولين صحيين فلسطينيين. تم إرسال طائرات هليكوبتر حربية إسرائيلية إلى المنطقة لأول مرة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي لتأمين القوات التي تحاول تخليص الجنود الجرحى والعربات المدرعة التي أعطبها انفجار عبوة متفجرة قوية على جانب الطريق.
وبعد ذلك بيوم قتل مسلحان فلسطينيان أربعة إسرائيليين بينهم صبي يبلغ من العمر 17 عاما بالقرب من مستوطنة عيلي اليهودية. والمسلحان الفلسطينيان هما أعضاء في الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي سيطرت على غزة عام 2007 بعد فوزها في الانتخابات قبل عام من ذلك.
وفي وقت متأخر من يوم الأربعاء، قتلت غارة جوية إسرائيلية بطائرة بدون طيار ثلاثة نشطاء فلسطينيين في سيارة قال الجيش إنها أطلقت لتوها النار على موقع إسرائيلي في شمال الضفة الغربية ونفذت هجمات ضد مستوطنات يهودية في المنطقة.
وأثار مقتل الإسرائيليين الأربعة في عيلي موجات من الأعمال الانتقامية يومي الثلاثاء والأربعاء من قبل مستوطنين متطرفين اقتحموا البلدات والقرى الفلسطينية، بما في ذلك ترمسعيا، شمال رام الله، مقر السلطة الفلسطينية، التي تدير معظم المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية. وترمسعيا هو مجتمع ذو كفاءات عالية نسبيا، والعديد من سكانه هم أيضا من مواطني الولايات المتحدة.
وقال لافي ديب، رئيس مجلس ترمسعيا، للإذاعة الفلسطينية، الخميس، إن مشعلي النار من المستوطنين أحرقوا 15 منزلا و60 سيارة بالإضافة إلى المحاصيل. قتل فلسطيني من البلدة برصاص ضابط إسرائيلي خلال الهجمات، بحسب مسؤولين.
وقال ديب إن بلدته، التي تفتقر إلى سيارات الإطفاء الخاصة بها، اضطرت إلى انتظار وصول إحداها من بير زيت، على بعد حوالي نصف ساعة بالسيارة.
عندما زار رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، محمد اشتية، البلدة لاحقا، واجهه أحد السكان الذي صاح في وجهه وطالب السلطة “ببذل المزيد لحماية شعبها”، بحسب وكالة أسوشيتيد برس.
ووصف نتنياهو اعتداءات المستوطنين بأنها غير مقبولة، قائلا: “دولة إسرائيل دولة قانون. جميع مواطني إسرائيل ملزمون باحترام القانون”.
وندد الجيش الإسرائيلي بعنف المستوطنين، وقال إن قوات الأمن دخلت البلدة لإطفاء الحرائق ومنع الاشتباكات وجمع الأدلة، وإن شرطة الاحتلال تحقق في الحادث.
لكن القوات الإسرائيلية، على الرغم من سيطرتها الشاملة على المنطقة وسلسلة من الأعمال الانتقامية المدمرة من قبل المستوطنين في شباط/ فبراير، تبدو على حد تعبير الصحيفة “عاجزة عن منعها”.
وبينما تصاعد العنف في شمال الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، كان الوضع يتدهور منذ سنوات، مع تصاعد موجات العنف وانحسارها منذ انهيار محادثات السلام قبل ما يقرب من عقد من الزمان.
على أمل تقليل الاحتكاك في المنطقة والإشارة إلى إحراز تقدم نحو حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قامت إسرائيل في عام 2005 بتفكيك أربع مستوطنات يهودية حول جنين، وانسحبت أيضا من قطاع غزة.
استولت إسرائيل على الضفة الغربية من الأردن في حرب عام 1967 وقالت إن مستقبلها سيتحدد في المفاوضات، لكن الجولة الرسمية الأخيرة من محادثات السلام التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين انتهت في عام 2014 بالفشل.
من المفترض أن تمارس السيادة السلطة الفلسطينية، وهي الهيئة المؤقتة التي تشكلت في منتصف التسعينيات كجزء من عملية أوسلو للسلام. ويبلغ عدد أفراد قوات الأمن حوالي 60 ألف عضو. لكنه غائب عن “بؤر التشدد الفلسطيني” في الجزء الشمالي من المنطقة مثل جنين ونابلس ويبدو، كما يقول الخبراء، أن السلطة تخلت عن مسؤوليتها بالكامل.
وقال زكريا القاق الخبير الفلسطيني في الأمن القومي “إنه انعكاس وانهيار”. وبدلا من التقليل من المشاركة، قال “هناك اشتباك كامل بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية الصغيرة، والسلطة الفلسطينية خارج اللعبة، أو على الهامش، أو ليست موجودة بالفعل على الإطلاق”. وأضاف: “لقد عدنا إلى المربع الأول. لا يوجد أوسلو. لا يوجد شيء”.
ودعا المتشددون الإسرائيليون، بمن فيهم إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، إلى عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في الضفة الغربية على غرار اجتياح المدن الفلسطينية الذي نفذته إسرائيل في عام 2002، ذروة الانتفاضة الفلسطينية الثانية عندما هاجم انتحاريون المدن الإسرائيلية.
لكن العديد من خبراء الأمن الإسرائيليين يقولون إن الظروف لا تبرر القيام بعملية كبرى.
قال يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو، وهو الآن زميل في معهد القدس للاستراتيجية والأمن، وهي مجموعة بحثية ذات توجهات محافظة “هناك الكثير من الأسلحة في الأرض، والسلطة الفلسطينية لا تعمل وعلينا التعامل معها بمفردنا”. وأضاف “لكن الوضع ليس هو نفسه”، مشيرا إلى أن الميليشيات الفلسطينية المسلحة اليوم في الضفة الغربية كانت في الغالب عصابات محلية تعمل بدون بنية تحتية تنظيمية. بدلا من ذلك، بالإضافة إلى العمل بشكل أكثر عدوانية ضد الميليشيات، تركز الحكومة الإسرائيلية على توسيع المستوطنات.
ومباشرة بعد الهجوم على عيلي، أعلن نتنياهو عن خطط لبناء 1000 منزل للمستوطنين هناك. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تقدم السلطات الإسرائيلية خططا لبناء 4000 منزل استيطاني آخر في اجتماع تخطيط الأسبوع المقبل.
يوم الأحد، خففت الحكومة عملية الموافقة على بناء مستوطنات يهودية جديدة في الضفة الغربية المحتلة ونقلت الإشراف من وزير الدفاع، حاليا يوآف غالانت، إلى وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الناشط الاستيطاني اليميني المتطرف السابق الذي يدعو إلى الضم الإسرائيلي للضفة الغربية.
وفي آذار/مارس، ألغى البرلمان الإسرائيلي التشريع الذي يمنع المستوطنين من دخول التجمعات اليهودية الأربعة في الضفة الغربية المحتلة التي تم إجلاؤها في عام 2005، مما سمح بزيارات هناك، على الرغم من أن الحكومة لا تزال بحاجة إلى الموافقة على أي إعادة إعمار في تلك المناطق.