فضيحة الوثائق المسربة: مصر فكرت بإنتاج صواريخ ورصاص لروسيا والسيسي طلب التكتّم عليها
عربي تريند_ كشفت صحيفة “واشنطن بوست”، في تقرير حصري، أن مصر عبد الفتاح السيسي خطّطت لتزويد روسيا بمقذوفات صاروخية، حسب الوثائق السرية المسربة.
وجاء في تقريرها، الذي أعدّه إيفان هيل وميسي ريان وشيبون أوغريدي وصمويل أوكفورد، أن النظام المصري خَطّطَ لإنتاج 40.000 صاروخ لروسيا، وأَمَرَ المسؤولين بإخفاء الإنتاج والشحن سراً، لتجنب المشاكل مع الغرب.
كل هذا مع أن نظام السيسي يُعْتَبَر من أهم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأهم متلقٍ للمساعدات الأمريكية السنوية، ومع ذلك فقد أَمَرَ المسؤولين العاملين لإنتاج الصواريخ سراً.
وتقول الصحيفة إن جزءاً من الوثائق المسرّبة يعود إلى شباط/ فبراير، ويحتوي على ملخصات تشير لحوارات بين السيسي ومسؤولي الجيش المصري البارزين، وتشمل على إشارات لتقديم طلقات مدفعية ورصاص. وفي واحدة من الوثائق، أمرَ السيسي المسؤولين إخفاءَ الإنتاج والشحن “لتجنب المشاكل مع الغرب”.
وتقول “واشنطن بوست” إنها حصلت على الوثائق السرية، وهي عبارة عن شرائح إيضاح/ سلايدات وإحاطات قُدّمت للمسؤولين الأمريكيين، وأعدّتْها هيئة الأركان المشتركة والمخابرات الأمريكية.
وجاء الكشف عن الوثائق في وقت تخوض فيه روسيا حرباً في أوكرانيا، والتي حاول فيها كل طرف الحصول على دعم عسكري بعد نضوب ما لديه من أسلحة في ترسانته.
وفي رد على أسئلة حول الوثائق وصحة الحوارات، قال السفير أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية: “موقف مصر منذ البداية قام على عدم التدخل في هذه الأزمة، والالتزام بابتعاد عن الطرفين بشكل متساو، والتأكيد على دعم مصر لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة”. وأضاف: “نواصل حث الطرفين على وقف الأعمال العدوانية، والتوصل إلى حل سياسي عبر التفاوض”.
وعلّقَ مسؤول أمريكي، تحدثَ بشرط عدم ذكر اسمه: “نحن لسنا على علم بتنفيذ الخطة”، في إشارة لمبادرة تصدير الصواريخ، و”لم نر أن هذا قد حدث”. وقالت صابرينا سينغ، المتحدثة باسم البنتاغون، إن وزارة العدل فتحت تحقيقاً في التسريبات.
وتعلق الصحيفة أن تقديم أسلحة لروسيا من أجل استخدامها في حرب أوكرانيا يعد مقامرة لمصر، الدولة التي لا تزال لديها علاقات قوية مع الولايات المتحدة، رغم علاقاتها العميقة مع روسيا، وتتلقى منذ عقود أكثر من مليار دولار كمساعدة أمنية سنوية من واشنطن.
ولم تشر الوثيقة إلى سبب اهتمام روسيا بالصواريخ والذخيرة، لكن القوات الروسية تستخدم كميات كبيرة منها في المعارك والهجمات ضد أوكرانيا. وزعمت الولايات المتحدة أن كوريا الشمالية قامت سراً بتزويد روسيا بطلقات مدفعية، وأن الصين تفكر بعمل نفس الأمر.
ووقفت مصر وبقية الدول في الشرق الأوسط على الحياد، أو على الهامش في المواجهة بين الغرب وروسيا حول أوكرانيا، حيث حاولت هذه الدول إحاطة نفسها ضد تراجع الدور الأمريكي في المنطقة. فقد زاد الغزو الروسي لأوكرانيا من أسعار النفط، ووضعَ ضغوطات على مصر، التي تعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث تأتي نسبة 80% منه من أوكرانيا وروسيا.
وقال السناتور الديمقراطي عن ولاية كونكتيكت كريس ميرفي: “مصر هي واحدة من أقدم حلفائنا في الشرق الأوسط”، و”لو صحَّ أن السيسي قام بإنتاج الصواريخ لروسيا لاستخدامها في أوكرانيا، فنحن بحاجة لنظرة جدية حول حالة العلاقات”. وقالت سارة مورغان، مديرة السياسة الخارجية في مؤسسة المجتمع المفتوح، والمرشحة مرة لمنصب كبير لشؤون حقوق الإنسان في الخارجية: “صفقة دولية وتسليم صواريخ للحكومة الروسية، التي ارتكبت هذه الحرب الواضحة والجرائم الأخرى، هي خارج التفكير، وبخاصة من حليف ظاهري للولايات المتحدة”.
وتقول الصحيفة إن الكشف عن الوثيقة، لو كان صحيحاً، يطرح أسئلة حول “استمرار الولايات المتحدة بدعم وتزويد” مصر لو حاولت حكومة السيسي القيام بصفقة “تخدم الحاجات الماسة لها، ولكنها ستترك أثراً دولياً سلبياً”.
