فايننشال تايمز: التطبيع مع الأسد بات حتميا والسؤال ما هو الثمن الواجب عليه دفعه؟
عربي تريند_ ما هو الثمن الذي يجب على رئيس النظام السوري بشار الأسد دفعه لكي يعود إلى الجامعة العربية؟ تقول صحيفة “فايننشال تايمز” في تقرير أعدته راية الجلبي، وأندرو إنغلاند، وسامر الأطرش، إن الأسد الذي عومل لأكثر من عقد كمنبوذ دولي بسبب وحشيته ضد شعبه بات يلعب دورا جديدا، هو استقبال الشخصيات العربية البارزة.
فقد شهدت الفترة الأخيرة سلسلة من الزيارات بعد 12 عاما من العزلة الإقليمية للأسد التي تقترب من نهايتها بدون معالجة الانتهاكات التي ارتكبتها قواته وسحقه للانتفاضة الشعبية ومواجهة الحرب الأهلية التي تسبب بها.
وتقول الصحيفة إن المسؤولين والمحللين في المنطقة، يرون أن النقاش بات يدور حول معقولية إعادة تأهيل الأسد وما يجب أن يقدمه من تنازلات مقابل ذلك. ومن هنا، يبدو التطبيع مع الأسد محتوما بحسب جوزيف ضاهر، من معهد الجامعة الأوروبية في إيطاليا، الذي يقول: “ربما اختلفت الدول العربية بعض الشيء، لكنها تتلاشى بشكل كبير في وقت زاد الاهتمام المشترك لتعزيز استقرار ديكتاتور في المنطقة”.
قال مسؤولون عرب إن النظام السوري لم يظهر اهتماما بتقديم تنازلات، رغم محاولات التطبيع معه
وبات يقود ركب التطبيع مع الأسد، الإمارات والسعودية التي التقى وزير خارجيتها رئيس النظام السوري في نيسان/ أبريل، وهي أول زيارة علنية من مسؤول سعودي منذ 2011. وجاءت الزيارة بعد زيارة وزير الخارجية السوري إلى السعودية للتباحث “بعودة سوريا إلى محيطها العربي”. في الوقت نفسه، يشعر الأسد بالثقة، ففي لقاء لوزراء الخارجية لمناقشة عودة سوريا من جديد للجامعة العربية، قال المسؤولون إنه لم يظهر اهتماما بتقديم تنازلات.
وقال مسؤول: “السوريون يريدون تنازلا كاملا.. يمزح البعض بأنه قد يطلب اعتذارا”. وهناك بعض الدول العربية مترددة بالتطبيع، من بينها قطر والكويت، اللتان ترددتا بدعم الخطط التي تقودها السعودية لدعوة النظام السوري لحضور القمة العربية هذا الشهر. إلا أن مسؤولين بارزين من عدة دول عربية، منها السعودية والأردن والعراق ومصر، بدأوا بالعمل على قضايا لطرحها مع النظام.
وقال دبلوماسي إن المفاوضات هذه ستمتحن فيما إن كان الأسد “جديا أم لا” حول العودة للحظيرة العربية.
وبدأت العمل للتواصل مع الأسد بقيادة الإمارات التي أعادت فتح سفارتها في دمشق عام 2018 ثم البحرين. وقال أندرو تابلر، المسؤول السابق والزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إن الضغط من إدارة ترامب منع الآخرين من التحاور مع الأسد. وعند تلك النقطة، كانت المنطقة قد استُهلكت بسبب التنافس السعودي- الإيراني، ولهذا لم تكن هناك أية شهية للتعامل مع الأسد.
ودعمت دول الخليج المعارضةَ السورية ضد الأسد، وعارضت الحضور الإيراني في سوريا. إلا أن المواقف من طهران تغيرت بسبب ما يراه المسؤولون في المنطقة غيابا في الرؤية الأمريكية الواضحة، والرغبة السعودية – الإماراتية في خفض التوتر مع إيران والجماعات الوكيلة لها. وهو ما عبّد الطريق الشهر الماضي للتقارب السعودي- الإيراني برعاية الصين.
وقال مسؤول سعودي إن التوصل مع نظام الأسد لم يكن “شرطا في الصفقة” لكن “كل واحد ترك تأثيرا على الآخر” و”أعتقد أننا لم نكن لنصل إلى سوريا لو لم نتواصل مع إيران”.
