لوموند: نتنياهو يقترب من حرب أهلية داخل إسرائيل ويهدد التطبيع مع العرب خارجها
عربي تريند_ قال كاتب العمود في صحيفة “لوموند” الفرنسية آلين فراشون، إن الأزمة التي تمر بها الدولة اليهودية من المرجح أن تعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وأن تقوض اتفاقات أبراهام التي أضفت طابعاً رسمياً على التعاون الأمني بين دول المنطقة في وجه إيران.
وطرح الكاتب فرضيتين: حكومة بنيامين نتنياهو غير متوافقة مع السعي للتطبيع الإسرائيلي العربي. لن يكون هناك عودة إلى الوراء، لكن لن يكون هناك تقدم سواء في ديناميكيات ما يسمى باتفاقات أبراهام، أو الاعتراف الرسمي بإسرائيل. في هذا المعنى، فإن الأزمة التي تمر بها الدولة اليهودية ليست إسرائيلية بحتة بل لها عواقب إقليمية، وهي مؤشر على توجهات ما تزال في طور الظهور، ولكن من المرجح أن تسلط الضوء مجدداً على مأساة قديمة انزلقت تحت البساط في السنوات الأخيرة، والتي يمكن أن تعود إلى الواجهة في المنطقة: القضية الفلسطينية.
أقامت اتفاقات أبراهام، علاقات دبلوماسية بين إسرائيل من جهة، والإمارات والبحرين من جهة أخرى. وهكذا انضمت دولتان عربيتان إلى مصر والأردن في الاعتراف رسمياً بإسرائيل. لم تكن هذه الحركة ممكنة لولا الضوء الأخضر من المملكة العربية السعودية. وقد أضفت الاتفاقات الطابع الرسمي على التعاون الأمني الإسرائيلي العربي الذي تطور لعدة سنوات ضد عدو مشترك، هو جمهورية إيران الإسلامية.
فهناك جبهة بين العالم العربي السني وإسرائيل؛ وجبهة أخرى، إيران وداعموها في العراق ولبنان وسوريا. خط الصدع هذا رسم وما زال يرسم الصورة الاستراتيجية للمنطقة. لقد همشت القضية الفلسطينية، وهي نقطة طويلة ومتضاربة في العلاقات بين الإسرائيليين والعرب. إن محاولات إيران للتوسع في الأراضي العربية، إلى جانب تقدمها المطرد نحو السلاح النووي، حولت القضية الفلسطينية إلى أولوية في العواصم العربية.
وأوضح الكاتب أن الأمور كانت تسير على هذا النحو في الآونة الأخيرة، لكن تيار التاريخ قد يكون على وشك التحول، إذ يبدو أن هناك تطورين يتشكلان في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، وفي العلاقات بين العالم العربي وإيران. تحولان يقوضان معاً ديناميات اتفاقات أبراهام.
وفي الوعي الجماعي للعرب، تبقى القضية الفلسطينية، أي شعب يتقاسم نفس الأرض مع إسرائيل، على قيد الحياة. لقد رأينا ذلك في ديسمبر 2022 خلال بطولة كأس العالم في قطر. وهذا يعني أن اتفاقات أبراهام تفترض، ضمنيًا أو بشكل صريح، من الجانب الإسرائيلي، إن لم يكن انفتاحاً، على الأقل شكلاً من أشكال ضبط النفس في الأراضي المحتلة. إنها مسألة ذكاء سياسي. لكن ضبط النفس ليس من سمات الأحزاب المتطرفة التي تشكل الأغلبية في حكومة نتنياهو، والتي تعتزم ضم الضفة الغربية بشكل محض وبسيط، متجاهلة الاتفاقات السابقة التي أبرمتها إسرائيل، وتريد بناء المستوطنات في أي مكان، وألا يكون للفلسطينيين رأي، كما يقول الكاتب.
لتنفيذ برنامج هذه الأحزاب يجب ألا تكون المحكمة العليا الإسرائيلية عقبة في طريقها. ومن هنا جاءت المعركة التي يخوضها ببراعة جزء من المجتمع المدني الإسرائيلي ضد مشروع الإصلاح القضائي لحكومة نتنياهو. لكن في الضفة الغربية، يشعر مؤيدو الاستيطان المتسارع بالراحة لأن ممثليهم موجودون الآن في قلب الدولة.
ومضى الكاتب إلى القول إن السلطة الفلسطينية، التي فقدت مصداقيتها، وفي عملية نزع الشرعية المتقدمة، تطغى عليها مجموعات من الشباب الفلسطينيين المسلحين الذين يهاجمون الإسرائيليين في الضفة الغربية. تتصاعد الاشتباكات مع الجيش أو مع الجيل الجديد من المستوطنين. هؤلاء هم أتباع ما يسميه الباحث ديفيد خلفا في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية ”لاهوت الانتقام الحقيقي”.
العنف شبه اليومي: قُتل ما لا يقل عن 87 فلسطينيا منذ بداية العام، ويمكن أن تنزلق الضفة الغربية إلى الفوضى. ويشعر الأردن بالقلق بعد تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش من باريس والتي نفى فيها وجود الفلسطينيين كأفراد وشعب، ووقف أمام خريطة لإسرائيل تضم ضفتي الأردن. وبثت التلفزيونات العربية هذه الصور.
ويقول الكاتب: “نحن نتحدث عن القضية الفلسطينية مرة أخرى. الإمارات تؤجل زيارة بنيامين نتنياهو لأبو ظبي. نفس الإحراج في واشنطن، حيث لا يخطط جو بايدن “على المدى القصير” لاستقبال رئيس الحكومة الإسرائيلية. كان نتنياهو يحلم باستكمال اتفاقات أبراهام، وإقامة علاقات دبلوماسية مع المملكة العربية السعودية. في الوقت الحالي، ما يزال هذا حلما”.
ويفسر الكاتب ذلك بأن تطورا آخر يتشكل. يدفع الانسحاب النسبي للولايات المتحدة من المنطقة، والثقل الذي تلعبه الصين هناك اليوم، بدول الخليج العربية لتجديد الحوار مع إيران. بعد عامين من المفاوضات التي رعتها بكين -وهذه الصياغة وحدها تشير إلى حقبة جديدة في الشرق الأوسط- ستستأنف الرياض وطهران العلاقات الدبلوماسية. من جانبها، تعمل الإمارات على تعميق علاقاتها مع طهران. الحلفاء العرب للولايات المتحدة يتحررون. هذا التطور، الدائم أو قصير المدى، لا يدعم منطق اتفاقات أبراهام، حتى لو لم يلغها.
ويختتم الكاتب بالقول: “في الداخل، نتنياهو على حدود الحرب الأهلية. وفي الخارج يهدد التطبيع العربي الإسرائيلي”.