لوفيغارو: هكذا بات السودان فريسة للمنافسات العسكرية
عربي تريند_ “السودان.. فريسة للمنافسات العسكرية”، قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إنه وراء الهدوء الواضح، تسود أجواء متوترة في العاصمة السودانية. وتنقل الصحيفة عن محلل سياسي طلب عدم الكشف عن اسمه، قوله: “إنها المرة الأولى التي أجهز فيها خطة إخلاء لفريقي”. وهو قلق مشترك مع ذلك الذي بات يخيم على بعض المستشاريات الغربية المستقرة في الخرطوم.
السبب – توضح “لوفيغارو”- يكمن في التوترات بين اللواء عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة، ونائبه محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”، زعيم ميليشيا قوات الدعم السريع القوية. فإذا كان الأول هو نتاج خالص للمؤسسة العسكرية وينتمي إلى نخبة وسط البلاد، فإن حميدتي من عائلة من البدو الرحل من دارفور. وقد زاد الرجلان، اللذان اقتسما السلطة منذ انقلاب 25 أكتوبر عام 2021، الضغط الأسبوع الماضي باستدعاء القوات التابعة لكل منهما إلى الخرطوم، توضح الصحيفة. و“بالإضافة إلى العسكرة المفرطة، هناك إثنية مقلقة للصراع بين الدارفوريين وكردفان من ناحية، وسكان وسط البلاد من ناحية أخرى”، تنقل الصحيفة عن خلود خير، مؤسسة مركز الأبحاث Confluence Advisory.
وتابعت “لوفيغارو” القول إن هذا التنافس بين الرجلين وعلى نطاق أوسع بين المؤسستين ليس بجديد. ومع ذلك، كان الدكتاتور الجنرال المخلوع عمر البشير هو الذي حول في عام 2013 ميليشيات الجنجويد المستعرة في دارفور إلى قوة نظامية لإخماد التمردات المختلفة في البلاد. لكن الجماعة شبه العسكرية بقيادة حميدتي سرعان ما أصبحت واحدة من أقوى الجماعات المسلحة في البلاد، لدرجة أنها أصبحت قادرة على منافسة الجيش السوداني.
على الرغم من هذا الزواج القسري على رأس الدولة – تضيف “لوفيغارو”- فإن الرجلين يقفان معًا ضد المدنيين بعد انقلاب 25 أكتوبر عام 2021. لكن ضغط الشارع ورفض المجتمع الدولي الاعتراف بالمجلس العسكري يجبر الانقلابيين على قبول الانتقال السياسي.. وينص الاتفاق الموقع في 5 ديسمبر على تشكيل حكومة مدنية، وعودة الجنود إلى ثكناتهم، ودمج قوات الدعم السريع داخل الجيش، وهي فرصة لهذا الأخير للتخلص من هذه المليشيا التي أصبحت مرهقة للغاية، تقول “لوفيغارو”.
بداية التقارب
منذ ذلك الحين، ضاعف حميدتي، قائد قوات الدعم السريع مناشداته للدوائر الثورية بينما نأى بنفسه عن البرهان. ووصف الانقلاب مؤخرًا بأنه “خطأ”، مضيفًا أنه “لن يسمح بقتل متظاهرين آخرين أو اعتقال سياسيين آخرين”، تشير “لوفيغارو”، قائلة إن حميدتي، الذي عهد بإدارة صورته إلى شركة ديكنز آند مادسون الكندية منذ عام 2019، يسعى إلى تقديم نفسه كزعيم سياسي مقبول في نظر السودانيين والمجتمع الدولي. ويندرج اختيار اللجنة الوطنية السودانية لحقوق الإنسان له مؤخرًا “شخصية العام” في هذا الإطار.
واعتبرت “لوفيغارو” أن الرجل البالغ من العمر 48 عامًا يستغل نفوذه في منطقة دارفور التي يتحدر منها وسيطرته على احتياطيات الذهب الرئيسية في البلاد تمهيدا للانتخابات المقرر إجراؤها في نهاية الفترة الانتقالية. وتنقل “لوفيغارو” عن بشرى الصائم، وهي من المعارضين السياسيين منذ فترة طويلة، قولها إن “حميدتي ينفق الكثير من الأموال لتكوين جمهور ناخب وتأمين دعم الجماعات الصوفية ودوائر الأعمال”.
من جانبه- تتابع “لوفيغارو”- تحول البرهان إلى الإسلاميين بحثاً عن قاعدة شعبية. كما استغل رئيس مجلس السيادة الانقلاب لإعادة دمج أنصار النظام القديم في جهاز الدولة، بدءاً بوزارة العدل، التي أصبحت الآن مرة أخرى معقلاً للإسلاميين. وهي طريقة للبرهان لمواجهة قبضة حميدتي المتزايدة على الإدارة المدنية. لكن من الواضح أن هذا الدعم ليس مجانيًا، إذ يريد الإسلاميون التخلص من حميدتي الذي أبدى أكثر من مرة عداءه لهم.
بدورها – توضح “لوفيغارو”- تحاول المعارضة المدنية المنتشرة في قوى الحرية والتغيير الاهتمام بهذه الخلافات، معتبرة أنها “مناورات سياسية”. ويرى ياسر عرمان، الناطق باسم قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، أن “حميدتي والبرهان ليسا على استعداد لدفع ثمن حرب أهلية تؤدي إلى تدمير البلاد، مشددا على أنه لا يمكن حل هذه التوترات إلا من خلال الاتفاق السياسي الذي وقعه كلاهما، مضيفا أن الانتعاش الأمني والخوف من اندلاع حريق قد يدفع المدنيين “لقبول التنازلات”.
واعتبرت “لوفيغارو” أن التساؤلات حول تفكيك النظام القديم والسيطرة المدنية على المشاريع العسكرية غير الاستراتيجية تثبت أنها مسألة شائكة. كما أن هناك قضية حساسة أخرى هي العدالة الانتقالية والمسؤولية الجنائية للبرهان وحميدتي في فض الاعتصام في حزيران 2019 وفي مقتل 125 متظاهراً منذ الانقلاب.
وأشارت “لوفيغارو” إلى أنه بدا هناك تقارب بين الخصمين خلال حفل زفاف نظمه طبيب مشهور من الخرطوم في نهاية الأسبوع. وهو مهم للسودان والعملية الانتقالية الهشة التي لا تحل تضارب المصالح بين جيشي البلاد، تقول الصحيفة الفرنسية.