إيكونوميست: إيران لم تدخل النادي النووي بعد ولديها سلاح “تحت الطلب” في بطن الجبل
عربي تريند_ نشرت مجلة “ايكونوميست” تقريرا أشارت فيه إلى مرور خمس سنوات على خروج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، الذي وقعته إيران مع دول عالمية بقيادة أمريكا مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية.
ولم تقف إيران منذ ذلك الحين، مكتوفة الأيدي. فالصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية، تؤكد على ما يبدو أنها تبني منشأة نووية في جبال زاغروس، قرب موقع التخصيب الحالي في مفاعل ناطنز. ويبدو أنها عميقة جدا تحت الأرض لدرجة أنها ستكون غير معرضة للخطر حتى أمام أقوى قنبلة في أمريكا لخرق الملاجئ.
وقام مركز جيمس مارتن لدراسات عدم انتشار السلاح النووي في كاليفورنيا بتحليل الصور ووجد، لو كان تقييمه صحيحا، أنه حُفرت أربعة مداخل في سفح الجبل، عرض كل منها ستة أمتار وارتفاعها ثمانية أمتار. وتضيف أن عمق المنشأة هو ما بين 80-100 متر.
وكان الأمريكيون قد طوروا قنبلة باسم جي بي يو- 57 لكي تكون قادرة على تدمير منشأة أخرى تحت الأرض، في فوردو، وأطلقوا عليها اسما آخر وهو “مخترق التحصينات العملاقة”. ويمكن للقنبلة الموجهة بدقة وبزنة 14000 كغم أن تخترق 60 مترا من الأرض والصخور قبل أن تنفجر. لكن هذه القنبلة قد لا تكون كافية لتدمير مخبأ إيران الجديد.
وتقول المجلة إن معهد العلوم والأمن الدولي، وهو مؤسسة فكرية في واشنطن أسسها ديفيد أولبرايت، مفتش أسلحة سابق، يرى أن أعمق جزء من الغرفة يمكن استخدامه قاعةً لعدد صغير من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي يمكن أن تنتج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة بسرعة لجعل إيران قادرة على اختراق نووي لا يمكن إيقافه.
وتقول إنه مهما كانت انتقادات الصفقة النووية لعام 2015 المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، فقد ضمنت أن إيران تحتاج إلى نحو عام كي تنتج ما يكفي من المواد الانشطارية لجهاز نووي. أما الآن، فمن المحتمل أن تحقق ذلك على الفور.
وتقول إنه منذ قرار ترامب المتهور بإلغاء “أسوأ صفقة على التاريخ” وتجديد العقوبات التي كانت مصممة لممارسة “أقصى ضغط” على النظام الإيراني، أدخلت إيران أجهزة طرد مركزي جديدة وأسرع على خط الإنتاج، ما زاد بشكل كبير من قدرتها على التخصيب.
وبحسب تقرير التفتيش للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لربع السنة الأول، يقدر فريق أولبرايت أن إيران يمكن أن تنتج ما يكفي من اليورانيوم الصالح لصنع سلاح نووي في غضون 12 يوما. وستحتاج فقط إلى استخدام ثلاث مجموعات من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة ونصف مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%. ولو استخدمت إيران كل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، فيمكنها إنتاج يورانيوم صالح لصناعة الأسلحة يكفي لأربعة أسلحة نووية أخرى في غضون شهر. وفي غضون شهرين آخرين، وباستخدام مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب (أي أقل من 5٪ من اليورانيوم المخصب)، يمكن أن تحصل على ما يكفي من المواد لسلاحين إضافيين. ويضيف الفريق أن اختبار ونشر نظام إيصال قنبلة بدائي مثل طائرة أو سفينة سيستغرق نحو ستة أشهر. قد يكون من الممكن إطلاق رأس حربي صاروخ في غضون عام أو عامين.
وفي شهادته أمام الكونغرس في 29 آذار/ مارس، رسم الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، جدولا زمنيا مشابها.
هذه المعلومات لا تعني أن إيران على وشك الاختراق وتصبح دولة تمتلك أسلحة نووية كاملة. ما يعنيه، كما يقول أولبرايت، قدرتها على إنتاج أسلحة نووية إلى حد كبير “عند الطلب”.
وتأتي هذه التطورات بعد فشل المحادثات المكثفة غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، التي قادها كبير مسؤولي السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوسيب بوريل واستمرت لعدة أشهر في فيينا العام الماضي. فقد بات الطرفان بعيدين، ومعه باتت فكرة إعادة الحياة للاتفاقية النووية بعيدة.
