لوفيغارو: لعبة فاغنر الغامضة دعماً لحميدتي.. أي تأثير وتداعيات؟
عربي تريند_ تحت عنوان: “لعبة فاغنر المزعزعة/ الغامضة في السودان دعماً للجنرال حميدتي”، قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إن السودان يغرق في حرب قذرة بين اللواء عبد الفتاح البرهان، الرئيس الفعلي للبلاد، واللواء محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”، الرجل الثاني السابق للبلاد زعيم ميليشيا الدعم السريع القوية.
وأضافت الصحيفة القول إن دول الجوار التي تشهد هذه المأساة الدموية، التي ولدت ببساطة من الكراهية بين هذين الضابطين، تحاول الضغط من أجل الوساطة. في هذا الصدد، تعزف روسيا ومجموعة فاغنر على وتوتر مختلف ومعقد. وتنقل الصحيفة عن آن لوري ماهي، الباحثة في كلية لندن للاقتصاد، قولها: “الروس، مثلهم مثل جميع الفاعلين، لديهم مصالح متناقضة للغاية”.
وتتابع “لوفيغارو” القول إن روسيا “الرسمية” تقف على الأقل في الخطاب، على مسافة متساوية من الطرفين، وتتجنب اتخاذ القرار حتى لا تفقد كل شيء. فالسودان هو بيدق مهم في مساعي روسيا، في السنوات الأخيرة، في توسيع نفوذها في القارة الإفريقية. من خلال اللعب على العلاقات السابقة بين الاتحاد السوفيتي وسودان الرئيس نميري، اقترب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من نظيره السوداني المخلوع الآن عمر البشير، على أمل الحصول على نصب قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، في بورتسودان.
وتنقل الصحيفة الفرنسية عن رولان مارشال الباحث في العلوم السياسية، قوله: “المصلحة الروسية الحقيقية الوحيدة في السودان هي هذه القاعدة العسكرية في بورتسودان. وفقط، الحكومة السودانية هي من يمكنها أن تحقق لموسكو هذا الهدف. ولذلك تبقى روسيا ضمن إطار القانون”.
غير أن هذا الخط يبقى متعارضاً جزئياً مع خط فاغنر.. فكما هو الحال في أماكن متفرقة في إفريقيا، انتشرت المجموعة العسكرية الروسية الخاصة التابعة ليفغيني بريغوجين في أعقاب التقارب الروسي السوداني، وسرعان ما احتلت مكانًا مهمًا. وتبدو أنشطتها في السودان مالية أكثر منها عسكرية، على عكس عاداتها في دول أخرى. ويؤكد رافاييل شيفريلون، المتخصص في هذه التجارة في معهد البحث والتطوير (IRD) لـ”لوفيغارو” أن “ميليشيا فاغنر انخرطت في تجارة الذهب” في السودان.
ويضيف القول: “شؤون فاغنر تتم إدارتها كما هو الحال بالنسبة لجميع شؤون المجموعة في الخارج. فقد تم إنشاء شركة Meroe Gold المحلية وتجمع اليوم العديد من الشركات الصغيرة؛ ومرتبطة بـM-Invest، المدرجة بدورها في شركة Concord القابضة التابعة ليفغيني بريغوجين. وتخضع معظم هذه الشركات للعقوبات الأمريكية.
تسليم الأسلحة
تتكون الأنشطة من الاستثمار في قطاع التعدين الحرفي المهم للغاية. “في الواقع، تشتري شركة فاغنر الرمال الذهبية التي تمت معالجتها جزئيًا بواسطة عمال المناجم الحرفيين.. يسحبها عبر تقنيات أخرى لاستخراج ما تبقى من الذهب. وهو أمر مربح للغاية، كما يشرح رافاييل شيفريلون، المتخصص في هذه التجارة في معهد البحث والتطوير (IRD).
