جدل حول مبادرة أطلقتها أحزاب الموالاة في الجزائر.. ومعارضون يعتبرونها جهاز مساندة جديدا
عربي تريند_ تثير مبادرة “تعزيز التلاحم وتأمين المستقبل” التي أطلقتها أحزاب الموالاة في الجزائر، جدلا في الساحة السياسية، ظهر في ردود أفعال مناوئة لهذه الخطوة من قبل أحزاب أخرى، اتهمت أصحابها بإعادة طرح الوصفات القديمة من أجل محاولة التموقع تحسبا للرئاسيات المقبلة.
وتبدو الانتقادات مبنية على خلفية الأحزاب والمنظمات المشاركة في المبادرة والتي سبق لمعظمها أن كانت في صفوف مساندة الرئيس الراحل والانخراط في مشاريع تمكينه من البقاء في الحكم، وهو ما يراه مهاجمو المبادرة رغبة في العودة للوراء من خلال تدوير طرق المساندة القديمة التي تتستر وراء شعارات الخطر الخارجي والمصلحة الوطنية.
وإذا كان هدف المبادرة وفق جيلالي سفيان رئيس حزب جيل جديد، تعزيز الجبهة الداخلية لدعم السلطة، فإن السؤال الذي يطرح هو “كيف يمكن للأحزاب السياسية اليوم المهمشة، المخدرة، دون أي دور عملياً، أن تدافع بشكل لائق عن الجمهورية؟ وإذا كانت الأحزاب أدوات مطيعة في يد السلطة، وليست لها مواقف معروفة ومثبتة ومستقلة عن السلطة القائمة، فكيف يمكن أن تشكل جبهة ذات مصداقية؟
وفي انتقاد واضح لأهداف المبادرة، قال رئيس حزب جيل جديد في حوار مع جريدة ليكبريسيون الفرنكوفونية: “إذا أراد زعيم حزب، باسم المصلحة الوطنية، التقدم كمرشح أو دعم الرئيس الحالي لولاية ثانية، فهذا جزء من اللعبة. لكني كنت أتمنى سياسة تجديد واسعة الأفق، ونفسا جديدا في الساحة السياسية”. لذلك، أبرز جيلالي سفيان الذي يرفض الالتحاق بهذه المبادرة، أن ما تم طرحه يعيد نفس الأنماط المستهلكة والوصفات القديمة، متوقعا أن تكشف المبادرة بسرعة عن أهدافها الحقيقية وقبل كل شيء عن حدودها.
والمعروف أن هذه المبادرة جاءت بفكرة من عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني المشاركة في الحكومة والمرشح الرئاسي السابق، بهدف تعزيز الجبهة الداخلية كما قال ودعم مؤسسات الدولة في مواجهتها المخاطر الخارجية في ظل التحولات التي يشهدها العالم.
واستطاع بن قرينة أن يجمع حوله أحزابا ثقيلة في صفوف الموالاة، مثل حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وهي أحزاب مشاركة في الحكومة وموالية للسلطة. كما استقطب أيضا أكبر المنظمات الجماهيرية، مثل المنظمة الوطنية المجاهدين التي توصف بالمنظمة الأم في الجزائر والاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي يشكل أكبر نقابة في البلاد والكشافة الإسلامية الجزائرية.
وبلغة أكثر راديكالية عن جيلالي سفيان الذي يتبنى خطابا إصلاحيا غير متصادم مع الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، وصف التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية مبادرة أحزاب الموالاة بالزائفة التي تهدف حسبه لـ”زيادة تلويث المجال السياسي والإعلامي المعادي أصلا للنقاش”.
وأوضح الحزب المعارض في بيان له أن “الاعتداء على الحريات الأساسية والفردية واستمرار سجن مئات من المواطنين بسبب آرائهم أدى إلى زرع الخوف، ما يوهم السلطة التي لا تتحاور إلا مع نفسها، أنها مسيطرة على المجتمع”، مشيرا في هذا السياق إلى أن “المبادرات الزائفة التي تجمع الخدم والأجهزة المجندة تسعى لزيادة تلويث المجال السياسي والإعلامي المعادي أصلا للنقاش”.
