لغوي فرنسي: لهذا أخطأت الجزائر باستبدال الفرنسية بلغة القرآن!
عربي تريند _تحت عنوان: “لماذا أخطأت الجزائر باستبدال الفرنسية بلغة القرآن؟”، كتب اللغوي الفرنسي آلان بنتوليلا- من مواليد مدينة غليزان الجزائرية عام 1949 حين كانت الجزائر خاضعة للاستعمار الفرنسي-، مقالا في مجلة “لوبوان” الفرنسية أسف فيه لاختيار الجزائر استبدال لغة المستعمر بلغة القرآن.
وقال بنتوليلا: “يدعو النشيد الوطني الجزائري إلى المطالبة بمساءلة فرنسا، يبدو لي أنه من المناسب إجراء تحليل صارم لأحد الأسباب الرئيسية لسوء الفهم والجدل: سياسة اللغة قبل الاستعمار وبعده؛ بإحالة الجميع إلى مسؤولياتهم.
وأضاف القول: “بداية، أريد التأكيد- حتى أبعد أي شك بشأن الاستعمار الجديد- أنني لو كنت وزيرًا للتربية والتعليم في الجزائر، في فجر استقلالها، لكنت قررت دون أدنى تردد أن تصبح اللغة العربية لغة التعليم والإدارة في البلاد، كانتقام عادل من التاريخ الاستعماري، ورغبة عادلة في تكييف مدرسة مع لغة وثقافة طلابها ومواطنيها. لكنني كنت سأختار الدّارجة الجزائرية كلغة للتعليم- لغة الشعب- وليس اللغة العربية الفصحى، أي لغة القرآن!.
خطأ فادح
وأوضح اللغوي الفرنسي أن اختيار حكام الجزائر الجدد بعد استقلالها كان للأسف، بحسبه، اللغة العربية الفصحى، لغة القرآن التي أرادوا أن تكون لغة جميع المسلمين. وقد وقّع المظهر الديني والعروبة على إفلاس المدرسة الجزائرية، مع نتيجتين كارثيتين، وفق آلان بنتوليلا دائماً:
الأول كان دفع الطلاب الذين يتحدثون اللهجة العربية فقط أو البربرية إلى مدرسة استقبلتهم باللغة العربية الكلاسيكية (الفصحى) التي لم يكن أي منهم يفهمها.
أما النتيجة الثانية، فكانت أكثر خطورة!، يقول اللغوي الفرنسي، معتبراً أنه باختيار لغة القرآن، يختار المرء تصوراً للقراءة وتعلمها يحرم القارئ من حقه الأساسي في الفهم والتفسير، وباختصار حقه في القراءة.
ورأى آلان بنتوليلا أنه من خلال جعل اللغة العربية الحرفية لغة المدارس الحكومية الجزائرية، تم ثني التلاميذ عن تكوين فكرتهم الخاصة عن النص، معتبراً أن المدرسة الجزائرية، بفرضها لغة غير معروفة لأبنائها، وجهت تعلم القراءة نحو التلاوة ومنعتهم بالتالي من التساؤل وخلق معنى النصوص. وتحول الاحترام العادل الناجم عن النص إلى خنوع مخيف، بحيث أصبح الفهم ذاته جريمة. وهكذا تم استبعاد التفسير من المدرسة الجزائرية ومعه النقد الهادئ والموضوعي للنصوص والخطابات سواء كانت علمانية أو مقدسة، وفق اللغوي الفرنسي.
نير جديد
ويضيف الكاتب أنه من خلال فرض اللغة العربية الفصحى، لم يتم تقديم لغة وطنية للشعب الجزائري كهدية للاستقلال، بل كانت نيرًا جديدًا فُرض عليه: استبدلت لغة المستعمر بلغة الدين، مع العواقب الكارثية نفسها على التكوين الفكري للشاب الجزائري. باختصار، أكملت اللغة العربية الفصحى “العمل القذر” الذي بدأته الفرنسية: فقد استثنت الفرنسية لعقود جزءًا كبيرًا من المواطنين من مسارات النجاح الأكاديمي. ودانت اللغة العربية الفصحى فكرة المدرسة المحررة، وفق اللغوي آلان بنتوليلا.
واعتبر الكاتب أن الوصول إلى المدرسة في سن الخامسة أو السادسة والترحيب بها بلغة لم تعلمها والدته هو عنف لا يطاق بالنسبة للطفل.
التذكرة الفائزة
ومضى آلان بنتوليلا قائلاً إن البطاقة الفائزة للمدرسة الجزائرية اليوم هي التي تجمع، في تكامل يمحو دموع التاريخ، الدّارجة الجزائرية والفرنسية، معتبراً أن العربية الجزائرية (الدّارجة) التي تزداد استقرارًا، وأكثر تنظيماً، تستحق فرصة احتلال مناطق إدارية وتعليمية وسياسية وإعلامية بشكل كامل وفعال.
من جانبها- يضيف الكاتب- يمكن أن تصبح الفرنسية بالنسبة لجميع الجزائريين لغة الانفتاح على الفضاء الأوروبي وتتوقف عن أن تكون أداة الاختيار الاجتماعي من حقبة أخرى.
أخيرًا، يجب أن تؤخذ الأمازيغية في الاعتبار تمامًا لجميع هؤلاء الأطفال الذين يصلون إلى المدرسة بهذه اللغة الوحيدة للتحدث والفهم، يشدد اللغوي الفرنسي، معتبراً أن مثل هذا الاختيار سيفرض مراجعة معمقة لأنماط التعاون الثقافي والتعليمي بين فرنسا والجزائر.
ورأى الكاتب أن الجزائر شريك يجب أن تتم معه إصلاحات عميقة لتعلم واستخدام القراءة والكتابة من أجل تكوين “قراء مقاومين” يعرفون كيفية ممارسة حقوقهم والاضطلاع بواجباتهم. يمر هذا التعلم من خلال تمييز واضح بين لغة التعلم ولغة القرآن، وبين لغة الفكر الحر ولغة الخضوع، بين تربية الفهم ولغة فك الشفرة، بحسب آلان بنتوليلا، معتبرا أن مثل هذا التحدي يتجاوز الانقسامات اللغوية.