مناورات ضخمة في السويد تحاكي صدّ هجوم روسي
عربي تريند_ تحوّلت السويد، مع فجر اليوم الاثنين، إلى ساحة عمليات عسكرية حقيقية، إذ يشارك أكثر من 26 ألف جندي غربي في مناورات تحمل اسم “أورورا 23″، بهدف تعزيز القدرة على التصدي لهجوم مسلّح، بل تأمين البلاد “ضد هجوم روسي”، كما نقلت وكالة الأنباء السويدية “تي تي”، عن وزارة الدفاع السويدية.
المناورات التي كانت قد بدأت الاثنين الماضي بمحاكاة مواجهة هجمات سيبرانية تؤدي، من بين أشياء أخرى، إلى شلل في أجهزة البنوك والتخريب ضد شبكات إمداد الكهرباء والمياه، دخلت اليوم جزءها الأكبر والأبرز، بمناورات عسكرية وجوية خصوصاً، تستمر حتى 11 مايو/ أيار المقبل، بمشاركة 14 دولة عضواً في حلف شمال الأطلسي، ومن بينها، تشارك كتيبة أميركية قوامها 700 جندي في المناورات، بهدف صدّ هجوم قوات غربية لقوات أخرى يفترض أنها روسية.
وبدأت المناورات فجر اليوم الاثنين، بإعلان الحكومة السويدية أنها تتعرض لهجوم وعمليات تخريب سيبرانية واسعة، ما يدفعها (في المحاكاة) إلى إعلان “التعبئة الشاملة”، وذلك من خلال بث عبر الإذاعة الرسمية (أس في تي راديو)، كما هو الحال في أثناء الكوارث والحروب، على افتراض تعرّض البث المتلفز لهجوم. ويفترض أن يلتحق الجنود بوحداتهم. وفي أثناء بداية الغزو المفترض، من روسيا على وجه التحديد، توجه السويد طلباً للتدخل الغربي لمساعدتها، حيث تتقاطر القوات من جبهات مختلفة، قريبة وبعيدة. وتباشر القوات الأميركية الدخول عبر الحدود الشمالية الغربية مع النرويج، وكذلك بقية القوات المستعدة منذ فبراير/ شباط 2022 للتدخل في حال توسُّع الحرب في أوكرانيا، بعد أن ظل حلف .شمال الأطلسي يحشد المزيد من قواته على تخوم روسيا
هذه المناورات التي تُعتبر الأكبر منذ 25 عاماً في السويد، تحوّلت من مجرد تمرينات عسكرية خُطّط لها قبل سنوات، إلى مناورات ما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وستكون على نطاق واسع، وتشمل غالبية الجغرافيا السويدية. ومن الملاحظ أن الجار الفنلندي سيشارك بأكثر من 1200 من القوات، إلى جانب المشاركة الأميركية الواسعة، والبحرية البريطانية التي ستتولى حماية البحرية السويدية وصد محاولات إنزال روسية.أخبار
وتعترف استوكهولم بأن استضافتها الآن لهذا الحجم الكبير من العسكريين الغربيين، ستحول الأراضي السويدية إلى ساحة معركة حقيقية لاختبار القدرة على الدفاع عن البلاد بوجه أي قوة غزو خارجي، إذ تحاكي أيضاً “معارك شرسة وسقوط خسائر على الجانبين”.
وتأتي هذه الخطوة لتؤكد أن السويد تخلّت تماماً عن سياسات الحياد بين الأحلاف العسكرية، التي عجّل منها غزو روسيا لأوكرانيا، وتصاعد التوتر الروسي-الغربي. واعتبر الجنرال السويدي، ستيفان أندرسون، في تصريحات تلفزيونية، أن ما يجري “أهم مناورة تدريبية قبل الانضمام إلى “الناتو”، وسيجري اختبار قدرة السويد على استقبال والتعاون مع قوات الحلف، ويتعلق ذلك بالطبع، بما إذا كان (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين سيهاجمنا”.
ويؤكد ذلك أن السويد، وحتى دون حسم عضويتها في “الناتو”، تتجه نحو تعاون أوثق مع الحلف الغربي، في ضوء مخاوف متزايدة من الجار الروسي. فبحر البلطيق، الذي تطل عليه السويد، بات أكثر ازدحاماً بالحشود العسكرية الغربية، وبالأخص بعد تفجير خطي “نوردستريم 1 و2” (سيل الشمال الذي كان ينقل الغاز الروسي نحو ألمانيا) في أواخر صيف العام الماضي.