وقال مايكل حانا، مدير برامج أمريكا في مجموعة الأزمات الدولية، إن “إدارة بايدن كانت قائدة للجهود الغربية من أجل حرمان روسيا ومرتزقتها من التكنولوجيا والأسلحة التي تحتاجها للحرب في أوكرانيا ومعاقبة أعداء أمريكا مثل كوريا الشمالية التي فعلت هذا”. وأضاف: “فكرة أن مصر تلعب هذا الدور إحراج للولايات المتحدة”.
وتصف الوثيقة، التي تعود إلى 1 شباط/ فبراير، السيسي وهو يأمر بالتكتم على الإنتاج من “أجل تجنّب المشاكل مع الغرب”، وأخبر شخصاً أشار إليه بصلاح الدين أنه يجب إخبار عمال المصنع أن المقذوفات الصاروخية هي للجيش المصري. وصلاح الدين، ربما كان محمد صلاح الدين، وزير الإنتاج العسكري. أمام الرصاص فسينتج في مصنع 18، حسب الوثيقة، وهو اسم مصنع للكيماويات قديم.
وتشير الوثيقة إلى أن صلاح الدين أخبر الرئيس أنه “سيأمر العاملين بالعمل بورديات، إن اقتضى الأمر، لأن هذا أقل ما تعمله مصر لروسيا ودفع ما قدمته لها سابقاً”، من دون ذكر طبيعة الدعم هذا. وتنقل الوثيقة عن صلاح الدين قوله إن الروس أخبروه بأنهم “مستعدون لشراء أي شيء”.
ولدى مصر وروسيا اتفاقيات مهمة في السنوات الأخيرة، مثل صفقة لبناء ورشة للسكك الحديدية، فيما بدأت شركة روستوم، للإنتاج النووي ببناء أول مفاعل نووي مصري، في العام الماضي. وأهم من كل هذا هو أن
مصر حولت انتباهها لشراء معظم قمحها من روسيا بسبب الحرب، وقد ساعدتْها الترتيبات هذه على تجنب أزمة خبز، يدخل في كل وجبة بمصر، وعدم إثارة سخط اجتماعي.
ومصر راغبة بتجنب انتفاضة في البلاد بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة، بما في ذلك تخفيض قيمة العملة ومعدل التضخم العالي وأسعار المواد الغذائية المرتفعة، وتسبّبت بها جزئياً الحرب في أوكرانيا، مما زاد من مستويات الإحباط بين المواطنين.
وفي الوثيقة تحدثَ السيسي عن تفكيره بـ “بيع المواد العادية” للصين من أجل فتح المجال أمام “إنتاج المزيد من ساكر45″، أي نوع من المقذوفات الصاروخية بحجم 122 مليميتر، والمنتج في مصر. ولم تشر الوثيقة بوضوح إن كانت الصواريخ المنتجة من نوع ساكر 45، لكنها ستكون متناسبة مع قاذفات الصواريخ المتعددة الروسية، غراد.
وتعلق الصحيفة بأن فكرة تزويد مصر روسيا بالسلاح قد يحفّز أمريكا لفرض عقوبات على القاهرة. وقالت الصحيفة إن الصناعة العسكرية ازدهرت في السنوات الأخيرة، ومنذ صعود السيسي للحكم، حيث أشرفَ على بناء العديد من المصانع، كان واحداً منها مصنع 300، الذي افتتحه عام 2020. وهو مصنع ينتج الذخائر والصواريخ. وفي نفس العام، قدمت مصر خطة لتوسيع إنتاج هذه المواد، بما فيها ذخيرة وقطع غيار لأسلحة أخرى.
وفي الوقت الذي لا تشير فيه الوثيقة المسربة للطريقة التي حصلت فيها الولايات المتحدة على المعلومات التي تداولها السيسي مع مسؤوليه، فإن بعضاً منها جاء من خلال “استخبارات الإشارة”، وهي طريقة يتم فيها رصد الحوارات من خلال التنصّت. ولدى الولايات المتحدة قدرات تنصت عالية، وتاريخ في اعتراض الاتصالات للقادة الأجانب. وربما حصل حوار السيسي بعد أيام من زيارة أنطوني بلينكن للقاهرة، حيث سافر وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى موسكو بعد أيام.
وتوترت العلاقة، في السنوات الأخيرة، بين إدارة بايدن ومصر بسبب قمع الحكومة لمنظمات العمل المدني وانتهاكات حقوق الإنسان. وقالت سارة ياغر، مديرة هيومان رايتس ووتش، والتي طالبت بحظر بيع الأسلحة لمصر، إن تصدير الأسلحة للخارج يسهم في انتهاكات حقوق الإنسان. وأضافت: “أتساءل إن تم استخدام أي دعم أمني أمريكي لإنتاج الأسلحة التي كانت ستذهب إلى روسيا”. وأعلنت الحكومة الأمريكية، في أيلول/سبتمبر، عن حجب جزء من المساعدة السنوية 1.3 مليار دولار لمصر بسبب حقوق الإنسان.