لماذا تتجاهل الحكومة الروسية الهجوم بالطائرات المسيرة على موسكو؟
عربي تريند_ تعرضت العاصمة الروسية موسكو مؤخرا لهجوم بطائرات مسيرة، ما تسبب في إلحاق أضرار بعدة مبان. وبينما حمّلت روسيا أوكرانيا المسؤولية، نفت كييف ضلوعها في ذلك الهجوم.
وقالت الباحثة تاتيانا ستانوفايا، خبيرة الشأن الروسي في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إن ردة فعل الحكومة الروسية، أو عدمها، على ما يبدو أنها هجمات أوكرانيا الجريئة والمتزايد على الأراضي الروسية، غير عادية.
وبالإضافة إلى القصف المتكرر للمناطق الحدودية، شنت القوات شبه العسكرية الأسبوع الماضي غارة عبر الحدود على منطقة بيلجورود ، والآن تتعرض موسكو نفسها لهجوم من طائرات مسيرة. ومع ذلك، لا يبدو أن أيا من هذا يستدعي ردا علنيا.
وتقول ستانوفايا إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صامت كالمعتاد. ويحيل المتحدث باسمه جميع الأسئلة إلى وزارة الدفاع. وترد وزارة الدفاع بتقارير لا نهاية لها عن نجاحاتها التي توقف الجميع عن تصديقها منذ فترة طويلة. والانطباع العام هو أن القيادة الروسية لا تفهم بشكل أساسي الخطر الذي تعيشه البلاد الآن.
وتضيف الباحثة أنه من المهم أن نلاحظ كيف تطورت تفسيرات السلطات الروسية لهزائمها خلال الـ15 شهرا الماضية من الحرب، فحتى نهاية الصيف الماضي تقريبا، كانت العبارة الأكثر شعبية هي اقتباس بوتين من اجتماعه مع البرلمانيين في 7 تموز/يوليو: “نحن نبدأ للتو”. وفي ذلك الوقت بدا الأمر وكأن الكرملين كان يعرف ما يفعله، وأن لديه بعض أوراق القوة غير المعلنة في جعبته.
وفي الوقت نفسه، كان هناك الكثير من الحديث عن الخطوط الحمراء، التي إذا جرى تجاوزها ستؤدي إلى انتقام مدمر لا يرحم. ولكن بعد ذلك جاء سيل لا نهاية له على ما يبدو من الأخبار السيئة، مثل اغتيال الصحافية المؤيدة للحرب (وابنة الفيلسوف السياسي اليميني المتطرف ألكسندر دوجين) داريا دوجينا، والانسحاب من منطقة خاركيف الأوكرانية، والهجوم على الجسر الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم، والانسحاب من مدينة خيرسون، والضربة الصاروخية القاتلة على القاعدة العسكرية الروسية المؤقتة في ماكيفكا، وما إلى ذلك.
وفي غضون بضعة أشهر، بدا أن الخطوط الحمراء للكرملين إما أنها لم تكن موجودة قط أو أصبحت متغيرة جدا. وكانت ردة فعل السلطات هو نفسه إلى حد ما في كل مرة، وهو التقليل من أهمية الحدث، وتقديم روسيا كضحية، وعدم تسييس المشكلة، وكل ذلك من دون أي تدخل علني من بوتين.
وربما كان كل هذا سيبقى غير منطقي لو لم تصبح الهجمات جريئة بشكل متزايد، وفقا لستانوفايا. وتوضح أن دخول القوات شبه العسكرية إلى منطقة بيلجورود على متن مركبات مدرعة والهجمات بطائرات مسيرة في ضواحي موسكو المرموقة هو مستوى جديد تماما من الخطر، حيث يشكل هذا تهديدا ملموسا لعامة الأشخاص.
إن خطورة هذه الهجمات تتعارض تماما مع ردة الفعل اللامبالية للحكومة، التي تواصل التصرف وكأن شيئا لا يحدث، بغض النظر عن أي شيء.
