بلومبرغ: ما هو المردود غير المتوقع لقمة شي وماكرون؟
عربي تريند _أثارت زيارة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون للصين ولقاؤه بالرئيس الصيني شي جين بينج مؤخرا ردود فعل متباينة؛ خاصة تصريحات ماكرون التي أعقبت الزيارة، والتي أغضبت الكثيرين في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
ويقول الأدميرال الأمريكي المتقاعد جيمس ستافريديس في تقرير نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إنه رغم ذلك اتضح أن ذلك اللقاء الدبلوماسي المهم للغاية أقل أهمية مما توقع الطرفان، ولحسن الحظ، لا يبدو أنه أدى إلى التسبب في أضرار كان يخشاها الكثيرون في الولايات المتحدة.
وقد وصفت تلك الزيارة بأنها انفراجة دبلوماسية محتملة، يمكن خلالها أن يقنع ماكرون بشخصيته الكاريزمية الرئيس الصيني بدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تربطه به صداقة “بلا حدود” إلى المشاركة في مفاوضات سلام بشأن الحرب في أوكرانيا. من ناحية أخرى، يحتمل أن شي كان يأمل في إحداث انقسام في التحالف الغربي، وبناء علاقات ثنائية أكثر قوة مع فرنسا.
ومع ذلك، يبدو أن الزيارة لم تسفر عن أي شيء أساسي، وأبقت على عدد من الأسئلة بدون إجابة. والأمر الأكثر أهمية هو: ماذا تقول القمة عن العلاقات بين بكين وأوروبا على نطاق واسع؟ وقد تمثل أحد جوانب الزيارة في الاهتمام الأقل مما ينبغي بوجود رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في الصين. فقد حظي ماكرون بمعاملة فاخرة- شملت تناول الشاي في مدينة قوانجشو التي كان يقيم فيها والد شي (قبل سقوطه الدراماتيكي من السلطة أثناء الثورة الثقافية).
ولم يكن الترحيب بفون دير لاين على مستوى عال في مطار بكين، ولم يتم دعوتها لبعض الفعاليات التي كان من الواضح للغاية أن ماكرون كان الشخصية الرئيسية فيها.
وقال ستافريديس إن محاولة التقليل من شأن فون دير لاين كان خطأ من جانب الرئيس الصيني. وأضاف: “إنني أعرفها منذ أن كانت وزيرة للدفاع في ألمانيا بعد أن كنت قائدا أعلى للقوات المتحالفة في حلف شمال الأطلسي”، وبقينا على اتصال طوال العقد الماضي، وعملها في حكومة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، وحاليا في الاتحاد الأوروبي يستحق العرفان، فهي صلبة، وعميقة التفكير، وذكية إستراتيجيا، ومرشحة بارزة لتصبح أول امرأة تترأس الناتو. ولا شك أن شي ضايقه بعض تصريحاتها قبل زيارتها للصين، حيث وصفتها بأنها دولة قمعية على الساحة الدولية، كما أدلت بآراء متشددة بشأن تهديد الصين لتايوان.
وتمثل هدف ماكرون المعلن من الزيارة في تعزيز مسار إلى الأمام في الحرب الأوكرانية، وقد شجع ماكرون شي على بحث الوضع مباشرة مع الرئيس الأوكراني فولدومير زيلينسكي، وربما حقق ماكرون نجاحا أكبر في الحصول على بعض المكاسب التجارية لبلاده، وقد رافقه عشرات من رجال الأعمال الفرنسيين.
وأعرب ماكرون عن شعوره بالضيق وهو يستنكر”فك الارتباط”، وهو ما يعني انفصال الولايات المتحدة والصين عن بعضهما اقتصاديا، والاتجاه نحو وضع اقتصادي في ظل حرب باردة. وتعتبر بكين فك الارتباط خطوة أولية لإستراتيجية غربية للاحتواء لعرقلة نمو الصين وقوتها.
ومن الناحية الدبلوماسية، تمثلت إستراتيجية شي في محاولة لجذب فرنسا بعيدا عن موقف الحلف الأطلسي الأوسع نطاقا بشأن الحرب في أوكرانيا، والحد من الدعم الأوروبي لتايوان، وتقويض محاولات الولايات المتحدة لعزل الصين اقتصاديا أو في الفضاء السيبراني.
وتأتي محاولات الصين مع فرنسا في وقت تشهد فيه الدبلوماسية الصينية نجاحا كبيرا، خاصة في تحقيق تقارب مفاجئ بين إيران والسعودية.
ويقول ستافريديس إنه يبدو بعد مضي أسبوع لم يحقق أي من الطرفين أهدافه. ووفقا للبيان الختامي المشترك يتضح أن الصين غير مستعدة لاتخاذ موقف رئيسي لتحقيق السلام في أوكرانيا. وفي أفضل الأحوال، ربما حصل ماكرون على ضمان خاص بأن الصين لن ترسل شحنات أسلحة رئيسية إلى موسكو.
والقضية الأكثر أهمية بالنسبة للطرفين هي في الحقيقة أكبر من فرنسا- وهي الدور الأوروبي الشامل في هياكل الأمن العالمية ونظام التجارة الدولي. وكان هنري كيسنجر قد قال في أحد مقالاته إن أوروبا “على مفترق طرق حاد”.
وأكد ستافريديس أن الأوروبيين يزدادون تقاربا، خاصة بعد أن اختارت المملكة المتحدة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهذا خبر سار بالنسبة للولايات المتحدة. فالأوربيون أكثر قوة عندما يتّحدون، ويتنافسون بصورة جماعية مع الصين فيما يتعلق بإجمالي الناتج المحلي والإنفاق العسكري.
ولم يكن لدى واشنطن ثقة كبيرة في أن يستطيع ماكرون إقناع شي بالابتعاد عن موسكو، ولكنها كانت تحبس أنفاسها وهي تأمل ألا تؤدي الزيارة إلى إلحاق الضرر بمركز الجاذبية الرئيسي في حرب أوكرانيا، المتمثل بالوحدة الغربية والإرادة عبر الأطلسي.
ورغم أن ماكرون وفون دير لاين لم يستطيعا تقريب الصين من الموقف الأوروبي بشأن أوكرانيا، لكن سوف تؤدي جبهتهما الموحدة بشأن الأمور الجيوسياسية الأطول مدى إلى خدمة الغرب جيدا.
(د ب أ)