ويعتقد علي أنصاري، مدير معهد الدراسات الإيرانية في جامعة سانت أندروز باسكتلندا، أن الإيرانيين لم يكونوا أبدا “صادقين بشأن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، ولم يكن هناك الكثير من الحماس الحقيقي داخل وزارة الخارجية: لقد كانت مفاوضات من أجل مفاوضات”. ويوافق إميل الحكيم، المتخصص في أمن الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، على ذلك ويقول: “كان الإيرانيون قد قرروا بالفعل أنهم كانوا خارج خطة العمل الشاملة المشتركة بحلول الوقت الذي وصلت فيه إدارة بايدن. كانوا يلعبون لعبة معقدة مع وكالة الطاقة الدولية”.
ويرى الباحثان أن شهقة الموت للاتفاقية كان الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي. من خلال جلب روسيا وإيران إلى علاقة دفاعية أوثق بكثير، فقد قضت على أي آمال باقية في العودة إلى المفاوضات. ومع ارتفاع أسعار الطاقة فإنه خفف أيضا بعض الضغوط الاقتصادية الفورية على إيران.
إلى جانب ذلك، يعتقد أنصاري أن إيران افترضت أن روسيا ستنتصر في أوكرانيا، الأمر الذي من شأنه أن يعزز رواية إيران عن التراجع الغربي ويحسن شروط العقوبات من خلال استغلال الانقسامات بين حلفاء أمريكا الأوروبيين. وبينما تحطمت هذه التوقعات، تعتقد إيران أن بإمكانها تقوية موقفها في علاقتها مع روسيا الأضعف. ومن جانبه يعتقد الحكيم أن دول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها السعودية وإيران افترضت أن روسيا المعزولة، الحريصة على شراء مسيرات وصواريخ من إيران، ستصبح شريك معاملات أكثر قيمة بكثير.
وأضافت المجلة أن البعض في واشنطن يريد من دول الخليج رعاية مصالحها الأمنية في وقت تتورط فيه الإدارة الأمريكية في الحرب بأوكرانيا، علاوة عن تنافسها المستمر مع الصين. ويعتقد العديد من مراقبي الخليج أن أمريكا بدأت بالفعل في حزم حقائبها لمغادرة المنطقة.
يضاف إلى هذا، أن دول الخليج العربية أصبحت أقل اهتماما بالملف النووي الإيراني من اهتمام أمريكا أو إسرائيل. فهي تعتبر إيران قوة نووية بحكم الأمر الواقع. كما أنها لا تملك الخبرة الفنية للتفاوض مع الإيرانيين بشأن القيود النووية، حتى لو أرادت ذلك. ما يقلق دول الخليج، كما يقول حكيم، هو صواريخ إيران ومسيراتها والميليشيات. خلافا لهذا، تشعر إسرائيل أنها تستطيع التعامل بشكل جيد مع إيران. لكنها قالت مرارا إنها لا تستطيع التعايش مع إيران ذات القدرة النووية.
وبالمحصلة فنحن أمام توازن مرهق ولكنه خطير، حيث تحاول القوى الإقليمية كسب بعض النفوذ على إيران من خلال الاستثمار في اقتصادها والقيام ببوادر حسن النية، مثل إعادة قبول حليف إيران السوري في جامعة الدول العربية، والإذعان إلى الصين – المؤثر الحقيقي الوحيد على إيران – كلما أمكن ذلك.
وأعادت السعودية علاقاتها مع وإيران بوساطة صينية في آذار/ مارس. وتأمل دول الخليج بالوقت نفسه أن ترعوي إيران عن التدخل بالمنطقة، وإن بشكل أقل.
أما على الجبهة النووية، فهي تفضل أن تمتنع إيران عن الاختراق وأن تترك للوكالة الدولية للطاقة الذرية مجالا لعمليات التفتيش الروتينية.
من وجهة نظر دول الخليج، إن أكبر الأوراق الغامضة هي نتيجة الانتخابات الأمريكية القادمة وسلوك إسرائيل. على الرغم من اتفاقيات إبراهيم في عام 2020، التي أدت إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع أربع دول عربية، إلا أن الحكومات في الخليج تعرف أن تأثيرها ضئيل على ما قد تقرره إسرائيل بشأن إيران. بينما تضغط إيران من أجل الحصول على صواريخ إس -400 التي تغير قواعد اللعبة، والطائرات النفاثة الحديثة من روسيا، وتدفن أنظمة التخصيب بشكل أعمق في سفح الجبل، وقد ترى إسرائيل أن نافذة التحرك الخاصة بها تغلق.