وتحدث عمدة موسكو سيرجي سوبيانين عن “أضرار طفيفة”، بينما أشاد المتحدث باسم بوتين، ديمتري بيسكوف بالجيش الروسي، إذ قال إن “كل شيء سار كما ينبغي”، وتفتح لجنة التحقيق بشكل روتيني قضايا جنائية جديدة. وفي نفس اليوم الذي وقعت فيه هجمات الطائرات المسيرة الأخيرة على موسكو، كانت تعليقات وزير الدفاع سيرجي شويجو خلال مؤتمر عبر الهاتف مع الصحافيين لافتة للنظر بسبب محتوى التهنئة الذاتية.
وهذه هي الطريقة التي يعمل بها النظام الروسي، إذ إن كل موارده لا تتركز على صد الهجمات أو تقييم مستوى الخطر، ولكن على التهرب من المسؤولية قدر الإمكان.
وحتى في الوقت الذي تعج فيه وسائل الإعلام الروسية بتقارير عن طائرات مسيرة تلحق أضرارا بالبنية التحتية المدنية وتصيب أشخاصا، وهو ما يستلزم عمليات إجلاء، فإن وزارة الدفاع تتحدث ببساطة عن عدد الطائرات المسيرة التي أسقطتها أو اعترضتها. أما الحل الذي اقترحه نائب مجلس الدوما أندريه جوروليوف فهو جعل التقاط الصور ولقطات الفيديو للطائرات المسيرة أمرا غير قانوني.
ولم يدل بوتين نفسه بأي تعليقات علنية على هجمات الطائرات المسيرة حتى بعد الظهر. وعندما سئل خلال مؤتمره الصحافي الصباحي مع الصحافيين عن خطط الرئيس لهذا اليوم، أجاب بيسكوف: “القضايا الاقتصادية والتحدث مع رواد الأعمال، مع التركيز على الهندسة المعمارية والعمران والتعليم وغيرها من مجالات الاقتصاد الإبداعي”.
بعبارة أخرى، لا يوجد فهم لحجم ما يحدث، أو أي تعاطف مع الروس العاديين، بما في ذلك أولئك الذين وقعوا ضحايا في الهجمات. وبدلا من ذلك، كانت الرسالة واضحة وهي أن الرئيس يعمل بجد، والكرملين لا يعتبر الهجمات حالة طارئة.
وفي أكثر من مناسبة علنية، تحدث بوتين عن قدرة الشعب الروسي على الصمود المتميز، ومرونته وتفهمه لقرارات الحكومة، وتضامنه مع تلك القرارات. ويبدو أن هذا هو المبدأ التوجيهي لتفاعل الرئيس مع المجتمع. وبغض النظر عن مدى جرأة الهجوم التالي، فلا يعتقد بوتين أنه يمكن أن يثير الغضب في المجتمع الروسي تجاه السلطات.
وترى ستانوفايا أن ما يخشاه بوتين هو التهويل، لأنه إذا أصبح الشعور العام بالخطر قويا جدا، فسيتعين على السلطات تعبئة الموارد للرد، وهذا لا يتناسب مع تكتيك الكرملين الذي اختاره للانتظار بوقته. لذلك، من الأفضل التزام الصمت حيثما أمكن، وتقديم الإخفاقات على أنها نجاحات، وعدم الإسهاب في الهجمات، وعندئذ لن تكون هناك حاجة للرد أو تقديم الأعذار.
وفي تعامله مع المؤسسات المحلية والنخبة، كان بوتين يسترشد منذ فترة طويلة بنفس شعار: “لا تجعل الأمر كبيرا”.
وتقول ستانوفايا إن هناك ثلاثة أسباب رئيسية لردة فعل الحكومة السلبي على هجمات الطائرات المسيرة هي: إيمان بوتين بقدرة الشعب على التحمل، وتركيز السلطات على إظهار “نجاحاتها”، وافتقار روسيا الموضوعي إلى الاستعداد العسكري للرد بفاعلية على مثل هذه الهجمات.
وتخلص الباحثة إلى القول إنه في النظام الروسي، يجري تحميل اللوم لأول شخص يدق ناقوس الخطر، ومن الأسهل إسكات كل شيء بدلا من الاعتراف بالضعف. لكن المشكلة في هذا التكتيك هي أن له حدوده. ويريد الشعب أن يرى قيادة قوية، لكن في الوقت الحالي، تبدو هذه القيادة عاجزة ومرتبكة بصورة متزايدة.
(د ب أ)