وحتى تركيا الداعم المهم للمعارضة ضد الأسد، اتخذت خطوات حذرة لتغيير موقفها. وبعد الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في شباط/فبراير، خففت الولايات المتحدة العقوبات على سوريا لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، بشكل دفع الدول العربية لاستغلال الزخم، بطريقة أدهشت الولايات المتحدة حسب تابلر.
وعلى خلاف 2018، لم تلق التحركات الأخيرة دفعة من الولايات المتحدة، كما قال تابلر. وقال محمد علاء غانم، مدير السياسة للمجلس السوري- الأمريكي: “لم تكن سوريا أولوية لإدارة بايدن”. وقال إن “الولايات المتحدة انتقلت من “لا تتجرأوا للتطبيع مع الأسد” إلى “لو طبعتم مع الأسد، فتأكدوا من الحصول على مقابل”.
وأشار إلى تعليقات أخيرة من مسؤولة أمريكية بارزة بقولها: “يجب التعامل مع الأسد كمنبوذ” ولو تواصلت الدول العربية مع الأسد، فعليها التأكد “من الحصول على شيء”.
وبالتأكيد، فالرياض التي قادت التحركات الدبلوماسية الأخيرة نحو دمشق، لن تلتزم بالتطبيع الكامل مع الأسد بدون تحرك من الجانب السوري. وقال مسؤول سعودي بارز: “لا يعني فتح قنوات اتصال أنها كذلك، وهي ليست مفتوحة بشكل كامل، وبدون تواصل لا يمكنك التفاوض حول ما تريد”. وقال دبلوماسي عربي آخر، إن عودة النظام السوري للجامعة العربية يجب أن يكون نتيجة جهود”. وبعد لقاء وزراء خارجية الجامعة العربية، قال الدبلوماسي إن لجنة على مستوى عال من مسؤولي السعودية والأردن والعراق ومصر، التقوا لمناقشة الخطوات المقبلة.
القادة العرب لن يضغطوا على الأسد فيما يتعلق بالانتهاكات، خشية لفت الانتباه لانتهاكاتهم
وقال الدبلوماسي العربي: “لقد توصلنا إلى إجماع حول الموضوعات التي نريد التركيز عليها”، و”هناك موضوعات نريد من النظام تحقيقها”.
وحظيت المبادرة بزخم يوم الإثنين، عندما التقى وزراء الخارجية في عمّان لمناقشة الموضوعات، وهذه المرة بحضور فيصل المقداد، وزير خارجية النظام السوري.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية، إن اللقاء هدف لمناقشة مبادرة “والتوصل لحل سياسي للأزمة السورية”. وبعد لقاء الإثنين، أعلنت وزارة الخارجية الأردنية أن دمشق وافقت على العمل ووقف “تهريب المخدرات” عبر الحدود إلى الأردن والعراق، ومعالجة موضوع اللاجئين والمشردين والمفقودين.
ومن الصعب تحقيق تقدم، ويقول الخبراء إن القادة العرب لن يضغطوا على الأسد فيما يتعلق بالانتهاكات، خشية لفت الانتباه لانتهاكاتهم. وبالنسبة لملايين اللاجئين في الخارج الخائفين من تقارب الدول العربية مع الأسد، فهم يخافون من إجبارهم على العودة إلى سوريا. ولهذا فقد تم التركيز على الكبتاغون الذي أصبحت التجارة فيه شريان الحياة لاقتصاد النظام في سوريا.
وتأثرت السعودية والإمارات والأردن بتهريب المخدرات عبر الحدود. وتقول كارولين روز، من معهد نيولاينز: “أصبح الكبتاغون على رأس النقاشات المتعلقة بالتطبيع”. وقالت إن النظام استخدم تجارة الكبتاغون كورقة ضغط، ومن “الحماقة التفكير أنهم سيتوقفون”.
ولا يُعرف في النهاية ما يعنيه التطبيع للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال- غرب، وشمال-شرق البلاد. وتقول دارين خليفة من مجموعة الأزمات الدولية، إن “استئناف العلاقات السياسية مع الأسد، يترك عدة أسئلة بدون جواب”، فقد أثبتت دمشق مرة بعد الأخرى أنها ليست مستعدة للحوار بشأن حل سياسي “وليست هذه الطريقة التي يعمل بها الأسد”.