واعتبرت استوكهولم أنها “تتصرف بشفافية مع الروس، ليفهموا أهداف هذه المناورات”. وأكدت من خلال وسائل إعلامها أن “الحكومة وصلت إلى نتيجة مفادها أن خطر الحرب كبير جداً، لدرجة أنّ من الضروري إصدار أمر تعبئة عبر الإذاعة السويدية، ويشمل جميع جنود الاحتياط بالإبلاغ”. وأُعلن أمر التعبئة فجر اليوم الاثنين، ليكون محاكياً لهجوم حقيقي، تزامناً مع هجوم العدو المفترض من عدة جبهات في جنوب البلاد، وبعد ذلك ستكون مهمة جيش السويد التمسك بالأرض، بانتظار الحصول على مساعدة من حلف الأطلسي.
ويعكس تقاطر آلاف الجنود الغربيين نحو السويد، مستوى التوتر المتزايد في أقصى الشمال الأوروبي. ويعتقد خبراء عسكريون وسياسيون في اسكندنافيا، أن موسكو تخسر منذ الحرب في أوكرانيا “القدرة على ردع” الانتشار العسكري في البلطيق، ومناطق تخوم إسكندنافية غير بعيدة عن مصالح روسيا. فخريطة توزع القوات المشاركة في المناورات تشمل مسير قوات أميركية لمسافة تزيد على 700 كيلومتر، آتية من النرويج، التي يتعزز فيها وجودها العسكري، مع محاكاة تعرضها لهجمات واشتباك مع القوات الغازية المفترضة. بل إن منطقة البلطيق، التي يتوسع فيها وجود “الناتو”، ستشهد وصول قوة بحرية بريطانية داعمة لقوات مؤللة تصل من فنلندا، فيما تباشر القوات البولندية عمليات إنزال جوي لمساندة القوات السويدية التي تتعرض لهجوم روسي.
أضف إلى ذلك أن المناورات تأخذ بالاعتبار تعرّض استوكهولم لهجوم بصواريخ روسية، وبالتالي تنتشر صواريخ “باتريوت” الأميركية حول العاصمة السويدية بقصد التصدي لها، إلى جانب أن السكان سيسمعون أصوات القصف والاشتباكات، بما في ذلك مشاركة الطيران في قصف القوات الروسية المتقدمة، وإمكانية حدوث ازدحامات مرورية، وانشغالات في المستشفيات تحاكي نقل المصابين.أخبار
وبحسب بيانات وزارة الدفاع السويدية، سيكون ممكناً للطائرات البولندية المشاركة في القصف، إلى جانب قصف الطائرات السويدية “غريبن” سواحل بولندا على البلطيق لمواجهة إنزالات روسية مفترضة، وهو ما يعني أن التنسيق العسكري لم يعد يخضع لقرارات سياسية في حال اندلاع مواجهة في البلطيق، وهي أشبه بتلك التي يتبادل فيها الدنماركيون والسويديون منذ 2016 حق الطيران العسكري المتبادل في أجوائهما بقصد التصدي للاختراقات الروسية.
ووجّهت استوكهولم بيانات لمواطنيها منذ أعوام بضرورة التزود بالأغذية والمياه والمواد الضرورية بصورة دائمة صالحة لمدة 3 أسابيع، إذا ما حصل اعتداء خارجي على البلاد، وريثما تعود السلطات إلى عملها.
وتزايد التوتر بين موسكو واستوكهولم خلال الأشهر الماضية، وتحديداً بعد أن قدّمت مع هلسنكي طلباً مشتركاً للانضمام إلى حلف الأطلسي. وبينما حُسمت عضوية الثانية، تنتظر السويد التصويت التركي لحسمها. ولكن تأخر العضوية لا يبدو أنه يؤثر في الجهود العسكرية المتزايدة في مناطق “مجموعة دول الشمال”، التي تعيش قلقاً من تكرار التهديدات الروسية، بعد أن انخرطت بصورة نشطة في الجهود الغربية المتواصلة لدعم كييف عسكرياً.
ونقلت محطة “أس في تي” السويدية عن الباحث في “أكاديمية الدفاع” في استوكهولم، ماغنوس كريستيانسون، قوله إنّ “من الصعب جداً أن يقوم الروس بشيء ما لعرقلة المناورات، فقد أفرغوا جميع قواعدهم وألقوا بها في حرب أوكرانيا”. وهو بذلك يؤكد الفرضيات المتزايدة حول أن روسيا فقدت منذ غزوها لأوكرانيا، قدرتها على الردع، ومنع حلف الأطلسي من هذا الوجود العسكري الكبير الممتد من البلطيق إلى تخوم بحر بارنتس في الدائرة القطبية الشمالية. واعتبر الخبير العسكري أنّ “من حق السويد أن تدافع عن نفسها، وتمنع مع الحلف الغربي زعزعة الاستقرار في منطقة البلطيق، حيث اختارت روسيا أن تندفع نحو صراع مع أوروبا”.