وأعاد التجمع استعمال مصطلح “لم الشمل” الذي وظفه أصحاب المبادرة بالقول: “إنقاذ البلاد من هذا الوضع المشلول لا يستدعي لم شمل أولئك الذين رسموا ونفذوا ورافقوا انتهاك سيادة الشعب وقمعه”. واعتبر أن السياق الحالي وعلى العكس تماما، يتطلب تمكين غالبية الجزائريين من النقاش حول الوسائل الكفيلة بحماية البلاد وانتهاج سياسة تعزز المصلحة العامة وتكون مدعومة من غالبية شعبنا.
وشدد الحزب الذي سبق له رفض المشاركة في المسار الانتخابي بعد الحراك الشعبي، على أنه دعا مرارا وتكرارًا إلى تعبئة الجميع لمواجهة تحديات التنمية وعواقب الاضطرابات الجيوسياسية الجارية، لافتا إلى أن تنظيم نقاش وطني وحده هو الكفيل على إعادة الثقة إلى الناس ويسمح بالخروج بحلول واقعية وبكل مسؤولية. وأكد على أن الوضع يتطلب وثبة تاريخية مسؤولة ووطنية، بعيداً عن الأجندات الـ”كافكاوية” الغامضة التي تعتمد على الزبائنية الحزبية عديمة التجذر.
من جانبها، نأت حركة مجتمع السلم التي تتبنى خطا معارضا في البرلمان، بنفسها عن المبادرة بعد أن أشيع بأنها ستلتحق بها. ويرجع ذلك، وفق مصادر في الحركة إلى رفضهم الدخول في مبادرات غير محددة الأهداف. في مقابل ذلك، اختار رئيس حركة مجتمع السلم الجديد عبد العالي حساني، طلب لقاء على انفراد مع الرئيس عبد المجيد تبون، ناقش فيه معه التحديات الداخلية، “المتمثلة في الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي فرضتها مختلف التحولات، وكذا معالجة بعض الملفات السياسية المرتبطة بتكريس الحريات الإعلامية والمجتمعية، والوقوف على بعض الاختلالات – سيما مكافحة الفساد – بما يعزِّز الجبهة الداخلية في البلاد”، حسب بيان الحركة.
وترهن هذه الانتقادات سعي أصحاب المبادرة لتوسيع دائرة المنخرطين فيها، حيث كانوا قد دعوا “شركاء الساحة الوطنية بدون استثناء من الأحزاب السياسية، والمنظمات، والنقابات ومكونات المجتمع المدني والنخب والمرجعيات المجتمعية، للالتفاف حولها والعمل معا على تجسيد مقاصدها وبناء خطواتها ومساراتها وإثراء أرضيتها بالمقترحات والأفكار الكفيلة بتحقيق أهدافها”.
ولا يبدو أن هذه التحفظات ستوقف أصحاب المبادرة الذين يؤكدون المضي في مسعاهم لعقد ندوة وطنية لتعزيز التلاحم وتأمين المستقبل يوم السبت 15 تموز/ يوليو المقبل تزامنا مع احتفالات استرجاع السيادة الوطنية واحتفالات عيدي الاستقلال والشباب.
ووفقا لما أعلنوه فإن هدفهم من الندوة هو “تعبئة طاقاتنا الوطنية ونخبنا المسؤولة وقوى مجتمعنا الحية، والتكامل مع مؤسسات دولتنا في المحافظة على وديعة الشهداء وتحصين الوطن وتمتين الجبهة الداخلية وتأمين مستقبل الأجيال، واستكمال مسار التجديد وتحقيق تطلعات الشعب الجزائري ورفاه المجتمع وإسعاد المواطن”.