للعثور على هذه الرمال- توضح “لوفيغارو”- كان المهندسون الروس مهتمين بشكل خاص بدارفور الغنية بالذهب. في هذه المنطقة الخطيرة للغاية، قلة من المستثمرين يجرؤون على المغامرة، بينما تستغل مجموعة فاغنر قدراتها العسكرية. هذه المحافظة تسيطر عليها إلى حد كبير قوات الدعم السريع وحميدتي وعائلته الذين لديهم مصالح كبيرة هناك. وهذا ما تسبب في التقارب بين حميدتي وفاغنر، وفق ما أكد خبير في المنطقة لـ”لوفيغارو”، مضيفا أن “الروابط بين الأخيرين استمرت في التعزيز منذ عام 2017.. فالكائنات يعملان بنفس الطريقة: ميليشات خاصة تعمل في ظل الدولة ولكن مع موافقتها”.
ومع ذلك- تتابع “لوفيغارو”- ما يزال حجم تجارة مجموعة فاغنر في السودان غامضًا.. نقلت شبكة CNN عن مسؤول سوداني قوله إن ما لا يقل عن 16 رحلة روسية من الذهب قد انطلقت من السودان إلى الإمارات بين عامي 2021 و2022. قد يصل تهريب الذهب السوداني إلى الإمارات مليارات الدولارات. بعد ذلك، سقط عدة مئات من الملايين في حسابات فاغنر ومولوا حربها في أوكرانيا.
لكن ماذا يقدم فاغنر مقابل هذه المكاسب؟ تتساءل “لوفيغارو”، موضحة أن الجواب غير معروف.. فعلى عكس الحلفاء الآخرين، لا يحتاج السودانيون إلى رجال للقتال، وبالتالي فإن المقابل هو بلا شك في شكل توريد الأسلحة والتدريب المحدد، كما تنقل الصحيفة عن دبلوماسي متمركز في المنطقة.
وأشارت “لوفيغارو” إلى أن التحالف الذي أقيم بين حميدتي وفاغنر كان في ذروته عندما ذهب الرجل الثاني للسودان إلى موسكو في فبراير عام 2022، في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا. ويبدو أنه تم خلال هذه الزيارة تجديد الاتفاقات بين المرتزقة والكرملين والسلطات السودانية.
لكن المعارك التي اندلعت بين القادة في الخرطوم غيرت الوضع، إذ وسّعت الخلافات ليس فقط بين المعسكرات السودانية، بل بين الروس أيضًا. فبينما ترتدي موسكو الرسمية ثوب الحياد، فإن مجموعة فاغنر مرتبطة جدًا بحميدتي، وإن كان زعيمها يفغيني بريغوجين ينفي اتخاذ أدنى موقف في الأزمة في السودان. لكن كلامه غير مقنع، تقول “لوفيغارو”.
وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز وواشنطن بوست، رصدت أجهزة المخابرات الأمريكية مؤخرًا عدة رحلات جوية بين قواعد فاغنر في ليبيا والمواقع التي تحتفظ بها قوات الدعم السريع في السودان. يتعلق الأمر بتسليم أسلحة. بالإضافة إلى ذلك، كان بريغوجين اتصل بحميدتي عدة مرات.
“الخط الدبلوماسي”
واعتبرت “لوفيغارو” أن هذه الأسلحة من فاغنر، سواء كانت حقيقية أم لا، ليست حاسمة. “فدور فاغنر في الأزمة السودانية مبالغ فيه إلى حد كبير. ليس لديهم وسائل للتأثير”، كما تنقل الصحيفة عن الباحثة آن لوري ماهي.
وتضيف آن لوري ماهي: “إذا أدى وجود بضع مئات من المرتزقة الروس على الأرض في جمهورية إفريقيا الوسطى إلى تغيير الوضع، فإن حجم الحرب في السودان لا يسمح بذلك. الجيش السوداني مدرب جيداً ولديه طائرات مقاتلة ومدرعات.. الحديث عن تأثير فاغنر هو قبل كل شيء خط سياسي ودبلوماسي. لا يعكس الحقائق. لكن هذا لا يهم، لأنه، في النهاية، له تأثيرات حقيقية للغاية”.
أول هذه التأثيرات الملموسة، بالنسبة لوزير من دولة مجاورة، هو تقريب الولايات المتحدة من البرهان. “فواشنطن تحاول إخراج فاغنر وروسيا من إفريقيا. قد تؤدي الأزمة في السودان إلى إضعافهم في هذا البلد، وهي نقطة مهمة في نظامهم. كما أنه يضع حكومة بانغي، المعروفة بقربها من فاغنر، في مأزق”.